"إكرام الميت دفنه".. كواليس عودة "الشيف" الميت إلى حلوان.. و73 جثة مجهولة خلال عامين

حوادث

بوابة الفجر


رئيسة الطب الشرعي بالقوات المسلحة: لا يوجد قانون يحكم التعرف على الجثث

إجراء تحليل الـDNA هو الأكثر دقة من تحليل الدم للجثة 

يجب أن تكون التحاليل يقينية لأن أمور مصيرية بتترتب عليها


خلال العامين الماضيين، استقبلت مصلحة الطب الشرعي 73 جثة مجهولة الهوية، اختلفت أسباب الوفاة فيها ولكن النتيجة واحدة أن الجثة لا صاحب لها ولا مسؤول عنها.

وفي حال عدم التوصل إلى أسرة الجثة مجهولة الهوية تُدفن في أقرب مقبرة من مقابر الصدقة، الأمر الذي سبب العديد من المشاكل لاسيما مع وجود مختفين يبحث ذويهم عنهم بلا جدوى، ناهيك عن المشاكل التي تواجه الأسر عند تسليم الجثث الخاصة بهم بسبب الإجراءات الروتينة.

الميت الحي
أحد ضحايا أزمة الجثث المجهولة هو "الميت الحي" الذي أثار الجدل بقصته الغريبة من نوعها، فهي قصة قد لا نسمع عنها إلا في السينما فقط ولا يصدقها عقل، ميت يعود للحياة مرة أخرى بمجرد سماعك للجملة فقط يتوقف العقل عن التفكير ويبدأ في الذهول كيف هذا يحدث؟

كانت أمنية رمضان هي التخلص من حياته، ولكنه لم يكن يدري أن يومًا ما ستتحقق أمنيته، فبعد يأسه من الحصول على عمل قرر السفر للبحث في محافظة أخرى، ليفاجأ بأن أمنيته تتحقق بأن أصبح ميتًا بين يوم وليلة وأقيم سرادق عزاء يبكي أهله وأحبابه عليه.

رواية أشبه بالخيال بطلها كان يعمل شيف بأحد المطاعم في عرب غنيم بحلوان، ما دفعنا للتعرف على تفاصيل أكثر من أهالي المنطقة للكشف عن المسؤول عن هذه الكارثة التي حلت بالميت الحي الذي عاد بعد دفنه بأربعة أيام سط ذهول من الجميع.

العائد من الموت
في شارع طويل بمنطقة عرب غنيم يوجد عقار مكون 6 طوابق معظمه من عائله واحدة وهي عائلة رمضان علاء الدين بطل العائد بعد موته كما يلقبونه.

بمجرد دخولك المنطقة لا أحد لا يعرف من هو رمضان فأصبح اسمه وحكايته مشهوره بين جيرانه وأصدقائه، " الميت اللى صحي تاني" هذه اول جملة تسمعها من الأطفال والجيران فى الشارع عندما تسال عنه، وترى الفرحه على وجوه جيرانيه بعد عودته للحياه فيوم عودته للحياه تعالت الزغاريط وقاموا بتقديم التهنئه له.
فقال هشام محمد احد جيرانه: يوم سماع خبر وفاته اسرعنا الى بيت اهله ولم نصدق الخبر عندما قال لنا شقيقه الاكبر انهم وجدوا جثته طافيه على النيل فذهبنا معه لنتعرف عليها ولكن الجثه كانت مختفية الملامح ولم نستطيع التدقيق فى الملامح او اننا نحدد بدقه الجثه، ولكن الاغلبيه قالت انها جثته وبالفعل استلمناها وقمنا بدفنها واقامة العزاء.

فيما روى شقيقه الاصغر علاء الدين.ع " عن اصعب لحظه مرت عليه عندما سمع خبر وفاه شقيقه حيث استمروا ثلاثة أشهر فى البحث عنه ولم يجدوه، مضيفًا ان شقيقه ترك المنزل بسبب خلافات اسريه وانه كان يمر بأزمه نفسيه خاصه وانه كان يبحث عن عمل ولم يجد. 

رحلة بحث طويلة
وأضاف: لم نتخيل ان يترك المنزل هذه المده الطويله، وبدانا فى رحله البحث الطويله فى المستشفيات والاقسام ولم نترك مكانا نبحث عنه فيه، واستكمل حديثه قائلًا: "مرت علينا اوقات صعبه على اشقائه ووالديه، فوالدته امتنعت عن الطعام والشراب والاستمرار فى البكاء ليللا نهارا والدعاء فى الوصول اليه"، مضيفا أن زوجته كانت حالتها سيئه للغاية وابنه الوحيد ذو الـ 5 أعوام لم يتوقف عن ترديد جمله واحده طوال هذه المده " بابا فين؟".

واستطرد حديثه موضحًا أن اصعب يوم فى حياته كلها ولم يستطيع نسيانه حته هذا اليوم؛ لحظه اتصال قسم دار السلام ليبلغه بالعثور على جثه طافيه على النيل ليستدعوه للتعرف عليها: "كنت ادعو الله طوال الطريق انها لا تكون جثة اخى، وذهبنا بالفعل انا واشقائى وبعض الجيران"، ووصف تلك اللحظة الصعبة التي مر بها عند الدخول الى الثلاجه للتعرف على احد أحبائه: " اول ما شاهدت الجثه فقدت الوعى ولم استطيع وبعد ايفاقتى تمالكت دموعى ونظرت للجثه، وكانت بها 7 علامات متطابقه تماما لاخى فكنت على يقين انه هو شخصه فكل شئ كان مطابق له، الشعر الخفيف وسنه مكسورة وحرق فى الساق اليمنى وحرق بالكتف الايسر وطول القامه وشكل الجسم وضربه على دماغه، وبالفعل لم نتردد للحظه واحده انه اخى وبدات فى الاجراءات لاستلام الجثه".

واكد شقيقه انه ذهب لاجراء تحليل dna فقالوا له ان النتيجه سوف تظهر بعد 45 يوم من اجراء الفحص، " اكرام الميت دفنه " واضاف انه استحرم ترك جثه شقيقه اكتر من ذلك خاصه ان الجثه ظلت فى النيل لمده 10 ايام، وقال ان فى المشرحه وافقوا على اخذه للجثه بدون تحليل خاصه وان كل شى مطابق تماما ولا يوجد شك لو للحظة.

وتابع شقيقه ان غياب أخيه الأكبر سبب لهما مشاكل كثيره، منها حجزهما 48 ساعه على ذمة التحقيق هو ووالده بتهمه استحراج شهاده وفاه غير رسميه، وقال انه لم يعتاد شقيقه على هذا الغياب خارج المنزل، وانه يوم التغيب اتصل بهما ليخبرهم انه ذاهب لمشوار ثم بعد ذلك اتصل مره اخرى ليخبرهم انه ذاهب لعمل وكانت هذه المكالمة هي الأخيرة له، ثم انقطعت الاخبار عنه والاتصالات.

مش مصدق إني موت
وعن تلك الواقعة، قال بطل هذه القصه العائد من الموت رمضان علاء الدين " انا مش مصدق انى موت واهلى دفنونى كمان " بهذه الكلمات بدء بطل القصه كلامه ونبره الحزن الشديد كان يتحدث بها، وقال إنه كان يعمل شيف بأحد المطاعم وذات يوم حصل حريق بالمطبخ الذى يوجد بالمطعم وقاما بحرقه بنسبه عاليه من جسده ووجه، وتابع أن نفسيته اصبحت سيئه جدا فكان لايحب ان يرى وجه بعد الحرق امام المراه او النزول الى الشارع.

وأضاف: " بدات بعد الحادثه بشهر النزول الى البحث عن عمل خاصه وانا لدى اسره ومسئوليه ولكن بحثت دون جدوى فلا أحد كان يقبلنى فى العمل، وازدادت حالتى سوءا يوم بعد يوم، وفى يوم جاء على ذهنى صديق لى يعمل هناك فى مطعم فى الاسكندريه وبالفعل قررت ان اذهب له لاجد فرصه هناك، وذهبت فى الصباح واصطحبت حقيبتي ولم ابلغهم فى البيت بالسفر".

صمت رمضان قليلًا وكانه نادم على شىء ما، وتابع: " أثناء سفرى وانا فى المحطه سقط منى هاتفى المحمول وانكسر وظللت 3 أشهر بلا هاتف، خاصه انى لم اتذكر اى رقم من اهلى او زوجتى لاطمئنهم علي".

وفي يوم ما فوجئ رمضان بصديقه يصرخ قائلًا له: " الحق المواقع منزله انك مت "، استكمل حديثه والدموع تترغرغ فى عينيه: " وقعت على اذنى هذه الكلمات كالصاعقه وبدات اردد ازاى مت ازاى مت.. وعلى الفور أخذت حقيبتي وعدت إلى المنزل ولن انسى مشهد هذا اليوم فسوف يظل فى ذاكرتى للابد، فالحزن كان يكسو شارعنا وكان اصدقائي وجيرانى فى هول من لحظة مشاهدتى فالبعض منهم فى حاله اغماء او صراخ او ذهول فاسرعت الى البيت لاجد اهلى بالزى الاسود ويستقبلون العزاء من الاهالى، وكانت ووالدتى فى حالة يرثى لها بسبب حزنها على وفاتى".

وتابع رمضان ان شقيقه الاكبر فقد وعيه لحظة مشاهدته وبعد ذلك روى له ما حدث وانه ساله اين كان هذه المده، وظل يحدق به كثيرا ليتاكد انى شقيقه وكذلك اهله ووصف تلك اللحظة: " ففى هذا اليوم اخالط الدموع بالضحك وكان جيرانى واهلى لايصدقون انى امامهم بتكلم بنفسى، وفجاه انقلب العزاء الى فرح وتعالت الزغاريد".

النيابة تتحفظ على رمضان
وقال رمضان إن النيابه قامت بالتحفظ عليه ثم اخلت سبيله، وان الله يسرله اموره بسهوله وقامت النيابه بوقف إصدار شهادة وفاته، واستكمال اوراقه الرسميه التى تثبت انه على قيد الحياه مره اخرى.

واضاف انه يتمنى ان يحقق حلمه بعمل مشروعه الذى كان يحلمه منذ الصغر بفتح مطعم كبير، وان يقوم باجراء عمليه تجميل لاستكمال حياته طبيعيه، موكدا ان الله سبحانه وتعالى اعطاه فرصه ثانيه للحياه وان يكون بجانب اهله وزوجته وابنه الوحيد يجب أن يستغلها في بداية صحيحة.

وتعود الواقعه عندما تلقى قسم شرطة حلوان، بلاغًا من المدعو علاء الدين شقيق المتوفى، ومقيم بمنطقة عرب غنيم، دائرة القسم، مفاده، تغيب شقيقه الأصغر، ويدعى رمضان 30 سنة، ومقيم بذات العنوان، وبمناقشته اشتبه في أقارب زوجة شقيقه، بأنهم وراء تغيبه بسبب وجود خلافات سابقه بينهم.

وأثناء سير مباحث القسم في التحريات عن معلومات البلاغ المقدمه، ورد بلاغ بالعثور علي جثة شاب غارقا بكورنيش ركن فاروق، وبمطابقة المواصفات تبين أنه شقيق المبلغ، وتم نقل،الجثة لمشرحة زينهم.

أستاذة الطب الشرعي: الجثة المجهولة تمر بعدة مراحل
تلك الواقعة سيناريو ضمن سيناريوهات عديدة للجثث المجهولة داخل غرف مصلحة الطب الشرعي، وفي سياق ذلك قالت الدكتوره دينا شكرى استاذ الطب الشرعى فى القصر العينى ورئيس قسم الطب الشرعى فى القوات المسلحة وعضو اللجنه الاستشارية فى الطب الشرعى بالمحكمة الجنائية الدولية، إن الجثه عندما تأتى ولا يثبت معها أى دليل عن هويتها تمر بعدة مراحل.

وأوضحت "شكري" أن المرحلة الأولى هي تحديد وصف لشكل الجثة على حسب الحالة، فملامح كل جثة تختلف في حال تم اكتشافها قبل أو بعد الوفاة، ثم يتم الكشف عن العلامات بالجسد في حال تواجدها، وأخذ صورة للجثة إذا كان بها علامات ظاهرية ثم توضع بعد ذلك في ثلاجات مشرحة زينهم بمصلحة الطب الشرعي التابعة لوزارة العدل.

وبعد ذلك يتم عمل تقرير عن مكان العثور على الجثة وموعد العثور عليها، ثم يتم أخذ عينات وهذه العينات يتم الاحتفاظ بها، فى حاله حضور اهل المتوفى متسائلين عن مفقود لهم يتم اخذ تحليل ال Dna وأخذ عينه من أحد أفراد الأسرة بحسب درجة القرابة حيث يجب أن تكون من الدرجة الأولى، بعد ذلك يقوم بعمليه مقارنه.

وأضافت شكرى، أنه لا يوجد في مصلحة الطب الشرعي خاصية التعامل ببصمات الأصابع لتحديد الهوية، مؤكدة أنه في حال حدوث جريمة جنائية يتم رفعها من خلال وزارة الداخلية ومقارنتها، ويقتصر عمل المصلحة على تحديد الهوية بعينة الحمض النووي.

ولفتت إلى أن العلامات الظاهرية ليست كافية وحدها لمعرفه الجثه اطلاقا وانه بالفعل يوجد علامات خارجيه ولكن يصعب مطابقتها أحيانًا، أما عن الوضع القائم والعالمي والمعايير الدولية، فالاستعراف في مثل هذه الأمور يجب أن يكون له درجة يقينية وتتمثل في الحمض النووي.

لا يوجد قانون يحدد شروطا للاستعراف
وبالرغم من الواقعة، نفت "شكري" اسغراق التحليل لمدة تصل إلى 45 يومًا موضحة أنه لا يستغرق بضعة أيام، موضحة أنه لايوجد قانون يحدد شروطًا للاستعراف.

وقالت ان العلامات الظاهرية التى توخذ هى سنه مكسوره ونوع حشو معين للاسنان او تركيب سنه معينه او حرق معين وان هذه العلامات تنبأ بالأستعراف وان هذه العلامات ليست بالسهوله ان تتكرر مع شخصين فى نفس الوقت وأن هذه الإجراءات بتكون مع التحريات والتحقيقات استكمالا لها التى تكون فيها ملابسات القضية مضيفه انه يجب ان تكون يقينيه الفحص لأن بيترتب عليها أمور مصيرية كثيرة منها تقسيم ورث وقيام زوجه بالزواج من زوج اخر.

وأشارت شكرى انه يوجد إجراءات ثانيه بسيطة منها تحليل الدم فبيتم أخذ عينه من والده والجثة ولكن نادرا ما يحدث هذا التحليل ولكن الحمض النووى اكثر دقه.

وأضافت أن الجثث التى لا يتم التعرف العثور على اهليتها بيتم أخذ أذن من النيابة وبيتم دفنها فى مدافن الصدقة، بعد مدة طويله بعد ما يتيقنه انه لا يوجد لها اهليه.

وعن حالة رمضان، أكدت أنها لاتستطيع الجزم بأن الوضع غير قانوني لعدم وجود قانون ينفي الوضع أو يضع شروطًا للتعرف على الجثة، لافتة إلى أن مصلحة الطب الشرعي تواجه أزمات مادية كبيرة كنقص المواد الكيميائية بسبب توقف الشركات عن الاستيراد مع ارتفاع الأسعار.

حاولنا الوصول إلى الدكتورة سعاد عبدالغفار، رئيس قطاع مصلحة الطب الشرعي، إلا أنها امتنعت عن الرد علينا وتوضيح سبب حدوث هذه الواقعة الغريبة من نوعها.