محمد سمير يكتب: من ينفخ في نيران الحرب الإيرانية الأمريكية؟

مقالات الرأي

محمد سمير
محمد سمير


لا شك أننا نعيش فترة من أكثر الفترات الحالكة بين النظام الإيراني والولايات المتحدة الأمريكية، بقيادة دونالد ترامب، هذا الأخير الذي أحدث انقلاباً نوعياً في ميزان العلاقات الأمريكية الإيرانية، حيث ذهبت الأمور إلى أبعد بكثير مما كنا نظن في السابق، باستبعاد أي نوع من أنواع المشاكسات أو التحرش بين الجانبين، لا سيما بعد الانتهاء من الاتفاق النووي، واستتباب الأوضاع قبل مجئ ترامب.

انقلبت الأوضاع رأساً على عقب، فمن عقوبات اقتصادية حادة تجعل إيران في انكماش رهيب، مروراً بتصعيد عسكري غير مسبوق، وانتهاءً بإرسال حاملات طائرات وقذائف وأسلحة، وسط حرب تصريحات لا تهدأ...، فما الذي حدث؟ وما السر في انقلاب دونالد ترامب هذا الانقلاب الرهيب ضد طهران؟ حتى باتت الأوضاع على حافة الهاوية، وأصبح بكل سهولة الحديث عن وقوع حرب عسكرية بين الطرفين!

لا يمكن الحديث عن خفايا هذا الانقلاب الأمريكي، دون التأكيد أنّ الاتفاق النووي كان عامل خوف كبير للكثير من دول المنطقة، خاصة الكيان الصهيوني، هذا الكيان الذي هو كلمة السر فيما يجري حالياً، ولديه مفاتيح وأسرار كل هذه العملية، وتلك التحركات التي نعجز عن رصدها، نتيجة تطوراتها الهائلة وسرعتها المبالغ فيها، وأقصد هنا بالتحديد أسرار التصعيد بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية.

لم يعد خافياً على أحد أنّ دونالد ترامب، ليس رئيساً عادياً، بل مجيئه إلى الرئاسة الأمريكية، كان مخططاً صهيونياً، لإرساء دولة الصهاينة، التي ظلت طيلة الفترات الماضية تتحيّن الفرصة لتنفيذ ما تريده واقعاً، بعدما رسمته حبراً على ورق، فلم يكن لذلك إلا دونالد ترامب، الذي يصارع الرياح في تنفيذ ما يريده الصهاينة.

كان النظام الإيراني ولا يزال جزءاً من تلك التحديات التي يعتبرها الصهاينة مشكلة أساسية، أعتقد أنها الباقية في المنطقة، هذا النظام الذي يمتلك لا أقول أسلحة فحسب، وإنما الأخطر هو تطويق المنطقة بالميليشيات الإرهابية، التي تجسو تحت ركبتيه وهي رهن إشارته في أي توقيت كان.

أتحيّر في إيجاد تفسير لهذا الكم من الخوف الرهيب الذي يقع في نفوس الصهاينة من طهران، على الرغم من أن الأخيرة لم نرَ منها إلا تصريحات وكلمات فارغة دون طحين يذكر، وشعارات وهمية، وكيانات أنشأت لم تُولي يوماً وجهتها إلى محاربة إسرائيل، أو مجرد التفكير في ذلك، بينما نشاهدها عياناً بياناً تقتل الشعب اليمني وتنقلب على إرادته، وترتكب الجرائم ليل نهار في سوريا والعراق ولبنان، على مسمع ومرأى من الكل، بل ويتفاخر قادتها في احتلال العواصم العربية، غير الدول التي تعمل على اختراقها عبر الطائفية والعملاء والجواسيس.

توصلتُ إلى تفسير، ربما يستغربه البعض، يرجع إلى النفسية الصهيونية التي لا تأمن لأي مخلوق على وجه الأرض، والأمثلة في التاريخ أكثر من أن تُحصى، فتصريحات طهران الواهية ضد الصهاينة، هي بالنسبة لهم تربص واعتداء سافر، يهدد وجودهم في أي وقت، وأنّ ذلك خطر حقيقي يجب التعامل معه، حتى وإن لم يقم الملالي بتحريك قواتهم تجاه إسرائيل، تنفيذاً لما يرددونه من عدائيتهم للكيان الصهيوني، أو الدفاع عن القدس.

يبدو لي أن ترامب لا يريد التصعيد مع إيران، فطلبه الجلوس على طاولة المفاوضات من جديد، يؤخر خيار العزم على الحرب، لكن علينا أن نفهم جيداً أنّ السبب الحقيقي في تحريك حاملة الطائرات، وإرسال القذائف المتطورة، واشتعال الأزمة، هي أوامر إسرائيلية في شكل معلومات استخباراتية، أبلغتها إسرائيل لإدارة ترامب، كي تحرك المياه الراكدة مع طهران، لتضع حداً نهائياً من ناحيتها، ربما يكون في هندسة اتفاق جديد يكون للكيان الصهيوني اليد الطولى فيه، أو الانتهاء معها بحرب عسكرية تخضعها بالقوة عن طريق وكيلها ترامب. 

هذه المعلومات الاستخباراتية الإسرائيلية، أكدها موقع "أكسيوس" الإخباري الأمريكي الذي نقل نصاً عن أحد المصادر الإسرائيلية يقول "إنّ إسرائيل سلمت معلومات استخبارية لواشنطن، تضمنت خطط إيران المحتملة لضرب المصالح الأمريكية في الخليج، وأن تلك المعلومات تم تسليمها للبيت الأبيض، قبل تحريك حاملة الطائرات "أبراهام لينكولن" ومجموعة من القاذفات إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا"، مضيفاً "تلك المعلومات تم جمعها من قبل "الموساد" وغيره من الأجهزة الاستخباراتية الإسرائيلية، وجاءت كأحد أسباب القرار الذي أعلنته الولايات المتحدة بإرسال السفن الحربية إلى الخليج".

مؤكد أن التاريخ يعيد نفسه، وأن ما حدث بالأمس يتجدد في نسخة جديدة، فلا يمكن أن ننسى الحرب الأمريكية على العراق، التي كانت مثالاً حياً على تنفيذ إرادة الصهاينة في تدمير العراق عبر جورج بوش في هذا التوقيت، مع التأكيد على الاختلاف الجذري بين الحالة العراقية والإيرانية، تلك الأخيرة التي استشرى فسادها واستفحل إرهابها وتخريبها ووجب محاسبتها، بينما لم يكن يستحق العراق تلك الحرب الظالمة التي قضت عليه تماماً، وأذابت هويته، لولا تهديدات صدام حسين لإسرائيل، واستهدافها بالصواريخ.

يبدو أن الكيان الصهيوني يحضّر لحرب من الممكن أن تشتعل في المنطقة إذا أراد، فهو وحده الذي يملك مفاتيحها، كما فعل مع العراق، عندما أمر جورج بوش، بتحريك طائراته صوب بغداد، هذه الحقائق التي ظهرت مؤخراً، بحسب تسريبات الموقع الإسرائيلي "واللا" الذي كشف أن تل أبيب دعت واشنطن لضرب العراق خوفًا من قصفها.

وأوضح الموقع الإسرائيلي، "أن تلك التسريبات يعود تاريخها لـ27 عاماً، وهى عبارة عن محادثات دارت بين وزير الدفاع الإسرائيلى حينها موشيه آرنز ورئيس الأركان الإسرائيلى دان شامرون، خلال رئاسة وزراء اسحاق رابين، حيث كان لديهم تخوف من قِبل بغداد التي كانت تمتلك آنذاك 38 صاروخ سكود، قادر على الوصول إلى تل أبيب فى غضون دقائق".