البغدادي يرفض دور الكومبارس فى لعبة داعش الأخيرة

العدد الأسبوعي

البغدادي
البغدادي


قوات التحالف الدولى قالت إنه أصبح عديم الأهمية


ظهور مفاجئ أعاد أبو بكر البغدادى، زعيم تنظيم داعش إلى الواجهة مجدداً، وذلك بعد دحره عسكرياً، وزوال خلافته المركزية فى سوريا والعراق، وقد حاول به «خليفة داعش» أيضاً فرض نفسه على المشهد الإعلامى كقائد فعلى للتنظيم، ورقم مهم فى المعادلة الخاصة به على الأرض.

فيديو مدته 18 دقيقة و22 ثانية بعنوان «فى ضيافة أمير المؤمنين»، سجل به البغدادى أيضاً الظهور الأول  له منذ خطبته الشهيرة بمسجد النورى بالموصل، بعد بيان إعلان الخلافة الداعشية، قبل 5 سنوات، حمل خلالها زعيم داعش لقب الخليفة المختفى، ولم يظهر إلى العلن مرة أخرى، باستثناء تسجيل صوتى فى سبتمبر 2017 حث فيه أتباعه على الثبات. ووصفت ريتا كاتز، مديرة مجموعة «سايت» الاستخباراتية الأمريكية الخاصة، المختصة بمتابعة نشاطات الجماعات الإرهابية حول العالم، الفيديو بأنه يصور «الخطر الحقيقى» الذى يمثله زعيم داعش كقائد للتنظيم الإرهابى.

وذلك بعد تصريحات رسمية لقيادات رفيعة المستوى فى قوات التحالف الدولى سبق أن قللت من أهمية البغدادى، حيث قال الميجور جنرال كريستوفر جيكا، نائب قائد التحالف الدولى ضد «داعش» والمشرف على العمليات ضد التنظيم فى العراق وسوريا: «أعتقد أن البغدادى هو رجل الأمس وليس اليوم..لا أعتقد أنه يتمتع بأهمية حالياً، ومع اضطراره إلى الاختباء بات البغدادى عنصراً فى (داعش) مثله مثل غيره من العناصر، ومع كل يوم يمر أعتقد أنه يفقد مصداقيته أكثر فأكثر».

 توقيت فيصلى تماماً، ورسائل شديدة الأهمية، بدأها الخليفة الإرهابى المهزوم بالاعتراف بانهيار أركان دولته، عبر افتتاحية تقريرية واضحة، تخاطب عناصر ومقاتلى التنظيم مباشرة، و تدخل إلى صلب الواقع الداعشى الجديد.. «معركة الباغوز انتهت».

فى إشارة إلى سقوط آخر معاقل دولة الخلافة الداعشية فى سوريا والعراق، ونهاية مرحلة غير مسبوقة فى تاريخ التنظيمات الإرهابية فى العالم سيطر خلالها داعش على أراض بمساحة المملكة المتحدة، وحكم مواطنين بحجم عدد سكان سويسرا.

لكن تنظيم داعش الذى يدخل الآن طوراً جديداً، ويعود فيه إلى رقعة التنظيمات الإرهابية التقليدية، مرة أخرى، بطبعة تتشابه إلى حد كبير الآن من الناحية الاستراتيجية، مع غريمه ومنافسه تنظيم القاعدة، أصبح خليفته الذى طالما صنع أسطورته وهيبته بالاختفاء والغموض، مجبراً على الخروج على أتباعه والعالم، بظهور إعلامى، يفتقر للتأثيرات الداعشية الهوليودية المعتادة، فى الإخراج والمؤثرات، دلالة على تدهور الآلة الدعائية للتنظيم.

ويذكر بفيديوهات أسامة بن لادن بعد 11 سبتمبر، كما أنه لا يفرق كثيراً عن إصدارات أيمن الظواهرى الزعيم الحالى للقاعدة.

أبو بكر البغدادى يلعب لعبته الأخيرة إذن.. لا ينفى فقط بظهوره شائعات مقتله القوية فى الفترة الأخيرة، ولكنه يستخدم  كل الأسلحة والأدوات المتاحة له فى الحرب الدعائية والنفسية، يقول للولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها فى الحرب على الإرهاب، إن رأس التنظيم الذى أثار رعب وفزع العالم خلال السنوات الماضية،  لا يزال موجوداً يقبض على زمام التنظيم، ويباشره بنفسه، ويستعد للمرحلة الجديدة من المواجهة، كما يحاول ضمنياً بظهوره جذب المزيد من مصادر التمويل.

 وقبل ذلك كله يلملم البغدادى فلوله، ويعزف على رفع روحهم المعنوية، ويحشدهم لتلك المرحلة الجديدة، ويمنع المزيد منهم من التفلت والانشقاق، بعد أن أصبحوا خارج حدود سيطرته إلى تنظيمات أخرى، خاصة أن خصمه اللدود القاعدة مستعد، ويغتنم الفرصة.

خاصة مع الهزة التنظيمية الأخيرة التى أفادت تسريبات، بأنها قد وصلت إلى تعرض البغدادى نفسه إلى محاولة اغتيال داخلية فى التنظيم، على إثر محاولة انقلاب نفذها قيادى رفيع المستوى وقريب من خليفة داعش، يدعى أبو معاذ الجزائرى، أعلن التنظيم عن مكافأة لقتله.

وكما هو واضح فقد نجح البغدادي فى اختيار توقيت ظهوره بدقة، بعد الربط بين التنظيم ومذبحة سريلانكا الدامية التى أسفرت عن مقتل 360 قتيلاً وإصابة أكثر من 500 فى الهجوم على عدد من الكنائس والفنادق فى عيد الفصح، وأيضا تنفيذ عناصر تابعة له لهجوم الزلفى بالمملكة العربية السعودية.

وهى الهجمات التى يتعامل معها البغدادى، باعتبارها نقطة قوة، ولحظة انتصار تستحق أن يرتكز عليها للظهور، ويدعو أتباعه للقفز على الخسارة حتى لو كانت بحجم  «دولة الخلافة» نفسها، ومبرره الشرعى والمعنوى جاهز على لسانه «الله سبحانه وتعالى قد أمرنا بالجهاد ولم يأمرنا بالانتصار».

ففى ظهوره الجديد، يقول البغدادى إن هجومى سيريلانكا والزلفى بالسعودية، يأتيان فى مقدمة غزوة موحدة، نفذها أتباع التنظيم بواقع 92 عملية فى 8 دول، ثأراً لسقوط الباغوز السورية، التى صدرها زعيم داعش فى ظهوره باعتبارها «كربلائية» تستدعى الثأر لها من «الصليبيين».

«الثأر» إذن هو شعار المرحلة القادمة الذى يحشد به أبوبكر البغدادى أتباعه، للالتفاف حوله، وتكريس المجهود له، عبر استراتيجية» النكاية والإنهاك»، التى يستدعيها التنظيم مرة أخرى، إلى الواجهة، من دستوره الشهير «إدارة التوحش»، بعد أن خسر مرحلة «التمكين» بزوال خلافته فى سوريا والعراق.

وهو ما عبر عنه البغدادى فى فيديو ظهوره بأن المعركة الجديدة مع العدو هى معركة «استنزاف» بتنفيذ هجمات وتفجيرات تسقط المزيد من الضحايا، وتكبده المزيد من الخسائر العسكرية والاقتصادية واللوجستية. 

 ثم إن أبو بكر البغدادى، الذى ترصد الولايات المتحدة الأمريكية 25 مليون دولار للقبض عليه، يعلن فى الفيديو الجديد أن التنظيم رغم انهيار خلافته، وخسارة أراضيه فى سوريا والعراق، لا يزال يحظى بالتأييد، كما أن البيعة لاتزال تتوالى لخليفته.

كما أن البغدادى أيضاً الذى يواجه العالم بعنوان الفيديو الأخير له «فى ضيافة أمير المؤمنين»، يعلن تمسكه الكامل بإقامة «دولة خلافة» داعشية  مجدداً رغم خسارته الفادحة، و يستنفر الآلاف من جنوده المختبئين فى وادى الفرات على الحدود السورية العراقية.

وفيما يعلن كذلك عن تلقيه البيعة من أتباع وتنظيمات جديدة فى خراسان، ومالى وبوركينا فاسو، ويتباهى بقوة فروعه الخارجية فى تونس و الصومال واليمن وغرب إفريقيا (جماعة بوكو حرام)، ويثير أيضاً زوبعة بإعلانه عن ولاية للتنظيم فى تركيا تأكيداً على انقلابه على النظام التركى، وأن التنظيم حل محل الخلافة العثمانية، يفتح الباب مجدداً للسيناريو المحتمل بلجوء التنظيم إلى نقل مقر جديد لخلافته بعد سقوطها فى سوريا والعراق، ويرشح دولاً مثل أفغانستان وليبيا وغرب إفريقيا لذلك، بالتوازى مع عمليات الذئاب المنفردة الموالية للتنظيم، وعدم الاستهانة بهجمات تنفذها الخلايا الصغيرة التابعة له.  كذلك مع عدم استبعاد ظهور ابن جديد أو أكثر لداعش يحمل مسميات أخرى بنفس الأيديولوجية خلال الفترة القادمة، ناهيك عن احتمالات انضمام المقاتلين إلى تنظيمات أخرى وأخطرها القاعدة التى تحضر حمزة بن لادن لقيادة الجيل الجديد فيها.