"إعدام التاريخ".. تراث دار المعارف إلى زوال بسبب مثلث ماسبيرو

دار المعارف
دار المعارف


تخوفات من البيع أو الدمج

صحفيو المؤسسة: "إحنا مش عشوائيات"

140 صحفي و1100 من الموظفين والعمال مهددون


نهاية مأساوية قد تكتب الفصل الأخير من حياتها، بعد مسيرة استمرت 130 عام من العطاء، فلا يخفى على القاصي أو الداني، ما قدمته "دار المعارف" في حياة حافلة بالجود، كأهم وأقدم وأكبر دار نشر في مصر والوطن العربي.

 

"خذ المعارف من دار المعارف"، استمر هذا الشعار في تقديم المعرفة ولم يبخل يومًا على أحد، وهو الذي اختارته دار المعارف عنوانًا لها طوال تلك السنوات.


ونشرت الدار للعديد من كبار الكُتاب، أمثال طه حسين وتوفيق الحكيم والمازني ومحمد مندور وإبراهيم ناجي وأحمد حسن الزيات وعائشة عبدالرحمن وشوقي ضيف وأحمد مستجير وسيد شلبي، كما أن دار المعارف هي الدار الوحيدة التي سمحت لكل الأطياف والألوان السياسية بالنشر في مطابعها من كتاب الأصولية والسلفية والماركسية والشيوعية.







وفي مفاجأة من العيار الثقيل، كشفت الرسوم الأولية لتطوير منطقة مثلث ماسبيرو، إداراج الدار ضمن منطقة التطوير، مما يجعلها مهددة بالإزالة، وينسف تاريخًا طويلًا من الثقافة والتنوير.


وكشف مخطط تطوير منطقة مثلث ماسبيرو، الإبقاء على مبنى التليفزيون ووزارة الخارجية وفندق هليتون رمسيس، وعدم وجود المقر المجاور للفندق "مقر مؤسسة دار المعارف للطباعة والنشر".

 

بعد أن تم طمس الهوية التراثية لشارع 26 يوليو، وإدارجه ضمن مثل ماسبيرو واعتباره "عشوائيات"، سيتم طمس هوية أقدم دار نشر في مصر والوطن العربي، وسط تخوفات من البيع أو دمج الإصدارات.




تاريخ المؤسسة

أنشأها صاحبها نجيب متري، سنة 1890، كمطبعة تجارية في الطابق الأرضي من منزل كبير، كان يحمل رقم 70 شارع الفجالة "اشتهر آنذاك بشارع المطابع"، وقد كان هذا المبنى ملكا لخليل الزهار واشتراه السيد عبد الرحيم الدمرداشي باشا.

 

في سنة 1910، تم تطوير دار المعارف، وذلك بعد استئجار دكان بنفس المنزل السابق وأصبح دار المعارف، وفي سنة 1953، وتغير ترقيم العقارات بشارع الفجالة فأصبحت تحمل رقمها الحالي وهو رقم 9 شارع الفجالة، وهو حاليًا أحد فروع دار المعارف.

 

وتُعد مؤسسة دار المعارف مطبعة تجارية في منطقة وسط البلد، من أعرق مؤسسات الطباعة والنشر، ففي عام 1910، تحوَّلت المؤسسة من دار للطباعة إلى دار للنشر.







تاريخ المبنى

ومع زيادة أعمال نشر الكتب بدار المعارف، قامت ببناء المبنى الحالي، حيث انتقلت إليه في 1 مارس عام 1950، وكان آنذاك يحمل رقم 5 شارع ماسبيرو.

 

وفيما بعد، تغير اسم الشارع ورقم العقار، ليصبحا بالاسم الحالي، وهو رقم 1119 طريق كورنيش النيل، وهو حاليًا على مقربة من ميدان عبد المنعم رياض، ثم قامت فيما بعد ببناء ملحق جانبي لهذا المقر الرئيسي.


وفي سنة 1963، جرى تأميم الكثير من المنشآت العامة، ومن ضمنها دار المعارف، وحاليًا يوجد لدار المعارف 21 فرعًا في الجمهورية، تقوم بعرض وبيع كافة إصداراتها بهم.


وخرجت من رحم دار المعارف واحدة من كبرى المؤسسات الصحفيّة، عن طريق منبرها الصحفي "مجلة أكتوبر"، التي يعود تأسيسها إلى الكاتب الكبير أنيس منصور، وصدر العدد الأول منها في 31 أكتوبر 1976، تخليدًا لذكرى النصر.






مستقبل المبنى

على الرغم من أن المرحلة الأولى من مشروع التطوير لم تتضمن مبنى دار المعارف، إلا أن ذلك لا يعني أنها لن تُدرج في الضمن، وهو ما يثير القلق حول مستقبلها والعاملين بها.


فلم تُخطر المؤسسة حتى اليوم بما سيتم خلال هدم المبنى أو موعد ذلك، ولم يتسن لأحد معرفة إلى أين سيتم نقلها، مما يسبب خطرًا كبيرًا عليها، خاصة وأنه من الصعب أن تقبل أيًا من المؤسسات القومية التضحية بأحد مقرات إصداراتها لصالح دار المعارف.







وعلى الرغم من أن المبنى يبلغ 10 طوابق، إلا أن الكثير من الزملاء الصحفيين العاملين بها، لا يجدون "مكاتب" للعمل، وهو ما يطرح تساؤلًا: "هل سيجدون مكاتب ومقرات للعمل حال نقلها؟".


ولم يفكر أحدهم في الخطر الكبير الذي سيقع على مطابع الدار، والتي من الصعب تفكيكها وتركيبها من جديد، مما يؤثر على كفائتها ويهدد بقائها، وهو ما يتطلب إحضار مهندسين وفنيين لدراسة الأمر قبل ذلك.






وأكد المهندس خالد صديق، مدير مشروع صندوق تطوير العشوائيات، أن التعليمات الواردة إلى خطة تطوير منطقة مثلث ماسبيرو، لم تتضمن الإبقاء على مبنى دار المعارف، موضحًا أن المباني التي سيتم الإبقاء عليها رسميًا خلت من مؤسسة دار المعارف، وتضمنت مبنى وزارة الخارجية والمبنى الخاص بماسبيرو وفندق هيلتون رمسيس ومتحف المكتبات ومسجد السلطان أبو العلا.







المؤسسة

عندما تحذو خطواتك الأولى داخل الدار، تشعر بعراقة المكان وقِدمه، وتعتقد بأن آلة للزمن عادت بك إلى التسعينات، لوحة فنية داخل كل مكتب، تعود إلى القرن الماضي، ونافذة مُطلة على النيل، تأخذ خيالك إلى بعيد، ومشهد من الهدوء داخل مكاتب الزملاء الصحفيين.


يبلغ عدد طوابق المؤسسة 10، تم تأجير آخر طابقين لإحدى شركات تسويق الحقوق الرياضية منذ عام تقريبًا -والتي لم تستفد منهم حتى اليوم- ويبلغ عدد الصحفيين العاملين بها 140 زميلًا و1100 من العمال والموظفين.


وتمتلك دار المعارف، مجلة أكتوبر وهي مجلة شهرية، ودار نشر، وموقع إلكتروني خاص بها.







تخوفات من البيع أو الدمج

وسط التهديدات بنقل المؤسسة وإصداراتها، وبعد تخوفات دمج إصدارات المؤسسات القومية وتقليلها، زادت شكوك الصحفيين العاملين بالمؤسسة حول بيع دار النشر، ودمج إصدارات المؤسسة لأيٍ من المؤسسات الصحفية القومية الأخرى.

وكانت زادت تخوفات الجماعة الصحفية من دمج أو بيع إصدارات المؤسسات الصحفية التي تتعرض للخسارة، وفقًا لقانون تنظيم الصحافة رقم 179 لسنة 2018 بإنشاء الهيئة الوطنية للصحافة، مما يجعل مؤسسة دار التحرير في خطر البيع أو الدمج، والذي لم يفصح عن حقيقته أيٍ من المسؤولين حتى الآن.







واعترض الزملاء الصحفيون العاملون بالمؤسسة على فكرة نقل الدار من مكانها، متسائلين عن مستقبل مجلة أكتوبر، ومستقبل المطابع الأقدم في مصر، قائلين: "إحنا مش عشوائيات مثلث ماسبيرو"، مطالبين بالحفاظ على تراث مؤسستهم الذي يبلغ عمره 130 عام.


وتصبح مؤسسة دار المعارف الأعرق والأكبر في مصر والشرق الأوسط، مُهددة بالزوال والإعدام دون رحمة.







مُهددة بالهدم وليست مُدرجة ضمن المبان التراثية

ونفى المهندس محمد أبو سعدة رئيس جهاز التنسيق الحضاري، إدراج دار المعارف إلى المباني التراثية، وذلك بعد حصرها ضمن المباني المحيطة بمثلث ماسبيرو المهددة بالهدم في إطار خطة الدولة لتطوير المنطقة.

 

وكشف "أبو سعده" في تصريحات خاصة لـ"الفجـر"، عن المعايير والمواصفات الواجب توافرها للمباني التراثية المشار إليها بقانون رقم 144 لسنة 2006؛ حيث يجب أن تكون ذو طابع معماري أو شخصية تاريخية أو مزار سياحي أو مبني ذات حقبة زمنية منذ عام 1919.






وأضاف في تصريحات لـ"الفجـر"، أن المسسة لديها مشروعات طموحة لاستثمار المبنى، تتجاوز الـ10 سنوات، مؤكدًا أن المؤسسة خاطبت بشكل رسمي محافظة القاهرة ومجلس الوزراء ووزارة الإسكان، والذين نفوا إدراج المؤسسة ضمن خطة التطوير، وأكدوا أنها باقية، وعلى هذا الأساس تستثمر المؤسسة مبناها في عدد من المشروعات لعشر سنوات قادمة.


وأوضح "وديع" أن الدار وضعت خطة لتأجير وحداتها غير المُستغلة كل خمس سنوات، كنوع من الاستثمار، وربما أكثر.


وتابع: "المبنى مهم، ولو احتاجته الدولة سنبحث الأمر، ولكنا لسنا مُدرجين بخطة التطوير الحالية، وإذ ربما بعد 12 عام آخرين قد يتم إدراجنا، أو حتى 20 عام قد يتم وضع خطة أخرى".