د.حماد عبدالله يكتب: موقف الأمة من الدستور(زمان) !!

مقالات الرأي

د.حماد عبدالله -
د.حماد عبدالله - أرشيفية


كتبت بالأمس عن حال المصريون فى عصر ديمقراطية ما قبل 1952 واليوم أتعرض للحياة السياسية فى صورة مصغرة (حقبة صغيرة) فيما قبل 1952 وموقف الأمة من الدستور. 
منذ إبريل 1923 وإعلان اول دستور لمصر, ورغم مجئ هذا الدستور بعد عناء وبعد تضحيات كبيرة من المواطنين المصريين, فلقد كان الدستور ضمن مطلبان أساسيان للشعب قبل الحرب العالمية الأولى وهما الإستقلال والدستور. 
مطلب الإستقلال موجه إلى الإستعمار المحتل للبلاد, وهذا المطلب له رجاله وله وجهه السياسي!!  
ولكن أيضاً كانت الحركة في الشارع المصري (الجامعات والمدارس) هما قلاع المقاومة لتنفيذ هذا المطلب الوطني. 
اما المطلب الثاني وهو "الدستور" فهذا كان بمثابة حق الشعب من السلطات الحاكمة سواء الخديوي أو الملك وأيضاَ المندوب السامى البريطاني الممثل لسلطة الإحتلال في البلاد.
أما الأحزاب السياسية والتي منوط بها المطالبة بالدستور بل والعمل على إعداد 
( درافت) أو مشروع لدستور تتفق عليه أطياف الأمة. 
فنجد أن في هذه الحقبات الزمنية كان حزب الوفد وحزب الأحرار الدستوريين هما أكثر وأعلى صوتاً في المطالبة بالدستور ،رغم أن السراي كانت والأحرار الدستوريين في شبه قارب واحدو إلا أنهم أبداً لم يعطوا دليلاً على أنهما أصبحا قوة واحدة ,حيث كانت السراي تستخدمهم  للبطش بالحركة الوطنية. 
إلا أن بمجيء الدستور الأول للمصريين في إبريل 1923, وتهيأت الأحزاب القائمة حينئذ لخوض المعركة الإنتخابية. 
وتولت وزارة "يحي إبراهيم باشا " إجراء الإنتخابات بالنظام الفردي، حيث دخلت الأحزاب الثلاث (وفد، احرار دستوريين ، الحزب الوطني ، والمستقلين)           وإكتسح الوفد المعركة إكتساحاً لم يسبق له مثيل, وجاءت النتيجة مفاجأة لكل المراقبين السياسيين إلا أن بعض الدوائر لم تتعدى عشرون دائرة من مجموع 216           دائرة فاز بها بعض المستقلين  من أصحاب النفوذ و الإقطاعيات في البلاد . 
وهكذا تركزت كتله الشعب تركيزاً ظاهراً في الوفد وزعيمه "سعد زغلول" وكان البرلمان الأول الذي عقد دورته الأولى عام 1924 أول مظهر نظامي دستوري لسلطة الشعب كقوة مؤثرة في الحكم, بل هي القوة الوحيدة التي لها قوة والقدرة على الحكم, من حيث الواقع نعم ومن حيث نص الدستور نعم!! ومن حيث دعوة زعيم الاغلبية "سعد زغلول" لتولي مجلس الوزراء (الحكم) نعم!! 
ولكن وراء هذه المظاهر كلها ، هناك قوتين لا يمكن الإستهانة بهم، السراية (القصر الملكي) وأيضاً سلطة الإحتلال, المندوب السامي البريطاني في (قصر             الدوبارة) كما أن كبار موظفي الدولة ، تولوا وظائفهم ونالوا ترقياتهم وبلغوا مناصبهم الكبرى بكفالة كاملة من سلطتي الإحتلال والسراي!!
ولعل السراي ،كانت هي أول من ضاق بالدستور يوم صدوره وضاقوا به يوم تنفيذه وضاقوا به أيضاً يوم أن جاء "بسعد زغلول" إلى كرسي الحكم كزعيماً للوفد!! هذه رؤية الأمة للدستور الذي جاء لأول مرة في تاريخ مصر عام 1923 حيث لم تقم لحكومة الوفد  قائمة في الحكم, وتناوب الإعتداء على الدستور في سنواته الأولى حتى تم إلغاؤه عام 1930 على يد "إسماعيل باشا صدقى" وحتى عام 1933, وهكذا كان الدستور المصري في مهب الريح ورؤية الأمة له فى هذه الحقبات الزمنية المتقدمة من الحياة السياسية المصرية !!