الأوليغارشية.. قصة الحاكمين الفعليين فى الغرب

العدد الأسبوعي

علي خامنئي
علي خامنئي


"الأوليغارشية" عائلات ورجال أعمال ودين يسيطرون على الثروات ومراكز الحكم من أمريكا إلى إيران

عمليات القمع التى مارسها النظام التركى ضد جماعة غولن هدفها إرسال تهديد لرجال الأعمال


أصبح مصطلح «الأوليغارشية» أحد أهم المصطلحات السياسية انتشاراً مؤخراً، ويعنى هيكل السلطة الذى يسمح لبعض الشركات أو العائلات أو الأفراد بالحكم بجانب السلطة الفعلية، من خلال نفوذها القادر على تحويل الدولة لخدمة مصالحها، حيث تحافظ هذه الفئة على قوتها من خلال علاقاتهم مع بعضهم البعض.

والأوليغارشية هى كلمة يونانية وتعنى «حكومة القلة»، ونشر عن توغلها فى مختلف أنحاء العالم، موقع «ذا بالنس» تحقيقاً عن أهم الأوليغارشية فى مختلف أنحاء العالم.


1- روسيا وصيغة "3+1"

كثيرون يعتقدون أن فلاديمير بوتين، مسئول بمفرده عن حكم روسيا، ولكن التحقيق يراه جزءاً من الأوليغارشية التى حكمت موسكو منذ القرن الـ14.

ولكى تكون غنيا فى روسيا، يجب أن يكون لديك اتصالات داخل الحكومة، وإذا لم تحتفظ بها قد تفقد أموالك ونفوذك، نتيجة لذلك، يشترى العديد من أصحاب المليارات الروس الأصول فى بلدان أخرى، كشكل من أشكال الضمان فى حالة تغير الأوضاع ضدهم، لأن القانون فى هذه البلاد قادر على حماية هذه الممتلكات.

وحسب مجلة التايم، يدير بوتين طبقة الأوليغارشية بقبضة حديدية ويستخدمهم فى تحقيق مصالح روسيا فى مختلف أنحاء العالم، وأكبر مثال على دور هذه الطبقة من رجال الأعمال، المقربين من دائرة السلطة، الدور الذى لعبته مجموعة من رجال الأعمال الروس فى انتخابات الرئاسة الأمريكية 2016 لتمهيد الطريق لفوز دونالد ترامب، بالبيت الأبيض كما تشير النتائج الأولية لتحقيقات المحقق روبرت مولر بشأن التدخل الروسى فى انتخابات الرئاسة الأمريكية.

ويضم النادى الحصرى إيجور سيتشين، رئيس شركة روزنفت، شركة النفط الحكومية، ومنافسه الرئيسى هو جينادى تيمشينكو، الرئيس السابق لأكبر شركة تجارية للنفط فى البلاد، أما الثالث فهو رومان أبراموفيتش، مالك نادى تشيلسى لكرة القدم وشركة الاستثمار ميلهاوس، والثلاثة هم جزء من الأوليغارشية الروسية التى تضم عدداً آخر من رجال الأعمال أصحاب النفوذ.

فى يناير عام 2018، أصدرت وزارة الخزانة الأمريكية قائمة تضم 200 من أعضاء حكومة القلة الروسية، وشمل ذلك رئيس الوزراء ديمترى ميدفيديف وقيصر الألولمنيوم أوليج ديريباسكا.


2- 8 عائلات تتحكم فى التنين الصينى

لدى الصين أوليغارشية مكونة من 8 عائلات تدير الاقتصاد الأكبر والأسرع نمواً فى العالم، الأمر الذى يجعلها بالتالى أقوى 8 عائلات فى العالم.

وهذه العائلات قوية للغاية إلى حد أن موقع بلومبرج اسماها «الخالدون الثمانية»، وغالباً ما تكون هويات هذه العائلات ومعاملاتها التجارية سرية بسبب رقابة الدولة وشبكات الشركات المعقدة.

ولتوثيق هذه العائلات فحصت شبكة «بلومبيرج» آلاف الصفحات من ملفات الشركات وسجلات العقارات والمواقع الرسمية والمحفوظات، وأجرت عشرات المقابلات من الصين إلى الولايات المتحدة، حيث تلقى كثير من أفراد الأسر الـ8 تعليمهم ويمتلك كثيرون منهم منازل وأصولاً مالية وعقارية.

حسب تحقيق «الخالدون الثمانية» فإن القائمة تضم عائلة دينج شياو بينج، الذى برز كزعيم للصين بعد وفاة ماوتسى تونج، وأشرف على الانفتاح الاقتصادى الصينى.

ويعمل أفراد هذه العائلة بمختلف المجالات، حيث ذهب زيفانج ابن دينج شياو بينج إلى أمريكا، وحصل على درجة الدكتوراه فى الفيزياء فى جامعة روشستر.

أما الحفيد تشو دى، فيدير شركة وايت آند كيس للمحاماة فى الولايات المتحدة، كما يعمل الحفيد تشو سو، رئيساً لشركة مستثمرة فى مناجم خام الحديد الأسترالى.

أما العائلة الثانية بقائمة الخالدين، فهى عائلة بو يبو، الذى رحل وهو فى الـ98 عاماً، وهو أول وزير مالية فى عهد ماو، والذى عمل بعد ذلك نائباً لرئيس الوزراء، ودخل سون بو شيلاى المكتب السياسى الحاكم بعد شهور من وفاة والده فى عام 2007، وتمت الإطاحة به فى عام 2012 واتهم بالرشوة، بعد إدانة زوجته بقتل رجل أعمال بريطانى، ولكن هذا لا يمنع من أن العائلة تتمتع بنفوذ وعلاقات واسعة فى كافة المجالات.

أما عائلة تشن يون، مهندس التخطيط الاقتصادى الصينى فى عهد ماو، فيدير ابنه الأكبر بنك التنمية الصينى، ويعمل الحفيد شياوكسين فى مجال الأسهم الخاصة، وكذلك شقيقته شياودان، التى ارتدت فستاناً من تصميم أوسكار دى لا رنتا فى حفلة ظهورها الأول للمجتمعات عام 2006 فى باريس.

ورغم استبعاد عائلة سونج رينكيونج من السلطة فى ستينيات القرن الماضى، حيث كان يعيش فى بيت من الطوب اللبن فى مزرعة عمالية، إلا أنه عاد فيما بعد إلى السلطة.

ويعمل أفراد عائلة بنج زايهان، فى مختلف القطاعات الاقتصادية، فيما يعمل أفراد عائلة الجنرال وانج تشن، المعروف بـ«العم بيرد»، رجال أعمال تنفيذيين، أما عائلة الرئيس الأسبق لى شيان نيان، وابنه لى بينج أصبح جنرالاً كبيراً فى الجيش الصينى، ودرست ابنته لى شياو لين فى جامعة كاليفورنيا، وتزوجت من قائد عام للقوات الجوية، ومثل إحدى بنات دينج، تقضى وقتها فى إدارة منظمة دبلوماسية شبه رسمية.

أما عائلة الرئيس الأسبق يانج شانجكون، فيعمل ابنه يانج شاو شينج، فى الجيش، وكانت ابنته يانج لى الرئيسة الفخرية لشركة مملوكة جزئياً لمجموعة سيتيك وهى متزوجة من مسئول تنفيذى كبير فى مجموعة الصين بولى، وهى مجموعة شركات مملوكة للدولة تعمل فى العقارات.


3- إيران يحكمها الملالى وأقاربهم الأغنياء

يمكن وصف الوضع فى إيران بـ«أوليغارشية» رجال الدين والأقارب من شركاء الأعمال الذين يديرون البلاد.

وحققت الأوليغارشية عودة قوية فى إيران، وفى حين أن أبناء النخبة فى عهد الشاه كان يطلق عليهم اسم الشزدة، أو شاهزاده «أحد أفراد العائلة المالكة» قبل ثورة 1979، فإن أبناء رجال الدين المتورطين فى قضايا الفساد ونهب موارد الأمة يشار إليهم الآن باسم آغا زاده «ابن النخبة».

وضع آية الله على خامنئى، أصدقاءه وعائلته فى مناصب حكومية ووضع أيديهم على أهم الشركات التجارية والأعمال المالية فى البلاد، وبالإضافة إلى نجل آية الله خامنئى، مجتبى، الذى يلعب دوراً رئيسياً وراء الكواليس فى كل عمليات صنع القرار المهمة، وتشير تقارير إلى أن والده يعده لخلافته.

وبدأت شخصيات دينية بارزة ذات علاقات وثيقة بآية الله خامنئى بالتحكم فى الكثير من شئون البلاد، وعلى سبيل المثال، قبل عدة سنوات، كشفت لجنة التحقيق التى شكلها البرلمان، لمراجعة أداء القضاء عن 123 حالة فساد، بما فى ذلك 42 حالة على الأقل تضم رجال دين ومسئولين ومن بين رجال الدين والمسئولين رفيعى المستوى آية الله محمد يزدى، وهو عضو فى مجلس صيانة الدستور جمعية الخبراء المسئولة عن تعيين المرشد الأعلى ورصد أدائه، وآية الله محمد إمامى كاشانى، عضو مجلس صيانة الدستور، وعلى أكبر ناطق نورى، رئيس البرلمان السابق والمستشار الخاص لآية الله خامنئى، والرئيس الراحل على أكبر هاشمى رفسنجانى، وعلى فلاحيان رئيس الاستخبارات السابق، محسن رفيق دوست، القائد السابق للحرس الثورى الإيرانى والعديد من غيرهم، وتعد عائلات رفسنجانى، ولاريجانى من رموز الأوليغارشية فى إيران.

وحسب تحقيق أجرته وكالة رويترز، على مدار ستة أشهر، ونشرته جريدة الديلى تليجراف بعنوان «آية الله على خامنئى يسيطر على إمبراطورية مالية تبلغ 60 مليار جنيه إسترليني»، فإن خامنئى نفسه هو جزء من هذه الأوليغارشية حيث سيطر القائد الأعلى لإيران، على إمبراطورية مالية تقدر قيمتها بنحو 95 مليار دولار، حيث يستخدم أصول شركة تسمى المقر الرئيسى لتنفيذ أمر الإمام أو «سيتاد» باللغة الفارسية، من أجل زيادة قبضته على السلطة.

سيتاد- التى أسسها فى الأصل آية الله الخمينى - توسعت لتصبح قوة هائلة فى الأعمال التجارية فى السنوات الـ6 الماضية، حيث تحتفظ بنصيب فى كل قطاع من قطاعات الاقتصاد الإيرانى، وشمل ذلك التمويل والنفط والاتصالات السلكية واللاسلكية والزراعة، وجذب نموها الدرامى انتباه وزارة الخزانة الأمريكية، التى فرضت عقوبات على المنظمة فى عام 2012 بعد أن وصفتها بأنها «شبكة ضخمة من شركات الواجهة تخفى الأصول بالنيابة عن القيادة الإيرانية».

4- تركيا: إجبار الأثرياء على الولاء لأردوغان

تعد عائلة كوك هى أغنى عائلة فى تركيا وتمتلك مجموعة كوك القابضة التى تتبعها شركات فى مجال تكرير النفط، والأعمال المصرفية، وتصنيع السيارات، والإلكترونيات.

وفى عام 2005، اشترت «كوك» شركة توبراس لتكرير النفط من الحكومة مقابل 4 مليارات دولار، وتحتل توبراش مركزاً مهيمناً فى سوق الوقود فى أوروبا.

وتسمح الحكومة التركية لشركة كوك بتحديد أسعار الوقود طالما تزود تركيا باحتياجاتها قبل البلدان أخرى.

وتلعب عائلة سابانجى إحدى أغنى العائلات فى تركيا وفقاً لقائمة مجلة فوربس لعام 2016، دوراً محورياً فى أروقة السلطة التركية وهى حيث تقدر ثروة العائلة بحوالى 20 لـ30 مليار دولار، وتم تأسيس الكيان التجارى الرئيسى للعائلة فى الثلاثينيات من القرن الماضى، وتتمتع هذه العائلات بعلاقات قوية مع حزب العدالة والتنمية.

وحسب تقرير بلومبرج بعنوان «تطهير أردوغان يؤسس بازارًا بقيمة 10 مليارات دولار للأوليغارشية»، فإن عمليات القمع التى مارسها النظام التركى ضد جماعة غولن، تحت مزاعم وقوفها مع محاولة الانقلاب عليه عام 2016، كان أحد أهدافها إرسال تهديد لرجال الأعمال بالتعاون مع حزب العدالة والتنمية، أو الانضمام لقائمة المغضوب عليهم.

وفى هذا الإطار لم يكن أمام رجال الأعمال سوى خيارين أما الهرب من البلاد أو إعلان الولاء والطاعة للسلطة والانضمام إلى الأوليغارشية الذين يشاركون فى حكم البلاد فى إطار المنافع المتبادلة مع النظام.

وقام أيدين دوغان، الملياردير العلمانى، بترويض التغطية فى مؤسساته الإعلامية الضخمة، والتى تشمل قناة حريت اليومية وقناة سى إن إن تركيا، لتجنب إغلاقها مثل أكثر من 130 منفذا آخر، كما بدأ فى رعاية مؤتمرات تخدم أجندة أردوغان فى أوروبا والولايات المتحدة.

وكانت شركة الاتصالات اللاسلكية العملاقة التى أسسها قطب الاتصالات محمد أمين كريمامى، تركسل، ذات يوم رمزاً ثقافياً للانفتاح وقبول الثقافات الأخرى واشتهر بحملته الإعلانية «فتاة حرة» التى شجعت الفتيات على العمل والاستقلال، لكنه يروج حالياً لأفكار حزب العدالة من خلال تمويل الطلاب المشاركين فى مؤسسة أنصار التابعة للحزب.

وكان فيريت سادينك، الملياردير ورئيس مجلس إدارة شركة دوجوس القابضة، قرر هو الآخر الانضمام لأوليغارشية النظام التركى ودفع ما يقرب من 20 مليون دولار لبناء كلية التربية الإسلامية فى جامعة رجب طيب أردوغان.


5- أمريكا نموذج «حكم الأقلية»

وصف بعض المؤلفين المعاصرين الظروف الحالية فى الولايات المتحدة باعتبارها نموذجا واضحا لحكم الأقلية، حيث كتب سيمون جونسون، أن عودة ظهور الأوليغارشية المالية الأمريكية هو حديث العهد ولكنه الهيكل الأكثر تقدما فى العالم.

وكتب أستاذ العلوم السياسية الأمريكى، جيفرى وينترز، أن «الأوليغارشية والديمقراطية تعمل فى إطار نظام واحد والسياسة الأمريكية هى عرض يومى لتفاعلها».

وفى عام 2011، وفقا لعديد من التحليلات الاقتصادية فإن أغنى 400 أمريكى لديهم ثروة أكثر من نصف جميع الأمريكيين مجتمعين، ويقول الاقتصادى الفرنسى توماس بيكيتى فى كتابه لعام 2013 «رأس المال فى القرن الحادى والعشرين» إن خطر الانجراف نحو الأوليغارشية حقيقى، ولا يعطى سبباً كافيا للتفاؤل بشأن أين تتجه الولايات المتحدة.

وتم إصدار دراسة قام بها علماء السياسة مارتن جيلينز، من جامعة برينستون وبنجامين بيج، من جامعة نورث وسترن فى أبريل 2014، وتشير تحليلاتهما إلى أن الجزء الأكبر من الجمهور الأمريكى ليس له فى الواقع سوى تأثير ضئيل على السياسات التى تتبناها حكومة بلاده.

وحللت الدراسة ما يقرب من 1800 من السياسات التى سنتها الحكومة الأمريكية بين عامى 1981 و 2002 و قارنوها بالتفضيلات التى أعرب عنها الجمهور الأمريكى فى مقابل الأمريكيين الأثرياء وجماعات المصالح الخاصة الكبيرة، ووجدت الدراسة أن الأفراد الأثرياء والمنظمات التى تمثل مصالح تجارية لها تأثير سياسى كبير، فى حين أن المواطنين العاديين لا يملكون أى قدرة حقيقية على التأثير.

ويقول جيلينز إن المواطنين العاديين يحصلون فقط على ما يريدونه إذا أراده أيضا الأثرياء الأمريكيون، ومجموعات المصالح الموجهة للأعمال، وأنه عندما يتم تنفيذ سياسة تفضلها أغلبية الجمهور الأمريكى، فعادة ما يكون ذلك بسبب عدم معارضة النخبة الاقتصادية لها.

وفى مقابلة عام 2015، صرح الرئيس السابق جيمى كارتر أن الولايات المتحدة هى الآن «الأوليغارشية الكاملة مع انتشار الرشوة السياسية على نحو غير محدود».

ويتمتع طرفا الحياة السياسية الأمريكية، الحزب الجمهورى والحزب الديمقراطى، بدعم من مجموعة من رجال الأعمال القادرين على فرض رغباتهم على عملية صنع القرار. وعلى سبيل المثال، قام الشقيقان ديفيد وتشارلز كوك، ملوك الاستثمارات فى المشتقات النفطية، بدعم السياسة المحافظة من خلال مؤسسات كوك.

ورجل أعمال آخر هو هارولد هام، مالك شركة كونتننتال ريسورسيز، هو أحد كبار الداعمين للجمهوريين، وعلى الجانب الآخر يأتى المليونير ديفيد كوهين باعتباره أكبر داعم للديمقراطيين، كذلك دونالد سوسمان هو مدير صندوق تحوط يدعم المرشحين الليبراليين.

يأتى حكم الأقلية أو الأوليغارشية، ذلك المصطلح السياسى الذى تصاعد استخدامه فى الأونة الأخيرة، ليؤكد من جديد أو أدوات الحكم فى دولة مثل الولايات المتحدة الأمريكية، تزعم أنها منارة الديمقراطية، لا تختلف عن أدوات الحكم فى دول قمعية مثل إيران وتركيا، فاللغة المصالح هى التى تدير فى الحقيقة المشهد السياسى.