عادل حمودة يكتب: سر الأسرار فى اختيار مالك وصلاح فى قائمة المائة الأكثر تأثيرا فى العالم

مقالات الرأي





1- الموهبة التى لا تسعد البشر محكوم عليها بالفناء

من الظلم أن نطلب من محمد صلاح أن يعطينا حسابا تفصيليا عن النجوم التى التقطها بيديه وجاء بها من السماء ووضعها تاجا فوق رأسه.

دعوناه ليلعب وسحبنا الملاعب من تحت قدميه وكتبنا له رسائل إعجاب ولم نضعها فى صندوق البريد وعندما أصبح اسمه على كل لسان كدنا بتنمرنا أن نقتله.

إننا عندما نحب نتفجر أنانية واستحواذا ولكن مو تفهم بقدرته على التحمل ضغوطنا العاطفية وأدرك بتواضعه أنه أصبح أيقونة مصرية فلم يفقد ابتسامته ولم يعطنا ظهره.

ولتلك الأسباب اختارته مجلة تايم الأمريكية واحدا من أكثر مائة شخصية مؤثرة فى العالم وكانت حيثيات اختياره بعيدة عن براعته فى تسديد الأهداف: إنه يلعب بفرح معد ويضىء وجهه فور أن يأتى بمعجزة تسعد جمهوره الذى يشعر بالاطمئنان لوجوده أمامه فى الفريق الذى يشجعه.

إن الدنيا تؤمن بأن أخلاقه تدعم موهبته الكروية وهما معا سر استمراره فوق القمة.

ولنفس السبب وضعت تايم شابا مصريا آخر فى القائمة نفسها هو رامى مالك الذى سبق أن حصل على جائزة أوسكار أفضل ممثل عن فيلم بوهميان رابسودى الذى يروى سيرة ذاتية لفرقة الروك البريطانية: كوين وسيرة نجمها فريدى ميركورى.

إن المهارة الفنية لم تعد تكفى للتأثير فى الناس بل لابد أن نضيف إليها البساطة والثقة ونبذ العنف والغرور والتعصب والتشدد وتوصيل شعور بالبهجة عبر ذبذبات التواصل مع البشر مهما كانت جنسيتهم وحضارتهم وديانتهم.

لو فكرت فى أن تقدم لى ثمرة برتقال فلا تنس أن تبتسم فى وجهى وتربت على كتفى وتدعو لى بسلامة الطريق.

وبالترجمة الدينية: لا لحسنة يتبعها أذى.


2- "ماما دوت أم": التليفزيون يسترد وظيفته الأهم فى تحسين الحياة

لكن.. فجأة وجدت اهتماما غير مسبوق ببرنامج «ماما دوت أم» أشادت به ابنتى مى وصديقاتها من الأمهات الصغيرات وقلن لى: إنه برنامج متطور يقدم نصائح ذكية فى تربية الأطفال مستعينا بخبراء متخصصين فى فك طلاسم الصغار والكشف عن ما يسعدهم ويؤلمهم ويجنب ما يوقع بهم فى متاعب نفسية وصفات مؤذية لهم ولغيرهم.

إن مراعاة أصول الصحة العقلية والنفسية تبدأ فى سن مبكرة ولو لم نتعامل معها فى الوقت المناسب سيشب الصغار على خطأ مثل عود أعوج لم نفكر فى استقامته لجهلنا بما فى باطن شخصية الطفل من مجهول.

من شدة حماس مى وأمها وجدت نفسى أترك قنوات الأفلام والمسلسلات الأجنبية وأتحول ناحية قناة سى بى سى لمشاهدة ما تيسر من البرنامج الذى يعرض فى آخر يومين من كل أسبوع وبعين الناقد رحت أتابع كل ما يقال فيه وأشهد أن كل ما سمعت كان صحيحا.

بل إننى أعتبر البرنامج على بساطته يعيد للتليفزيون مهمة أساسية من مهامه وهى التوعية بما لا نعرف وهى مهمة نسيناها فى مولد التوك شو وسهرات الغناء وثرثرة النساء.

تقدم البرنامج إعلامية لم أعرفها من قبل هى فاطمة مصطفى التى درست الميديا باللغة الإنجليزية فى جامعة القاهرة وتمتلك وجها مصريا مريحا على الشاشة بعيدًا عن الأحمر والأصفر والأخضر التى تطل بها مقدمات البرامج علينا حتى فى نشرات الأخبار والحوارات السياسية.

ولو كان البرنامج يساعدنا فى تربية أبنائنا فإن نجاحه يؤكد أننا فى حاجة إلى برامج أخرى من نفس العينة تزيد من وعينا الاقتصادى والتاريخى والإنسانى وربما تشرح أسباب الإرهاب وتفسر سبب لجوئنا لصندوق النقد الدولى وما هى صفقة القرن ولم نكره التعليم الفنى وكيف نعالج مشكلة العنوسة وغيرها من الأمور التى تغير من حياتنا وتعالج متاعبنا.

إن وظيفة التليفزيون الأولى زيادة الوعى خاصة فى مجتمع يعانى من الأمية والتسرب المبكر من التعليم وتتحكم فيه عادات بالية وخرافات سائدة ولكننا نسينا هذه الوظيفة وسقطنا فى مسلسلات العشوائيات وتركنا إنسانيتنا وأخرجنا خناجرنا.


3- أوكازيون نهاية العام فى جامعة القاهرة

يقدم الدكتور محمد عثمان الخشت نفسه لكل من يقابله بابتسامة مريحة.. توفر الكلمات وتختصر المسافات بينهما.. منحة من الله حباه بها دعمت جلوسه على مقعد رئيس جامعة القاهرة.. أكثر الجامعات عراقة فى الشرق الأوسط.

كان أول من جلس على هذا المقعد أحمد لطفى السيد وهو مفكر ومثقف مستنير وصف بأستاذ الجيل وأبو الليبرالية المصرية ورائد الدعوة للحريات الشخصية والسياسية التى أصر على النص عليها فى الدساتير التى شهد كتابتها.

وعندما قامت ثورة يوليو توافق الضباط الأحرار على اختياره رئيسا للجمهورية ولكنه اعتذر لانشغاله بمؤلفاته وترجماته ومذكراته كما أنه كان يعرف قدر نفسه وحدود صلاحياته فأعلن أنه لم يخلق لمثل هذا المنصب.

وبين لطفى السيد وعثمان الخشت صفة مشتركة: الإيمان بالفلسفة التى توسع من حرية التفكير والتدبير والتيسير وتحلل الجمود وتفك التخشب.

حصل لطفى السيد على لقب فيلسوف بثقافته العريضة العميقة وحصل عثمان الخشت على اللقب ذاته بشهادة الدكتوراه التى نالها فى الأديان المقارنة.

ساهم لطفى السيد فى جمع التبرعات لإنشاء الجامعة وحافظ على استقلالها وقدم استقالته مرتين من رئاستها حين أبعد الدكتور طه حسين عنها وحين اقتحمت الشرطة حرمها طبقا للقاعدة الشهيرة التى أرساها: من دخل الجامعة فهو آمن.

ولعب عثمان الخشت دورا فى تطوير مناهج الجامعة بتدريب أساتذتها وطلابها على أسلوب التفكير النقدى بعيدا عن الحفظ والتلقين وقرر إنشاء أولى كليات النانو تكنولوجى، كما كسر عزلة الجامعة عن المجتمع بصلاة الغائب على ضحايا حادث محطة مصر وربما لقدرته الهائلة على التواصل مع من حوله اختير أستاذا مثاليا فى أكثر من محفل علمى.

والتقى الرجلان على مبدأ شهير: الاختلاف فى الرأى لا يفسد للود قضية.

وهو مبدأ يسمح لنا بمناقشة قرارات الخشت الأخيرة التى حملت من الدهشة بقدر ما حملت من المفاجأة.

فى ختام حفل غنائى أقيم فى ساحة الجامعة أمام قبتها الشهيرة صعد الرجل إلى المسرح وأمسك بميكرفون فى يد وموبايل فى اليد الأخرى وراح يتفاعل مع الطلاب مباشرة وهو يسألهم: من يحب مصر؟ وهللت الجموع بالإجابة وبين تحيا مصر وأخرى أعلن قراراته التى أثارت جدلا بين كل من عرف بها.

أعفى طلاب المدن الجامعية من تكاليف الإقامة فى شهر رمضان مقابل الهتاف: تحيا مصر ومقابل الهتاف نفسه لمرة ثانية قرر إضافة نسبة خمسة فى المائة من إجمالى درجات امتحان مادة واحدة لو توقف عليها الطالب عند تخرجه وهتف الطلاب من جديد: تحيا مصر ليعفى منهم من مصروفات الدراسة من لم يسددها وفى آخر: تحيا مصر منح الرجل الطلاب إجازة من 25 إبريل (عيد تحرير سيناء) إلى 29 إبريل (يوم شم النسيم).

والمؤكد أن الخشت يملك موهبة متميزة تتيح إليه التواصل بينه وبين جماهير عريضة جعلت الطلاب يكررون الهتاف بحياة مصر ربما لأول مرة فى الجامعة على نحو ما حدث ولكن هل كان الهتاف بحياة مصر خالصا لوجه الوطن أم مقابل ما حصلوا عليه؟.

والحقيقة أننى لو كنت طالبا فى جامعته لسعدت بتلك القرارات.. إجازة طويلة من صداع المحاضرات.. اختصار وقت المذاكرة مادام الحصول على الشهادة الجامعية سهلا بتخفيضات الخمسة فى المائة.. وما المانع من الرسوب والبقاء فى الدراسة سنة أخرى بنفس المصاريف خاصة لو لم تظهر فى الأفق فرصة للعمل تثير الحماس للتخرج.

وحتى لو كانت تلك القرارات صائبة فإنه كان على الرجل توقيعها فى مكتبه وليس إعلانها على الملأ فيما يشبه الأوكازيون خاصة أنه يتمتع بثقل أكاديمى دعمته مؤلفاته وأبحاثه المحكمة المنشورة بلغات مختلفة والتى يدور أهمها حول تجديد الخطاب الدينى وتفتيح عقول المسلمين لمواجهة الإرهاب والتوافق مع العصر الذى نعيشه.

وطبقا للمساواة.. هل يرد المصروفات لمن دفعها إذا كان قد وفرها لمن لا يدفعها؟.. وهل يضيف خمسة فى المائة لدرجات المتفوق كما يضيفها لدرجات الراسب؟.. والسؤال الأهم: لو كان هناك تساهل فى النجاح فهل يؤثر ذلك على تصنيف جامعة القاهرة بين جامعات العالم؟.

لكن مهما كانت الانتقادات التى وجهت للرجل فقد كشف عن قدرة خاصة فى الحوار بين الأستاذ والطالب يمكن أن يستثمرها فى مزيد من التفاهم بين الأجيال وهى بالقطع مهمة صعبة.