طار الشناوي يكتب: "لير" يفقد العرش!

الفجر الفني

بوابة الفجر


هل أنت محبوب لأنك صاحب جاه ومال وسلطة، أم أنك فعلا تستحق الحب المطلق، سؤال يعيشه كل من امتلك بيديه الدنيا، وهو يتابع خضوع الجميع له، ثم عندما يفقد مجبرا أو طواعية الصولجان، تنهال عليه الطعنات من أقرب الناس إليه.

قرر الملك لير أن يصل للحافة، صعد عاريا لقمة الجبل، عاش تلك الكذبة التى صدقها، وهى أنه يستحق الحب، لأنه فقط لير، وصل باللعبة لمنتهاها، معتقدا أنه كل شىء، فاكتشف أنه بدون التاج لا يساوى شيئا، تذكروا عددا من رؤساء الجمهوريات العرب عندما أجبروا على التنحى، وكم الصفعات التى تلقوها، خاصة ممن كانوا يقفون بالساعات على الباب منتظرين مجرد نظرة رضا.

الملك عاشق الحياة، وزع مملكته على ابنتيه اللتين أفاضتا فى إعلان الحب والإخلاص والولاء المطلق، بينما ابنته الثالثة عندما سألها عن مدى حبها له فلم تجب بأكثر من الحقيقة، وهى أنها تحبه مثلما تُحب كل ابنة أباها، إجابة ضربت غروره فى مقتل.

قبل أكثر من أربعة قرون كتب وليم شكسبير تلك الرائعة، محللا كعادته النفس البشرية والصراع الساكن داخل الإنسان، كثيرا ما نختصر أفكاره فى كلمة فتصبح هى المعادل الموضوعى للمسرحية، (عطيل) تساوى الغيرة، و(هاملت) التردد، و(لير) هى عنوان عقوق الأبناء، الأكثر عمقا فى النص هو غرور لير الطامع فى كل شىء، فهو بعد أن وصل فى الملك للذروة، أراد أن يبحث عن قيمة أخرى لا تنفد، فصار يطمع فى الحب الخالص.

الحس الشاعرى عند شكسبير هو العمق ولهذا فإن الكلمة كانت ولاتزال هى البدء وهى المنتهى، تدفعك المسرحية إلى تأمل الكلمات بكل ما تحمله من ظلال، بينما بسبب مشاكل فى هندسة الصوت، وربما أيضا فى البناء المعمارى لمسرح (كايروشو) نفقد جزءا عزيزا من هذا الزخم الذى تنبض به الكلمات وظلالها، إلا أن ما بقى فى أعماقنا كان قادرا على إحداث النشوة.

يحيى الفخرانى، أحد دراويش (الملك لير)، قدمها قبل 17 عاما على المسرح القومى، ومنذ أربع سنوات شعر بالحنين إليها وشاهدناها فى معالجة صعيدية تليفزيونية، قدمها الكاتب عبدالرحيم كمال والمخرج شادى الفخرانى، وتلك هى الثالثة، ربما لم يكن الفخرانى هو صاحب المبادرة الأولى فى المرات الثلاث، إلا أنه وجد بداخله ما يدفعه لكى يلبى دائما نداء (لير)، الفخرانى أحمد ملوك فن التمثيل العربى فى النصف قرن الأخير، وفى كل مرة يمنح الدور لمحة خاصة.

وقف مع يحيى مجموعة من أصحاب المواهب الاستثنائية، أتوقف أمام فاروق الفيشاوى، أحد عتاولة المسرح، رغم أنه محسوب أكثر على السينما والتليفزيون، إلا أنه الأستاذ فى تمكنه وفطريته، وتابعت أداء يقظ من محمد فهيم نضال الشافعى وريهام عبدالغفور ورانيا فريد شوقى وهبة مجدى.

يعيدنا المنتج مجدى الهوارى إلى زمن نهايات القرن 19 عندما كانت مسارح عماد الدين وروض الفرج تقدم كل الفنون للجمهور، وعلى رأسها الأدب العالمى، وهو كمنتج رصد كل الإمكانيات، لأن لدينا جمهورا عاشقا للجمال، مهما غلفته الرصانة.

المخرج تامر كرم، منح المسرحية، بتلك الرؤية الشبابية، قدرا من الخروج على السائد إلا أنه لم يخلص لها، دعمها بالموسيقى والرقص والغناء، كان يتقدم خطوة ويتراجع خطوة فكان نصف مغامر.

أنتظر أن يتم التغلب فى عرض (لير) على مشكلة الهندسة الصوتية فهى تدعونى لمشاهدة أخرى!!