طارق الشناوي يكتب: "الوى الوى"

الفجر الفني

بوابة الفجر


أحيانا تعجز عن إعلان الحقيقة، لأن هناك قوة مفرطة تنطق بغيرها، حتى صاحب المصلحة فى الجهر بالحقيقة تجده لسبب أو لآخر صامتًا، ربما لأنه يكتشف أن الثمن باهظ، فيؤثر السلامة.

بين الحين والآخر، تفرض إحدى الأغنيات نفسها على السطح وتشغل مساحة معتبرة من (السوشيال ميديا)، وهذا الأمر يحتاج لدراسة اجتماعية ونفسية، لماذا فى لحظة ما يستخرج الناس أغنية من الأرشيف ويعيدون لها النبض، وكأنها ولدت فقط اليوم، وبعد زمن يستعيدون أخرى من تحت ركام النسيان وهكذا؟.

قدم عبدالحليم حافظ فى تونس أكثر من حفل عندما كانت الإذاعة المصرية تحرص فى الستينيات وبتوجه سياسى مباشر على أن تنطلق دائما من مصر كل الإبداعات لتصل إلى العالم العربى، وكان البرنامج الشهير (أضواء المدينة) له امتداده العربى أيضا.

على (النت) يغنى عبدالحليم حافظ واحدة من الفولكلور المصرى «الوى الوى»، كتبها شاعر الفصحى صالح جودت ولحنها محمد عبدالوهاب. صالح له العديد من الأغانى العامية رددها فريد الأطرش ومحمد فوزى وليلى مراد وغيرهم، وهكذا التقط مفردة (الوى الوى).

عندما أراد محمد عبدالوهاب أن يساير موضة الأغانى الشعبية، وذلك تماشيا مع التوجه الجديد لعبدالحليم حافظ بعد أن استفزه النجاح الطاغى لمحمد رشدى الذى حققه فى الشارعين المصرى والعربى بعد أن قدم أغنيتيه (وهيبة) و(عدوية)، وهكذا أخذ عبدالحليم من ألحان بليغ حمدى (سواح) و(على حسب وداد جلبى) و(أنا كل ما أقول التوبة)، ولكل من هذه الأغنيات الثلاث قصة خلف قصة الأغنية، سأكتفى فقط بـ(سواح) التى كتبها محمد حمزة فى أول لقاء يجمعه مع بليغ وعبدالحليم، روى لى حمزة أنه كتب فى البداية تلك الشطرة الشعرية (مشوار صعيب/ وانا فيه غريب / والليل يقرب/ والنهار روّاح)، أعجب عبدالحليم بالكلمات، فقط استوقفته مفردة (صعيب) قال له هذه يقولها محمد رشدى وليس عبدالحليم، فأحالها حمزة إلى (بعيد).

تكتشف أن عبدالحليم يريد دائما أن يتمتع بخصوصية، لا ينسى أنه عبدالحليم، كما أن أستاذه محمد عبدالوهاب يقدم الشعبى فى الموسيقى بأسلوب عبدالوهاب، كانت لديه قناعة بأن (الوى) ستحقق نجاحًا جماهيريًّا يفوق الأغنيات الشعبية الثلاث التى لحنها بليغ.

(الوى) سجلها المطرب القديم (عبد الحى حلمى)، وهو خال المطرب (صالح عبدالحى) فى مطلع القرن العشرين، وأعادها للحياة صالح جودت محافظا على القافية فى كل مقاطعها، مستخدما مفردات مثل (حى وضى وزى وجى).

المؤكد أن عبدالحليم فى التسجيل الأول التزم بنطق الأغنية هو والكورس كما كتبها المؤلف (الوى الوى)، بعد ذلك تغير النطق، وأيضا الإذاعة ساهمت بقسط وافر فى هذا التغيير لتصبح (الويل الويل)، الناس استسهلت الاسم المعروف معناه المباشر، بينما (الوى) التى تعنى ضمنا شدة الولع والحب فإنها غير مستخدمة فى تعاملنا اليومى.. إنها تشبه تماما الخطأ التاريخى الذى ارتكبه يوسف شاهين قبل 60 عاما عندما أطلق على فيلمه (جميلة بوحريد)، بينما كل العالم ينطق اسمها الصحيح (جميلة بو حيرد).

هل علينا أن نقول الحقيقة لمجرد أنها الحقيقة، حتى لو كانت تبدو ظاهريًا لا تودى ولا تجيب، أم أنه فى أحيان كثيرة تصبح الحقيقة فى نظر الأغلبية هى الكذبة الملعونة؟!.