القاعدة تستعيد زعامة الإرهاب العالمي أسامة بن لادن وابنه حمزة

العدد الأسبوعي

أسامة بن لادن وابنه
أسامة بن لادن وابنه حمزة


استغلت الحرب على «داعش» فى تقوية فروعه وتصدر حمزة بن لادن إعلاميًا

"جبهة النصرة" تضم فلول "البغدادي".. وفروع اليمن والمغرب وليبيا وأفغانستان تزداد خطورة

تصدر نجل بن لادن للمشهد إحياءً لرمز واستراتيجية مؤسس التنظيم


إذا كان هناك ثمة طرف إرهابى، قد استفاد من الحرب على تنظيم داعش، وما ترتب عليها من سقوط خلافته فى سوريا والعراق، فهو بالقطع تنظيم القاعدة. حسابات الواقع تؤكد بجلاء الآن أن القاعدة تستعد لتصدر المشهد الإرهابى من جديد، على أنقاض داعش، وأن التنظيم العجوز قد أدرك إحداثيات المشهد جيداً منذ البداية.


وأداره ببرجماتية تؤهله لأن يكون الرابح الإرهابى الأكبر فى الأخير، وأن يسترد دفة الإرهاب الدولى، من غريمه ومنافسه الشرس، الذى سبق وأن سحب البساط منه، خلال السنوات الأخيرة، ونجح فى اقتناص بيعة عدد من فروع القاعدة نفسها، والتى أدارت ظهرها للظواهرى، وتنصلت من بيعته، معلنة الولاء، لخليفة داعش، أبوبكر البغدادى.

وذلك بعد أن نجحت الآلة الإعلامية لداعش، فى الاستحواذ على اهتمام العالم، وبعد أن اكتسبت الحقبة الإرهابية الأخيرة، الصبغة الداعشية بامتياز، واحترف التنظيم استغلال السوشيال ميديا، ونجح فى جذب شرائح شباب الإرهابيين والمتطرفين، وتحول إلى تنظيم عابر للقارات، وللجنسيات، حتى أصبح شعار «إذا كنت شاباً فاذهب إلى داعش»، هو الشعار الإرهابى الأكثر رواجاً.

لكن فى خضم ذلك، كان هناك من يستغل المشهد كله فى صمت، ويعيد ترتيب أوراقه بعيداً عن الرصد.

فاستثمرت «القاعدة» الاهتمام المتصاعد بتنظيم داعش الإرهابى، ثم حرب الولايات المتحدة الأمريكية ودول التحالف ضده، كما استثمرت من قبل حالة الهياج الإعلامى التى صنعها التنظيم بإصداراته الدموية، وفيديوهات الذبح والحرق، وبدأ التنظيم الإرهابى «الأم»، ذو الحضور الباهت منذ فترة، فى إعادة بناء هيكله التنظيمى، وترميم بيته من الداخل.

بل إن تقريراً أمريكياً نشرته وسائل الإعلام الغربية خلال فترة الحرب على تنظيم داعش، كشف عن مخاوف جمة وقلق متنامٍ بين مسئولين أمنيين استخباراتيين، وعسكريين أمريكيين، من أن تكون تلك الحرب، تعود بالفائدة فى النهاية على القاعدة، المنافس الأول للتنظيم الإرهابى المسيطر فى العراق وسوريا.

وفى أغسطس الماضى، صدر تقرير شديد الخطورة للخبراء فى الأمم المتحدة، أكد أن قيادة القاعدة تظهر صبراً استراتيجياً، وتمارس فروعها الإقليمية حكمًا تكتيكيًا جيدًا، وتدمج نفسها فى القضايا المحلية وتصبح لاعبًا.

كما شدد التقرير الذى رفع لمجلس الأمن الدولى، على أن القاعدة «لا تزال شبكة عالمية تظهر المرونة»، وأنها «أقوى من داعش فى بعض الأماكن مثل الصومال واليمن كما أصبحت قيادتها فى إيران أكثر بروزاً».

وأن تنظيم القاعدة لا يزال «صامداً بشكل ملفت» ويشكل خطراً أكبر من تنظيم داعش فى بعض المناطق.

وصف التقرير فرع القاعدة القوى فى اليمن بأنه «يشكل مركزاً للتواصل لمجمل التنظيم»، وقال إن «الهجمات والعمليات المتلاحقة من قبل المجموعات المرتبطة بالقاعدة فى غرب إفريقيا وفى جنوب آسيا تشكل خطورة أكبر من مقاتلى تنظيم داعش غير القادرين حالياً على فرض أنفسهم فى موقع قوة». خاصة بعد أن اتحدت أربعة من أخطر التنظيمات الإرهابية فى مناطق الساحل والصحراء وهى جماعة «أنصار الدين» بقيادة إياد أخ غالى و«المرابطون» بقيادة مختار بلمختار و«إمارة منطقة الصحراء» (القاعدة فى بلاد المغرب الإسلامي)، وكتائب ماسينا (جماعة بول أمادوا كوفا الناشط فى وسط مالي)، وقد اندمجت المجموعات الأربع، فى جماعة واحدة هى «نصرة الإسلام والمسلمين» وأعلنوا بيعتهم لأيمن الظواهرى زعيم تنظيم القاعدة.

وفيما يحقق تنظيم القاعدة، صعوداً لا يستهان به فى أفغانستان إلى جوار حركة «طالبان»، تبقى «جبهة النصرة» أيضاً فى سوريا هى أحد أقوى وأكبر فروع تنظيم القاعدة فى العالم.

بحث أصدره مركز العلاقات الدولية الأمريكى «سى.إف.آر» فى 2018 عن «النمو الجديد للقاعدة»، يؤكد كذلك على أن تنظيم القاعدة قد استغل الانشغال الدولى بالحرب ضد تنظيم داعش فى كل من سوريا والعراق، وذلك لإعادة ترتيب صفوفه بهدوء والقيام ببناء تمركزات بعدة دول فى آسيا وإفريقيا.

وقدم البحث فى طياته خريطة إحصائية تبين أعداد المقاتلين التابعين للقاعدة، سواء من الأفراد الأصليين للتنظيم أو من الجماعات التى أعلنت ولاءها للقاعدة، قد وصل عددهم فى كل من آسيا وإفريقيا والشيشان أكثر من 47 ألف مقاتل، منهم 20 ألف مقاتل فى سوريا، و4000 فى اليمن، و9000 فى الصومال، و6000 فى ليبيا، و4000 فى دول المغرب العربى وإفريقيا الوسطى، و800 فى أفغانستان وباكستان والهند، و300 فى بنجلاديش وميانمار، و3000 فى إندونيسيا و نحو 100 مقاتل فى الشيشان.

كما ركز البحث المهتم بـ«النمو الجديد للقاعدة» على أهمية الحرب السورية فى تطور تنظيم القاعدة من حيث التأثير والقوة، وأن التنظيم قد أظهر قدرة هناك على الاستمرارية والتخطيط الاستراتيجى طويل المدى، بل يبتلع الآن عدداً كبيراً من مقاتلى تنظيم داعش بعد سقوط معاقله فى سوريا، بعد أن أثبت قدرة على مواصلة القتال فى إحدى أكثر بؤر الصراع تعقيدا فى الشرق الأوسط.

فاللحظة المواتية تماماً، لا تخدم تنظيم الظواهرى فقط، فى رد اعتباره واسترداد المارقين السابقين عنه لصالح تنظيم داعش، وإعادتهم إلى حظيرة القاعدة مرة أخرى، ولكن أيضاً لاستدراج المزيد غيرهم من بقايا وفلول مقاتلى تنظيم داعش، الذين لن يعود غالبيتهم، إلى دولهم الأصلية، وسيصبح خيار الانضمام للقاعدة بالنسبة لهم، هو سيناريو مطروح بشدة بالنسبة لهم.

فتؤكد المعلومات الاستخباراتية، أن القاعدة بدأت فى العمل بشكل استباقى، ولم تنتظر المشهد النهائى لسقوط تنظيم داعش، فبدأت حملة للتجنيد من الجزائر فى أغسطس الماضى، و تلتها حملة ثانية أطلقتها فى سوريا سبتمبر الماضى، وأن كثيراً من مقاتلى داعش فى اليمن قد أعلنوا «التوبة» وانضموا إلى صفوف «القاعدة»، وكذلك الحال فى منطقة غورفى أفغانستان.

وفى كل الأحوال فإن الظواهرى، قد استعد للمرحلة الجديدة بالرجل المناسب لها، وهو حمزة بن لادن..» الوجه الجديد للإرهاب» كما يصفه على صوفان المسئول السابق لملف القاعدة فى مكتب التحقيقات الفيدرالية، أو «ولى عهد الجهاد» كما يطلق عليه جمهورالقاعدة فى العالم.

وذلك بإمكانيات أوسع لبن لادن الشاب، فى التواصل مع جيل جديد من الإرهابيين وجذب مزيد من مصادر التمويل، وأيضاً مع قبول يحظى به نجل مؤسس القاعدة، قد يؤهله لخلق صيغة توافقية، تتدارك إخفاقات أيمن الظواهرى وفقده السيطرة على فروع القاعدة خلال السنوات الماضية، وتتجاوز الخلافات الداخلية فى التنظيم.

والأهم أن تصدر حمزة للمشهد فى هذه المرحلة باعتباره «بن لادن جديد» هو مكسب لا يستهان به للقاعدة، التى تسعى لاستعادة رمزية مؤسسها أسامة بن لادن، وتعيد إنتاج خطابه الحماسى، وتصدير استراتيجيته فى استهداف العدو البعيد، وضرب الولايات المتحدة الأمريكية ودول الغرب، تمهيداً لعودة التنظيم «الأم» لاستئناف هجماته الإرهابية، وتشكيل المشهد الإرهابى العالمى من جديد.