اتهام وزارة الصحة بصرف علاج غير مسجل لمرضى سرطان الدم

العدد الأسبوعي

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية


يتسبب فى أعراض جانبية وتدهور حالة المرضى

علاقة غامضة مع شركة أدوية وراء التوصية بتناول "كارسيميا"


إذا كنت مريضًا بـ«اللوكيميا» المعروف بـ«سرطان الدم»، فأمنيتك الوحيدة أن تستطيع الحصول على الدواء للفرار من هذا المرض الذى أرسل كثيرين إلى الموت دون شفقة أو رحمة، إذ ينهش هذا المرض اللعين فى المصاب بحيث لا يترك له سوى فرصة ضئيلة للتمتع بالحياة، ولذا يتمسك المرضى بالدواء الذى يقلل من أوجاعهم، ويسيطر على المرض، خصوصاً الذين يحصلون على العلاج من مستشفيات التأمين الصحى، والمستشفيات الحكومية، لأنهم لا يتحملون ثمن الدواء أو تجربة نوع جديد.

كان مرضى سرطان الدم، بمستشفيات وزارة الصحة والتأمين الصحى يتناولون عقار «جليفك»، الذى يؤدى لانخفاض نسبة المرض فى أجسادهم، ولكن مؤخراً بدأت المستشفيات ومعاهد الأورام تصرف دواء «كارسيميا» لهؤلاء المرضى، تنتجه شركة الحكمة للصناعات الدوائية، التى تعاقدت مؤخراً مع مستشفيات التأمين الصحى، وبعد أشهر من تعاطى الدواء الجديد ظهرت أعراض جانبية على المرضى وتدهورت حالتهم وارتفعت نسبة السرطان فى أجسادهم، وذلك حسب شكاوى كثيرة أرسلها المرضى إلى مجلس الوزراء للمطالبة بالعودة إلى الدواء القديم «جليفك».

تواصلت «الفجر» مع عدد من مرضى اللوكيميا، منهم «أ.ع» الذى قال إنه كان يتناول «الجليفيك» ما أدى لانخفاض نسبة الأورام فى دمه من 48 لـ 9%، ارتفعت مرة أخرى لـ32 % بعدما صرفت له المستشفى «الكارسيميا»، لمدة 3 أشهر، بزعم أنه بديل، يحتوى على نفس المدة الفعالة، «إيماتينيب»، ولذا قرر طبيبه المعالج التوصية له بدواء «تاسيجنا» الأكثر تقدماً لتدارك حالته.

أما «أ.سعيد»، فكشفت أمراً أخطر بقولها إن المستشفيات الحكومية تستخدم مرضى اللوكيميا المزمن، كفئران تجارب، حيث قامت بتجربة علاج جديد عليهم بشكل مفاجئ من دون إجراء أى تجارب سريرية، أو الكشف للمرضى عن الأعراض الجانبية للدواء الجديد، وذلك بعد 4 سنوات من علاجها بدواء «جليفيك»، الذى كانت تحصل عليه من معهد الأورام ودون سابق إنذار.

تدهورت حالة «أ. سعيد»، بعد 6 أشهر من تناول الكارسيميا، وأصبحت غير قادرة على الحركة وعندما حاولت التواصل مع أطباء المعهد لمعرفة سبب تغيير العلاج رفض طبيبها المعالج التوضيح وطردها، ولكن مساعده نصحها سراً بتغيير العلاج، وتناول دواء أكثر تقدماً لأنه لا يمكنها العودة لـ«جيلفيك».

كانت علاقة «أ.سعيد» بمعهد الأورام تقتصر على تجديد قرار الحصول على الدواء شهرياً فقط، إذ كانت حالتها مستقرة، ولكنها تعانى حالياً من وجود مياه على الرئة مع العلاج الجديد «سبرايسل»، كما تتطلب حالتها إجراء أشعات وتحاليل دورية، والمتابعة مع طبيب خاص، خصوصاً أنها أصيبت بدرجة من الأنيميا تتطلب حصولها على أكياس دم بانتظام.

ولا يقتصر ضحايا «الكارسيميا» على مرضى معهد الأورام، إذ كانت سعاد إبراهيم، تعالج من اللوكيميا طيلة 6 سنوات، وفى حالة مستقرة ومتعايشة مع دواء الجليفيك، ولكن حالتها تبدلت للأسوأ مع «الكارسيميا» وبعد ستة أشهر أصيبت بغثيان دائم وآلام بالعظام، وزيادة فى نسبة كرات الدم البيضاء، وأثبتت التحاليل أن حالتها السيئة ثابتة.

ويقول زوج سعاد، إنه تواصل مع طبيبها الخاص بالمعهد فقال له: «العلاج الجديد هو السبب»، وعندما طلبوا منه صرف الدواء السابق، رد بأنه غير متوافر من خلال المعهد، ولكن يمكن شراؤه، وهو ما كان صعباً بالنسبة إليهم لأن سعر الجليفيك مرتفع.

ويقول أحمد عوض، مؤسس جمعية رعاية مرضى اللوكيميا المزمنة، إنه قدم شكوى لوزارة الصحة بخصوص علاج الكارسيميا بعد تعدد شكاوى المرضى منه، وتواصلت معه طبيبة من الإدارة المركزية لشئون الصيدلة بالوزارة، وقالت إنها ستتابع الأمر من خلال فحص تقارير 100 مريض، كان يتم علاجهم بالجليفيك، وتم استبداله بالكارسيميا، كما ستفحص الوزارة الأعراض الجانبية والفرق بين التقارير الطبية للمرضى مع الدوائين، ووعدت الطبيبة أنه فى حال ثبت عدم فعالية «الكارسيميا» سيتم وقف صرفه للمرضى، ولكن مر عام ولم تتخذ الوزارة أى خطوة، كما انقطع التواصل مع الطبيبة، والغريب بالنسبة لأحمد عوض، أن يتم صرف دواء جديد دون إجراء أى دراسات أو تجارب على المرضى.

وقالت مصادر إن السبب الحقيقى لانتشار الدواء الجديد يرجع لوجود علاقات وطيدة بين الشركة المنتجة ومسئولين بوزارة الصحة.

ولا يتوافر دواء «كارسيميا» فى جميع الصيدليات، أما سعره فيتراوح بين 250 و500 جنيه للعبوة، وهو عبارة عن كبسولات تؤخد عن طريق الفم بتركيز 400 ملليجرام، وسعرها 450 جنيهاً، ويوجد نوع آخر تركيزه 100 ملليجرام وسعره 250 جنيهاً.

أما جليفيك فهو كبسولات أيضاً ويصل سعر العبوة تركيز 400 ملليجرام، لـ11750 جنيهاً، وعبوة أخرى تركيزها 100 ملليجرام وبنفس السعر، وذكرت الشركة المنتجة أن سبب تفاوت الأسعار رغم أن المادة الفعالة فى العقارين واحدة، وهى إيماتينيب، أن تركيز المادة الفعالة فى عقار الجليفيك تعادل 5 مرات تركيز المادة الفعالة فى عقار الكارسيميا.

وفى الموقع الإلكترونى الرسمى لمنظمة الغذاء والدواء بالولايات المتحدة، لم تجد «الفجر» الاسم التجارى لعقار الكارسيميا، رغم أن الاسم التجارى لـ»الجلفيك» موجود.

محمود فؤاد، المدير التنفيذى لمركز الحق فى الدواء، قال إن التأمين الصحى أجبر عدداً كبيراً من المرضى على تناول «كارسيميا» رغم ثبوت عدم جدواه العلاجية في العراق و المغرب، منبهاً إلى أنه من حق المريض حسب الأعراف الطبية تناول الدواء المخصص له، وعدم تغييره، متسائلاً: هل قامت لجان الأورام فى مصر بتغير نوع الدواء بعد إجراء دراسة إكلينيكية عن فاعليته حسب المتبع عالمياً ؟

وأضاف، أنه على المعهد القومي للأورام إتاحة الدراسة التي أعدها عن فاعلية الدواء ليطمئن الجميع من فاعليته ونجاحه أو العكس خاصة أن الحالات متضاربة، وأن ترك المرضي هكذا انتهاك لكافة حقوقهم القانونية والإنسانية، متابعًا: شركة الحكمة عالمية ولها سمعة في السوق وعليها مسؤليات تجاه مجتمع تعمل وتكسب منه، لأنها تقوم أيضا بتسجيل أدوية لتتمكن من تسجيلها خارج مصر خاصة أن لديها بحث علمي مميز وأكتر من ٢٠ دواء للأورام ويجب علي أطباء الأورام التحدث مع الوزارة عن ماهية الدواء لزيادة اطمئنان المرضى، وأخيرا الدواء الموصوف لهم حق أساسي. 


حسب الموقع الإلكترونى لشركة الحكمة، فقد تم تأسيسها بالأردن عام 1996، كشركة متعددة الجنسيات، ودخلت مصر عقب الاحتلال الأمريكى للعراق، عن طريق شراء شركة «الكان للصناعات الدوائية»، بـ60 مليار دولار رغم أن أرباح الأخيرة كانت 60 مليون جنيه سنوياً، وهو ما كان موضوع استجواب فى مجلس الشعب عام 2008، للدكتور حاتم الجبلى، وزير الصحة الذى رد بأن الشركة الأردنية دخلت مصر تحت ستار شركة تيفا الإسرائيلية، وأن الحكمة شركة مساهمة وتمتلك أسهمها مؤسسات أمريكية وبريطانية وألمانية بنسبة 38 % بينما يمتلك المساهم الأردنى 37.71 % من الأسهم علاوة على 43 مساهماً من جنسيات أخرى.

يذكر أن شركة الحكمة، تواجه دعاوى قضائية تتهمها بالاستيلاء على نصيب العمال من الأرباح.

علامات الاستفهام ظلت تلاحق شركة الحكمة، خصوصاً مع سعيها للسيطرة على أدوية العلاج من «سرطان الدم»، وحصلت «الفجر» على شكوى قدمتها جمعية مرضى اللوكيميا فى مصر، لمجلس الوزراء، تفيد بعدم صرف الدواء الأصلى «جليفك» خاصة لمرضى معهد الأورام، واستبداله بعقار كارسيميا الذى أدى لتدهور حالتهم فضلاً على معاناتهم من الآثار الجانبية للدواء الجديد.

ذكرت الشكوى أن «الكارسيميا» غير مسجل بقائمة الأدوية بمنظمة الغذاء والدواء الأمريكية، «FDA» ، كما أن مرضى اللوكيميا فى العراق عانوا من من نفس الأعراض ما أدى لمنع تداول الدواء هناك.

الدكتور مصطفى سعداوى، الفقيه القانونى، قال إنه فى حال تسبب الدواء الذى تصرفه وزارة الصحة، فى إيذاء للمرضى، يصبح الأمر مسئولية الطبيب الذى أوصى بالعلاج والصيدلى الذى صرفه، وفى حال وصل حجم الضرر إلى وفاة المريض نفسه يعاقب المسئول بالسجن من 3 لـ5 سنوات، بسبب مخالفة شروط قيد وتسجيل الأدوية.