د. نصار عبدالله يكتب: العهدة الخامسة للسيد الرئيس "2"

مقالات الرأي



رأينا فى المقال السابق كيف أن سائر الرؤساء العرب الذين نجحوا فى البقاء فى الحكم حتى وصلوا إلى العهدة الخامسة «كما يسمونها فى الجزائر» أو الولاية الخامسة «كما نسميها نحن فى مصر» رأينا كيف أنهم جميعا «باستثناء حافظ الأسد» قد انتهت رئاستهم للحكم نهاية مأسوية.. وحتى حافظ الأسد الذى توفى وفاة طبيعية عام 2000 وخلفه ابنه بشار الأسد الذى يعد حكمه امتدادا لحكم أبيه، حتى حافظ الأسد الذى كان يحكم باعتباره ممثلا للطائفة العلوية النصيرية والتى ما زالت باقية فى الحكم إلى الآن ممثلة فى نجله قد جلبت إلى بلاده بأكملها نهاية أشد مأساوية من تلك النهايات التى جلبها لأنفسهم ولبلادهم أولئك الرؤساء العرب الذين نجحوا فى الوصول إلى العهدة الخامسة وقضاء جزء منها قبل أن ينتهى حكمهم «وأحيانا حياتهم» شر نهاية.. الغريب أن الرؤساء العرب لا يتعظون، فهم بمجرد أن ينجحوا فى الولاية، ثم فى الولاية الثانية التى كثيرا ما تنص الدساتير العربية على أنه لا يجوز الترشح بعدها، ومع اقتراب نهاية الفترة الثانية يعمدون إلى تغيير الدستور لكى يتاح لهم الترشيح إلى ما لا نهاية، ولعل التجربة المصرية فى عام 1980 كانت خير نموذج لمثل هذا الالتفاف على الدستور وتعديله غالبا لهذا الهدف رغم اقتران المادة المستهدف تعديلها بتعديل آخر يمثل مطلبا حقيقيا لفئات كثيرة من أبناء الشعب المصرى، ثم طرح التعديلين كحزمة واحدة، إما أن يوافق المواطنون عليهما معا، أو يعترضون عليهما معا، وبالتالى فإن الموافقة إن تمت سوف تبدو منطقية جدا ومقنعة جدا حتى لو كان أغلب المواطنين يعترضون على مبدأ الرئاسة المؤبدة.. ولكى يكون الكلام أكثر وضوحا وتفصيلا نقول إن المادة 77 من الدستور المصرى الصادر عام 1971 كانت تنص على أن: «مدة الرئاسة ست سنوات ميلادية تبدأ من تاريخ إعلان نتيجة الاستفتاء، ويجوز إعادة انتخاب رئيس الجمهورية لمدة أخرى» وفى ظل ذلك النص أكمل الرئيس أنور السادات مدته الرئاسية الأولى التى انتهت فى عام 1976، حيث رشح نفسه لمدة أخرى كان من المقرر أن تنتهى عام 1982، غير أنه بحلول عام 1980 تقدمت بعض الهوانم النائبات: نوال هانم عامر، وكريمة هانم العروسى، وفايدة هانم كامل، تقدمن باقتراح لتعديل نص المادة 77 بحيث يصبح: «لمدد أخرى» بدلا من مدة أخرى... لا يدرى أحد على وجه اليقين لماذا جاء الاقتراح من النائبات الهوانم بالذات، وليس من السادة النواب، وإن كان الأرجح أن هاتيك النائبات كن يرتبطن بصلة مودة وصداقة بالسيدة جيهان هانم السادات وأنها هى التى أوعزت إليهن بتقديم هذا التعديل تمهيدا لأن يظل زوجها رئيسا مدى الحياة، وأن تظل هى بالتالى السيدة الأولى طيلة رئاسته أو بالأحرى طيلة حياته، غير أنها لم يدر بخلدها على الأغلب أن هذا التعديل قد يكون واحدا من الأسباب التى أدت إلى اغتياله بعد أن أقفل بهذا التعديل أية إمكانية لتداول السلطة بشكل سلمى ولم يعد هناك من سبيل لإزاحته سوى ثورة شعبية لم تكن بشائرها قد لاحت بعد، أو انقلاب عسكرى لم يكن حدوثه ـ لأسباب كثيرة ـ أمرا واردا، أو الاغتيال وهذا هو ما حدث بالفعل فى 6 أكتوبر 1981، حيث تعرض لإطلاق النار فى عرض عسكرى أقيم بمناسبة الاحتفال بذكرى انتصار أكتوبر 1973، وطبقا للدستور فقد تولى رئيس مجلس الشعب الدكتور صوفى أبوطالب منصب رئيس الجمهورية إلى أن يتم انتخاب الرئيس الجديد الذى رشحه المجلس وكان المرشح هو نائب الرئيس السيد محمد حسنى مبارك الذى كان حاضرا للعرض العسكرى والذى شاهد بعينيه واقعة الاغتيال، وهذا هو على الأرجح كما ذكرنا فى الأسبوع الماضى هو ما جعله يعلن لدى توليه لفترة رئاسته الأولى أنه لن يرشح نفسه لفترة رئاسة ثانية، وهو الوعد الذى حنث به ورشح نفسه ليس لولاية ثانية فحسب بل لخمس ولايات متعاقبة، وأدهى من ذلك أنه كانت هناك شواهد عديدة تشير إلى أن ابنه جمال يهيئ نفسه لخلافة أبيه، وهو ما أدى فى نهاية المطاف إلى اندلاع الثورة الشعبية فى يناير 2011 وهى الثورة التى أطاحت بحكمه، وقدمته إلى المحاكمة متهما بارتكاب عدد من الجرائم، وقد أدانه القضاء المصرى فى واحدة من تلك القضايا وهى القضية المعروفة بالقصور الرئاسية والتى ثبت فيها أنه تحصل بدون وجه حق على جانب من الأموال التى كانت مخصصة لصيانة وترميم تلك القصور، وهكذا لم يكمل الرئيس السابق حسنى مبارك ولايته الخامسة وهو فى مقعد الرئاسة ولكنه أكملها وهو فى السجن.