بطرس دانيال يكتب: الأسرة حياة شركة.. بطلتها الأم

مقالات الرأي



نقرأ فى سفر الأمثال: "اِمرأةٌ فاضِلةٌ مَنْ يَجدُها لأنَّ ثَمَنهَا يفوقُ اللآلِئ" (أمثال 10:31). نحتفل فى شهر مارس بعدةٍ مناسبات مهمة تخص الأسرة سواء يوم المرأة العالمى أو المصرى أوعيد الأسرة، إذاً نستطيع أن نلقى الضوء على الدور المهم الذى تقوم به الأم فى محيط الأسرة وخارجها، كما أن دَور الرجل لا يقل أهمية، وواجب على الأبناء طاعة والديهم. نستهل هذا بصلاةٍ نابعة من القلب عن الحياة الزوجية كتبها الكاتب والناقد Niccola Tommaseo (1874-1802) وفيها يقول: "يارب امنحنا سعادةً نقية وآلاماً مُحتملة وحبّاً صبوراً ووفاقاُ سعيداً وقوياً فى عمل الخير. امنحنى طعاماً لزوجتى، وإذا كان لى نصيباً فى أن أُصبح أبّاً؛ أعطنى حياةً وفضيلة أستطيع بهما تربية أبنائى. لكن إن كانت أيامى معدودة فى هذه الحياة؛ ففى يديك أستودع هذه القطعة من جسدى. أطلبُ منك أيضاً أن تساعدنى فى تشجيع وتعضيد الأخوة بالمثل الصالح والكلمة الطيبة والقدوة الحسنة. باركنا يارب لأننا بك نبتهج خاشعين وفيك نستريح سواء كنّا حزانى أو فرحين". كم هى بسيطة هذه الصلاة وتعبّر عن نبض الأسرة وكيف تحيا الأمور اليومية المعتادة التى بها ينسج وجوده الأسرى بكل صفاءٍ وطمأنينة وحُب، كما أنه يطلب من الله أن ينفتح على الآخرين ويفكّر فى الأخوة ولا ينساهم حتى ولو كان مرتبطاً بحياته الأسرية، وبذلك يستطيع أن يَشِعْ على الغير بالسعادة والحُب اللذين وهبهما الله لهما، حتى إنه يضع حياته كلها فى يد الله بإتمام وصاياه ومشيئته مستودعاً نهايته بكل ثقةٍ وسلام فى الله مصدر وجوده. كما يجب علينا ألا ننسى دَور الأم والزوجة والمرأة التى وهبها الله قوّة لتحمّل الآلام والمشقات من أجل الحُب، لأنها هى تلك الإنسانة العجيبة التى لا مثيل لها، فقد خلقها الله من معدن الخير ورواها بالحُب والحنان والرحمة، فهى ذلك القلب الطيب الذى من أليافه الطاهرة، نسج ما فينا من لحمٍ وعظم. إنها رمز العطاء اللا محدود، فقد منحها الله عينين تُعبّر بهما عن حُبّها دون كلام، وبهما تقول لكل شخصٍ فى أسرتها: "أنا أحبك وأثق فيك وأصدّقك وأقدّر ظروفك، وأشعر بآلامك وأقْبَلَك مهما كانت عيوبك، وأفرح بنجاحك وأهتم بأمرك، وأرى الجمال الكامن فى داخلك. كما أن الله وهبها أذنين لتسمع صوت الآخرين، وتنصت لكلماتهم، وتصغى لأنّاة قلبهم، وتلتقط همساتهم؛ لقد وهبها الله فماً تدعو به بالخير، وتنطق بالحق ولا تسرع بالحكم عليهم. ووهبها الله ابتسامةً مهما كانت الظروف المحيطة بها، حتى أنها تجتاز آلامها لتصل بها إلى القلب، وتبعث فى قلوب الجميع بهجةً وسلاماً وطمأنينة ودفئًا. وبهاتين اليدين تفيض خيراً وحناناً وعطاءً وخدمة بدون ملل أو كلل. حتى أن قلبها يحنو على الجميع ويمدّهم بالحُب والغفران. لذلك نطلب من الله أن يعلّمنا أن نرى فى كل امرأةٍ ما وراء الجمال الطبيعى، أى روح التضحية والحنان والحُب، فالأم الحقيقية لا يقتصر حنانها على بيتها وأبنائها فقط، بل تعتنى بالجميع وتسهر على تربيتهم. كما يأتى دور الأبناء فى طاعة والديهم، وكما يقول سفر الأمثال: "اسمَعْ يا بُنَيّ، تأديب أبيكَ ولا تنبذ تَعْليمَ أُمِّكَ. فإنهما إكليلُ نِعمةٍ لِرأسِكَ وأطواقٌ لِعُنِقَكَ" (1: 8-9). كم من الأبناء دمّروا حياتهم بسبب عصيانهم لوالديهم؟ كم من الأبناء اعتبروا والديهم "موضة قديمة"؟ ونُلخِّص تصرّفهم بهذا التشبيه: عندما يكون الابن فى سن الخامسة من عمره يقول: "أبى أذكى شخص فى العالم"، وفى سن العاشرة يقول: "تقريباً والدى أذكى واحد فى العالم"، وفى سن الخامسة عشرة يقول: "أنا أذكى منه"، وعندما يصل إلى العشرين من عمره يقول: "مسكين والدى محروم من الذكاء"، وفى سن الثلاثين، يصرّح هكذا: "فى الأشياء المهمة، أطلب مشورة والدى"، وفى سن الأربعين يعترف قائلاً: "آه، لو كنتُ استشرت والدى!"، وفى سن الخمسين يقول متحسّراً: "يا ليت والدى على قيد الحياة!". إذاً نجاح الأسرة ينبع من دور كل واحدٍ فيها، ليست تضحية الوالدين فقط التى تُكَافَئ أحياناً كثيرة بجحود الأبناء. كم من الأمهات والآباء الذين بذلوا كل ما يملكون من طاقة حُب لرفع شأن أولادهم، ولكن للأسف بعض الأبناء يتصرفون بطريقةٍ تُحزن قلب والديهم؟ ونختم بكلمات الشاعر:

"ولم أرَ للخلائق من محلٍّ ... يهذّبها كحُضنِ الأمهات

فحُضن الأم مدرسةٌ تسامت ... بتربية البنين أو البناتِ".