طارق الشناوي يكتب: القصبجي فاشل أم (ثومة) رجعية؟!!

الفجر الفني

القصبحي وام كلثوم
القصبحي وام كلثوم


إما أننى فاشل أو هى رجعية؟ كانت تلك هى إجابة محمد القصبجى عندما سألوه لماذا لم يكمل مشواره مع أم كلثوم، التى كانت قد رفضت نحو 10 ألحان، فارتضى أن يظل قابعا خلفها ممسكا بالعود، يعزف لها ألحانًا لتلاميذه وتلاميذ تلاميذه.

لا أستسلم لما أقرأه عبر (النت)، حتى لو كان مأخوذا عن قصاصات الصحف، لأن عددا منها نشر بعد رحيل تلك الشخصيات، إلا أن الأمر لا يخلو قطعا من بعض المنطق، حتى لو لم يعلنه القصبجى بهذا الوضوح، فلقد كان بالفعل مجددا، يرنو لاصطياد 10 عصافير ع الشجر، ويترك العصفور القابع بين يديه، وهكذا مثلا لحن لأم كلثوم (عايدة) فى قالب (الأوبرا)، حقق الفيلم فشلا ذريعا، لأنه أراد اقتناص عشرين عصفورا من على الشجر!!.

ولد فى نفس العام، الذى شهد ميلاد عبقرى آخر فى الموسيقى، وهو سيد درويش 1892، عاش «القصبجى» حتى عام 1966، الأسبوع القادم نحتفل بـ127 عاماً على ميلاده.

الناس لا تتذكر القصبجى إلا وهو جالس خلف سيدة الغناء العربى فى الحفلات التى سجلها لها التليفزيون، بينما كان القصبجى قد توقف فعلياً عن التلحين لها فى الحفلات عام 1944 بعد رائعة «رق الحبيب».

نعم كان عاشقاً متيماً، أحب من طرف واحد، كما أشار إليه مسلسل «أم كلثوم» الذى صاغه محفوظ عبدالرحمن وأخرجته إنعام محمد على، وأبدع أحمد راتب فى تجسيد الشخصية التى حفرت فى أعماقنا ظلالا من الشجن، إلا أن هناك حادثة لم يتطرق لها المسلسل، تلك الواقعة الموثقة من خلال بلاغ جنائى، ذكرت تفاصيلها فى كتابى «أنا والعذاب وأم كلثوم»، عندما تقدم الموسيقار محمود الشريف إلى الشرطة وحرر محضراً ضد القصبجى، لأنه أشهر فى وجهه المسدس، والحكاية أن القصبجى نمى إلى علمه اقتراب زواج أم كلثوم من الشريف، الوسط الفنى فى أغلبه كان ثائراً، أحمد رامى وجد نفسه لا شعوريا يركب القطار وهو يرتدى روب النوم، الشيخ زكريا أحمد ذهب للفيلا التى تقيم فيها، وعندما علم أنهما فى الطابق العلوى تفوه ببعض كلمات تنال من أم كلثوم والشريف، بينما القصبجى صعد وقد قرر تنفيذ خطته، ولاحظت أم كلثوم أن يده ترتعش، قالت له ماذا تحمل يا قصب؟، (وهو اسم الدلع الذى تعودت أن تناديه به)، وفجأة سقط المسدس من يده وصار بعدها هذا الموسيقار الرقيق متهمًا بالقتل العمد، وتنازل الشريف عن المحضر فى النهاية إكرامًا لتاريخ القصبجى.

هل ماتت فجأة الموهبة، فلم تعد لمحات الإلهام تداعب خياله؟ كيف لمن قدم طقطوقة «إن كنت أسامح» عام 28 التى حققت أكبر أرقام التوزيع على الأسطوانات كيف لصاحب الألحان الرائعة «مدام تحب بتنكر ليه» و«نصرة قوية» و«يا صباح الخير ياللى معانا»، الذى علم السنباطى وعبدالوهاب وفريد الأطرش العزف على العود، كيف له أن يتوقف فجأة، لقد امتد عطاؤه لأصوات مثل ليلى مراد «اضحك كركر» و«قلبى دليلى» وأسمهان «الطيور» و«إمتى ح تعرف».

كيف هربت منه النغمات؟ قال لى الموسيقار الكبير كمال الطويل، الذى كان من أكثر المقدرين لموهبة هذا العملاق، إنه سأل القصبجى، فأجابه قائلا إنه كلما شرع فى التلحين لأم كلثوم، وجد أمامه غمامة سوداء تحول دون استكمال اللحن، هل أصابه الاكتئاب أم فقد الثقة فى قدرته على اقتناص النغمة الشاردة من أعلى الشجر؟!.