طارق الشناوي يكتب: حظ أم أشياء أخرى

الفجر الفني

طارق الشتاوي
طارق الشتاوي


فى برنامج (نجمك المفضل) الذى كان يعده فى الستينيات، الكاتب الصحفى الكبير مفيد فوزى، جاء السؤال الشائك لعبدالحليم، الذى ألقته ليلى رستم- وبراءة الأطفال فى عينيها: لماذا لم يحقق إسماعيل شبانة النجاح؟ أجابها: أنا صوتى زيه بالضبط ولكنه الحظ.

هل هو حقا الحظ، أم أنها الأشياء الأخرى، بالأمس قرأت تحقيقا لزميلنا علوى أبو العلا، تناول فيه المسكوت عنه فى قلب إسماعيل المجروح، وهو يتابع نجاح شقيقه الذى يصغره بعشر سنوات، وتلك الجماهيرية الطاغية التى حققها، بينما إسماعيل ظل صوتاً معترفاً به فقط فى الأوراق الرسمية.

إسماعيل هو الذى أنقذه من الموت وحمله على يده وهو رضيع (ابن أيام)، قبل أن يفتك به أهل قريته «الحلوات» بمحافظة الشرقية بعد أن اعتبروه شؤماً، ماتت أمه وهى تنجبه ومات والده بعدها بأيام، «إسماعيل» كان هو المعلم الأول لشقيقه «عبدالحليم شبانة» قبل أن يضحى بلقب «شبانة» ويصبح «حافظ» تيمناً باسم المذيع الذى اكتشفه «حافظ عبدالوهاب». «إسماعيل» أيضاً هو الذى أخذ بيد «عبدالحليم» وأقام عنده فى القاهرة بعد أن ترك الملجأ الذى عاش فيه قرابة 10 سنوات، صوت إسماعيل من ناحية البناء الفنى، يعتبر مقياساً للاكتمال حتى أن بعض كبار الموسيقيين أمثال سيد مكاوى وعبدالعظيم عبدالحق وعبدالعظيم محمد وأحمد صدقى ورياض السنباطى «كانوا يرون فيه الصوت الأحق بالنجاح، ويفضلونه كنسيج صوتى على شقيقه، لكن الناس اختارت عبدالحليم، عاش إسماعيل، وهو يرى شقيقه يصعد ويحمل لقب (معبود الجماهير)، بينما لقبه الوحيد أنه (شقيق عبدالحليم).

الذين عاصروا تلك السنوات أمثال الموسيقار صلاح عرام قائد الفرقة الذهبية قال لى إن «إسماعيل» بالفعل كانت لديه مرارة، ليست موجهة ضد شقيقه، ولكن بسبب الزمن الذى لم يمنحه النجاح الذى يستحقه.

لماذا حقق «عبدالحليم حافظ» كل هذا الحب؟ إنها (الكاريزما)، قال لى الموسيقار الكبير كمال الطويل إن «عبدالحليم» كانت كل النساء من مختلف الأعمار يحبونه، المراهقات والسيدات حتى النساء الكبار كن يعتبرنه ابناً لهن، وبرغم كل ذلك فإن «إسماعيل ظل مخلصاً لشقيقه الصغير، فهو أحد حراس جماهيريته، كان الطويل حباً فى «عبدالحليم» لا يقدم ألحاناً للرجال المنافسين، مهما ألحّوا عليه، ولهذا مثلاً فهو لم يلحن لكل من محرم فؤاد وماهر العطار وعبداللطيف التلبانى وكمال حسنى حتى «محمد رشدى» فلم يلتق به إلا بعد رحيل «عبدالحليم» بأكثر من خمسة أعوام، وهو ما تكرر أيضا مع هانى شاكر، الذى أطلقه محمد الموجى، أثناء خلافه الشهير مع عبدالحليم، لكى يؤكد له أنه قادر على أن يطلق من يهدد عرش العندليب، بينما الطويل رغم خلافه مع حليم لم يقدم لهانى ألحاناً.


أصوات قليلة لحّن لها من الجيل الأسبق لأنها لا تشكل أى خطورة على حليم، مثل عبدالغنى السيد وعبدالمطلب وعادل مأمون، صوت واحد أزعج عبدالحليم هو «محمد مرعى»، وهو مطرب لبنانى، كان «عبدالحليم» أثناء البروفات فى معهد الموسيقى العربية يعتب على صديقه لأنه منح «مرعى» أغنية تُشبه فى ملامحها لونه الغنائى «لأ يا حلو لأ/ لأ ما لكش حق»، واكتشف «الطويل» أن الذى لعب دور (العصفورة) هو إسماعيل.

مؤكد الحظ وحده لا يكفى ولكنها الأشياء الأخرى التى نصفها بـ(الكاريزما) وأحد معالمها الحضور الطاغى والذكاء العاطفى، وهى واحدة من الأسرار التى يهبها الله لعدد محدود من عباده، بينما الأغلبية لا يعرفون فى حياتهم وحتى بعد الرحيل سوى الخفوت!!

نقلًا عن "المصري اليوم"