طارق الشناوي يكتب: أحمد زكي.. ليس له فروع أخرى!

الفجر الفني

أحمد زكي
أحمد زكي


أفردت الجرائد والفضائيات مساحة من الاهتمام بذكرى أحمد زكى، أثبت غيابه أربعة عشر عاما أنه لايزال حاضرا وبقوة فى النسيج المصرى بل والعربى الفنى كله، تابعت عددا من النجوم الجدد يتلمسون خطواته ثم ينكرون، رغم أنهم فى واقع الأمر دائما ما يهربون منه إليه.


هناك عدد من المبدعين الاستثنائيين، وفى كل المجالات، يشكلون عامل جذب يدفع الآخرين لاستنساخهم، ومهما مرت السنوات تزداد الجاذبية، هؤلاء هم أصحاب الشخصيات المدارية، شيوخ الطريقة ومن يقترب يصبح واحدا من الدراويش، من المهم أن تراجع حياة من سبقك وتتأمل كل تفاصيله، ولكن عليك الاحتفاظ بمسافة، حتى لا يختلط عليك الأمر، وتفقد شخصيتك وبدون أن تقصد تُصبح صورة من أصل.

النجاح الطاغى يحيل الفنان، فى أى مجال، إلى أن يصبح هو أيقونة الفن، وليس نموذجا للفن، تكرر نفس السيناريو مع أم كلثوم وعبدالوهاب وعبدالحليم وفيروز فى الغناء، وهو ما تلمحه مع فاتن حمامة وسعاد حسنى وعادل إمام وأحمد زكى فى التمثيل، أو مع بليغ حمدى فى الموسيقى أو محمد حسنين هيكل وأنيس منصور ومحمود السعدنى فى الصحافة، ويوسف إدريس فى القصة القصيرة، ويوسف شاهين فى الإخراج، يعتقد الفنان أو الكاتب الجديد أن ما يسمعه أو يراه أو يقرأه هو فقط الإبداع وليس نوعا من الإبداع.

كثيرا ما كنت التقى فى نقابة الصحفيين أو فى مبنى الإذاعة والتليفزيون بفنان جديد أسمر اللون يستوقفنى قائلا إنه موهوب فى التمثيل وينتظر الفرصة، ويبدأ فى تقليد أحمد زكى وهو يرقب نظرات عينى هل أنا مبهور به وهو يقلد نجمنا الأسمر وهل وصل بالفعل إلى التلاقى مع أحمد زكى؟ كنت أكتفى بابتسامة وانطلق بعيدا حتى لا ندخل فى جدال عقيم، ينتهى عادة إلى اتهامى بأننى لا أساعد أصحاب المواهب الجديدة، من البدهى أن يبدأ الفنان مقلدا حتى يعثر على ملامحه المميزة وبصمته الخاصة، كان رياض السنباطى فى بداية مشواره مقلدا لمحمد القصبجى أستاذه الذى علمه العزف على العود، لكنه تحرر بسرعة لتصبح له شخصيته، وكان سيد مكاوى يحاكى أستاذه الشيخ زكريا أحمد حتى عثر على نغمته الخاصة، وكان فريد شوقى يريد أن يصبح أنور وجدى، وكان أنور وجدى لا يرى فى الدنيا سوى يوسف وهبى، والذى حدث مع الزمن أن كل منهما اكتشف نفسه، أنور صار أنور، وفريد فريد!

فى حياته وبعد رحيله أتحدث عن أحمد زكى، وجدت أكثر من فنان بترسم ملامحه، شعوريا أو لا شعوريا، أذكاهم هو محمد رمضان، كان رمضان قد عرفته الناس من خلال أدائه لدور أحمد زكى قبل أكثر من عشر سنوات، فى مسلسل (السندريلا) فكان التوافق حتميا، لكنه نجح فى العبور من هذا القيد. ويبقى الأهم وهو المنهج الذى تركه أحمد من المعايشة الكاملة مع الشخصية، هيثم أحمد زكى ورث جينات أحمد زكى لكنه منذ الوهلة والطلة الأولى عرف أنه ليس امتدادا للأب وأن الدور الذى لعبه فى بداية المشوار فى فيلم (حليم) كان حتميا أن يصبح مزيجا من حليم وأحمد، فهو يطل على شخصية عبدالحليم بعيون أحمد، لكنه بعد ذلك ربما بدون توجيه من أحد ابتعد تماما، بل إن مأزقه حاليا هو أنهم يريدونه أحمد زكى.

أحمد زكى جمع بين الحسنيين: الممثل العبقرى والنجم الجماهيرى، وهو مع الأسف ليس له فروع أخرى!