عمرها 100 عام.. حكاية أقدم ورشة لصناعة "العود" بالإسكندرية: "لم تستطع الصين تصنيعه" (فيديو وصور)

محافظات

بوابة الفجر


"مسك العود فن، وليس كل من مسك عودا فنانا"، مقولة خرجت من أفواه أجدادنا قديما، لتعبّر عن مكانة هذه الآلة الموسيقية في قلوب أشخاص كانوا يقدّرون قيمة الفن، فكانت آلة العود الملجأ لكل مهموم، والنبوغ لكل موهوب، أخرجت لنا فنانين عظاما أمثال: "سيد درويش، كارم محمود، سيد مكاوي، محمد عبد الوهاب"، وغيرهم من فنانين تركوا لنا بصمة كبيرة نتحاكى بها ليومنا هذا.

ولكن مع التحول التكنولوجي حديثا وانتشار الجيتار الصيني والأنواع الموسيقية الأخرى، وإنتشار ما يسمى بـ"المهرجانات"، ينتهي ما تبقى من هذه المهنة، لتدفع صناعة العود الثمن غاليا، ليتخلى عنها أغلب الموسيقيين، لتبدأ الصناعة في الإندثار، فبعد أن كانت شوارع مصر مليئة بورش تصنيع العود والآلات الموسيقية، أصبح الآن العثور على ورشة بمثابة العثور على "إربة في قشاية"، لتتراجع مكانة العود الفنية التي كانت في وقت ما محل تنافس بين ورش التصنيع.

ولكن في الإسكندرية، وتحديدا في منطقة العطارين أحد أقدم مناطق الثغر، إستطاع الحاج "علاء حجازي"، التمسك بمبادئ صناعة هذه المهنة التي إكتسابها من جده ووالده، بورشته الصغيرة التي يعود تاريخها إلى عام 1910، فكان الجد موهوبا في صناعة العود وإكتسب صيتا واسعا بين فناني مصر، ولم تخلوا ورشته من العازفيين، ليحافظ إبنه بعده على ما بناه، وتتحول الورشة إلى أهم ورش تصنيع الآلات الموسيقية في الإسكندرية وتصبح الآن أقدم ورش الإسكندرية، ولكن ماذا بعد كل هذا؟.. هذا ما خصنا به الحاج حجازي في حديثة لـ"بوابة الفجر".

يقول علاء حجازي صاحب الـ 64 عامًا، أن ورشته يعود تاريخها إلى جده الذي قام بإنشائها عام 1910 بمنطقة العطارين، قبل أن يترك ورشته الأخرى الذي استمر فيها 3 سنوات قبل الإنتقال لورشة العطارين، وقد حرص جده على تعليم والده المهنة الذي قام هو الآخر بتعليمها له منذ صغره، ورغم إكمال تعليمه وتخرجه من كلية الزراعة، كانت وجهة "حجازي" الحفاظ على المكان واستكمال ما بدأه جده.

"كل عصر حسب متطلباته، والعازف بيبقى عايز حاجه معينة"، هكذا عبّر 'حجازي' مؤكدا أنه لا يوجد شيئ يسمّى موديلات في العود ولكنّ الإعتماد الكلي على الجوهر، مشيرا إلى الفترة قبل عام 1967 والتي شهدت إقبالا كبيرا على شراء العود، لتبدأ فترة جديدة بعد هذا العام مع ظهور الجيتار والإتجاه إلى فكر المعسكر السوفياتي، مع انتشار الجالية الألبانية والإيطالية وغيرهم داخل مصر وخاصة الإسكندرية.

وتطرق حجازي إلى الحديث عن الجيتار، مؤكدا أنه أصبح آلة عالمية ومنذ 40 عاما يتم إستيراده من الصين، أما العود فهو تخصص دول الفن الشرقي مثل مصر وسوريا ولبنان والعراق وتركيا، فالصين لا تستطيع تصنيع العود نظرا أنه يحتاج إلى مجهود كبير وصبر وعمل يدوي، بخلاف الجيتار والكمنجة اللذين يتطلبان فيهم العمل التكنولوجي أكثر من العمل اليدوي، قائلا: "صعب الوصول لآلة شرقي بصوت شرقي صناعة صيني، دي زي الطبخة مبيعملهاش غيرنا".

عاد صاحب أقدم ورش صناعة العود بالإسكندرية للتحدث عن ذكرياته مع المهنة، قائلا: "كان عندي استعداد وحب وده اللي سهل عليا تعلم المهنة من والدي، فكانت المهنة بالنسبالي مسؤولية أبا عن جد، فلازم اخطى خطواهم للحفاظ على المكان في السوق"، متابعا أن المهنة لم تنقرض ولكن حدث بها طفرة "غريبة" بسبب كثرة الصناع والذي أدى إلى التخصّص في صناعتها، بدلا من أن تقوم الورشة بتصنيع العود بالكامل أصبحت تلجأ إلى تجميعه، وهذا ما يحدث في ورش القاهرة، في الوقت الذي استمرت فيه الإسكندرية للحفاظ على تقاليد صناعة العود الذي بدأت عليه.

وعن إنتشار "المهرجانات" ومدى تأثر مهنته نتيجة لذلك، أكد أنه لم يحدث أي تأثير، حيث أنه يستهدق أصحاب الفن العازفيين للطرب، قائلا: " المهرجانات مصيرها الزوال، والناس بتهتم اكتر بالفن الطربي". كاشفا عن أهم أدوات تصنيع العود، وهي الأخشاب التي يتم إستيرادها من خارج مصر وتحديدا من الغابات المُطلّة على البحر الأبيض المتوسط، مؤكدا أن هناك ارتفاع كبير في إستيرادها نتيجة إرتفاع سعر الدولار، حيث وصل سعر أقل آلة عود في ورشته إلى 300 جنيه.

وكشف حجازي عن الفنانين الكبار الذين إستخدموا آلته الموسيقية منذ نشأة ورشته، وهم عبد الغني سيد، وكارم محمود، وسيد مكاوي وعلي الحجار، بالإضافة الى الأشخاص القريبين من الفنانين والذين كانوا يقومون بشرائها لإهدائها إليهم.

وتحدث صاحب الورشة، عن الفنان الراحل سيد مكاوي، موضحا أن أصدقائه كانوا يقومون بشراء عود له من داخل الورشة وإهدائه له، حيث كان يحرص مكاوي على وضع الأعواد المهداه داخل غرفة في منزله، ليستطيع إجماع أكثر من 70 عودا بداخل الغرفة.

واختتم حجازي حديثه لـ"الفجر" مؤكدا أن هناك أشخاص يهتمون بالأعواد لأنها قيّمة، ولكن ليس كل عود قديم جيد، فالأهم هي الخامة والتصنيع الجيد، والأوتار القوية والتي يتم إستيرادها "بعد أن اندثرت هي الأخرى صناعتها في مصر بعد أن كنا نصنعها من أمعاء الماعز".