بعد حادث نيوزيلندا.. ما وراء انتشار التطرف في الغرب؟

تقارير وحوارات

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية


كشف حادث الهجوم على مسجدين في نيوزلندا، حجم الإرهاب والتطرف التي طال الغرب، والذي يعود إلى أسباب عدة على رأسها انتشار اليمين المتطرف، وظاهرة "الإسلاموفوبيا"، التي أصبحت أشد سوءاً في أوروبا، حيث سُجل في بريطانيا وحدها خلال 6 أشهر، من يناير حتى يونيو من العام الماضي، 608 حوادث مرتبطة بالظاهرة الأخيرة.

هذه الحادثة الأليمة أعادت ظاهرة الإسلاموفوبيا، منذرة بمزيد من انتشارها-بحسب بعض المراقبون-، خاصة أن التيار اليميني المتطرف يعتقد أن المسلمين يقوضون ثقافتهم وهويتهم، وعليهم مواجهتهم قبل أن يتزايد خطرهم، ويتبنون مزيجًا من الأفكار الدينية المتطرفة والعنصرية والقومية المتشددة.

ويتواصل المتطرفون في الغرب عبر الإنترنت من خلال منتديات خاصة، للتشاور في كيفية محاربة المسلمين وبث الخوف في صفوفهم، حتى يتركوا الأراضي الغربية، ذلك أنهم يخافون من الانتشار الكبير للمسلمين هناك.

ظاهرة الإسلاموفوبيا
ولم يسبق أن كانت نيوزيلندا في دائرة الضوء فيما يتعلق بعداء الأجانب والمسلمين، فهي دولة معروفة بمستوى كبير من التعايش وبعيدة عن لائحة المناطق التي بات فيها موضوع الإسلاموفوبيا وعداء الأجانب يشكل تحديًا حقيقيًا، إلا أن الإرهابي اختارها لتنفيذ عمليته، وهو ما يؤكد أن خطر العداء للمسلمين يشهد انتشارًا كبيرًا، حيث أصبح جميع المسلمين في أغلب الدول الغربية حتى تلك التي تقبل التنوع وتتبناه، في خطر كبير.

ويعرف المسلمون الذين يشكلون الآن نحو 1% من السكان في نيوزيلندا بتعايشهم بسلام مع أتباع الديانات الأخرى، إلا أن ذلك لم يشفع لهم أمام هذا الإرهابي الأسترالي الذي يتشارك أفكاره اليمينية المتطرفة مع المئات من المتطرفين أمثله الذين يرون في المسلمين أعداءً لهم، وجب القضاء عليهم.

وما يسجل في هذه الحادثة أن منفذ العملية أسترالي وليس نيوزيلندي، ولا تعد الإسلاموفوبيا ظاهرة جديدة ولا نادرة في أستراليا، فهناك خطاب إعلامي معاد للمسلمين في وسائل الإعلام من خلال الصور النمطية السلبية للمسلمين، واستفاد العديد من السياسيين اليمينيين من هذه الصور النمطية السلبية، وأسهم ذلك في المزيد من تهميش وتمييز واستبعاد المجتمع المسلم.

انتشار اليمين المتطرف
في سياق متصل، ساهم خطاب اليمين المتطرف في تنامي الأعمال العدائية، وهناك بعض العوامل أيضًا التي ساهمت في انتشار قوى اليمين المتطرف في أوروبا، منها؛ قضية المهاجرين واللاجئين الذين يتدفقون إلى أوروبا سواء بشكل شرعي أو غير شرعي، حيث تزايدت أعدادهم بشكل كبير جدًا خلال السنوات الماضية بسبب الظروف المحيطة بأوروبا، وفي مقدمتها أحداث الربيع العربي.

 ويشكل هذا العدد الكبير من المهاجرين ضغطًا كبيرًا على المجتمع الأوروبي سواء من الناحية الاقتصادية أو الثقافية أو الاجتماعية، حيث استغلت قضية اللاجئين وحولتها إلى فزَّاعة للترويج لأفكارها وإثارة مشاعر معاداة اللاجئين لدى الرأي العام الأوروبي.

وسائل الإعلام الغربية
من جانبه، أصدر مرصد الأزهر لمكافحة التطرف تقريرًا عن الهجوم الإرهابي الذي وقع في مسجدين بنيوزيلندا، محذرًا من النظرة الازدواجية والكيل بمكيالين في التعامل مع مثل هذه الأعمال الإرهابية، حيث تكال الاتهامات للإسلام والمسلمين بمجرد أن يكون هناك شك أو احتمال بأنَّ منفذ الهجوم مسلم قد خرج عن تعاليم هذا الدين السمح، فى حين نجد صمتًا غير مبرر عندما يتبين للجميع أن منفذ الهجوم ينتمى إلى دين آخر غير الإسلام، أو نرى الحادث الإرهابى يوصف بـ"إطلاق نار" وليس الإرهابى.

وحمّل المرصد، وسائل الإعلام الغربية مسئولية كبيرة عن مثل هذا الحدث الإرهابى، نظرًا لما تبثه العديد من تلك الوسائل من خطاب كراهية نحو المسلمين، فمثل هذه المعالجات الخاطئة تمهد لوقوع جرائم إرهابية مثل حدث نيوزيلندا، حيث أن أثر تلك المعالجات يبقى له أثر فى نفوس المتربصين بالإسلام والمتطرفين، ويدعم انتشار ظاهرة "الإسلاموفوبيا" المقيتة.

وشدد مرصد الأزهر، أن الإسلام حرَّم الاعتداء على النفس البشرية بغض النظر عن دينها أو فكرها أو لغتها. ويدعو المرصد كل الجهات المعنيّة بحقوق الإنسان وغيرها من المنظمات الحقوقية، ألا يمرَّ عليهم هذا الحادث مرور الكرام، بل لابد من الأخذ على يد القاتل المعتدي؛ ليكون عبرة لغيره ممن تسول لهم أنفسهم العبث بأرواح الآمنين ومقدّساتهم.

وتابع المرصد بيان البرلمانى النيوزيلندى السيناتور "فريزر آنينغ" يصف فيها المسلمين بـ"الجناة" وليس"الضحايا"، ورغم إدانته لكل "أشكال العنف" إلا أن السيناتور أعرب عن تخوفه من الوجود الإسلامى فى أستراليا ونيوزيلندا، وبرر الجريمة الشنعاء بأنَّ "أولئك الذين يتبعون نهج العنف يجدر بهم ألا يندهشوا حين يكون الجزاء من جنس العمل"، مما يعبر عن خلط واضح عنده بين المسلمين المعتدلين وبين ما تقوم به التنظيمات المتطرفة مثل "داعش" وأخواتها.

خطاب الكراهية
وشدد مرصد الأزهر لمكافحة التطرف فى تقريره على ضرورة النظر بعين الاعتبار إلى جرائم الكراهية ضد المسلمين، وأن تحذو كافة الدول حذو مثيلاتها فى تغليظ العقوبة وتكثيف برامج التأهيل للمتطرفين على اختلاف توجهاتهم، والمتشددين واليمينيين المتطرفين.

وأشار إلى أن هذا الهجوم، دليل على وجوب التفرقة بين الأديان وسماحتها وما تدعو إليه وبين بعض المنتسبين إليها، حيث أن الإسلام تعرض لظلم كبير طيلة السنوات الماضية بسبب أن بعض المنتمين إليه خالفوا تعاليمه، واليوم نرى شخص مسيحي يخالف تعاليم سيدنا عيسى عليه السلام ويقتل الأبرياء بدون ذنب، لكننا لا يمكن أن نصف الدين أبدا بالإرهاب لأن الأديان كلها بريئة من الإرهاب ومن أفعال الذى خرجوا على تعاليمها.

وشدد المرصد على أنّه قد آن الأوان لدول العالم أجمع أن تضع حدودًا رادعة لأي خطاب كراهية يحض على أى عنف أو مساس بالآخر. كما يحذر المرصد من استغلال الجماعات الإرهابية لمثل هذه الأحداث الإرهابية لبدء مرحلة جديدة من العنف لتبرر بها ما تقوم به من وحشية، بعد ما انفضح تبريرها من خلال استخدامها الخاطئ للنصوص الدينية واجتزائها من سياقاتها.