تحدتّ قوى الظلام.. حكاية أول سيدة عراقية تدخل "الأنبار" بعد تحريرها من الدواعش

تقارير وحوارات

بوابة الفجر


الصواريخ تقصف بشكل مكثف، تتعَجّل رجاء عبدالله، في إعداد الحقائب، بعد أن تمددت المعارك وسيطر تنظيم الدولة الإسلامية في العراق الذي يُعرف بـ"داعش"، على محافظة الأنبار، هاربةً من أهوال الحرب، بعدما شردت عائلتها، وحرقت ديارهم، وذبح زوج خالتها ونجلهما الأكبر، ورؤية قتلهم عبر مقطع فيديو مرسل لهما على قرص "سي دي"، الأمر الذي جعلها تترك مدينتها قاصدة العاصمة بغداد؛ رافضة البقاء في بيتها تجتر الهموم حتى تهلك أسرتها.

الحياة القاسية التي عاشتها صاحبة الثمانية وأربعين عاما- والتي تعمل مدرسة لغة إنجليزية-، في محافظتها الأكبر مساحة في العراق، وذات الغالبية السنية، جعلتها تهب حياتها لخدمة النازحين من جحيم "داعش" إلى بغداد، فشرعت في استقبال الأسر النازحة، برفقة أبنائها وأصدقائها عام أواخر عام 2012، بصفة غير رسمية، حتى بدأ النزوح يكبر، وباتت أزمة لدى الحكومة التي منعتهم من دخول المخيمات التابعة لها، وذلك خوفا من خروج أي روايات حقيقة عن تنظيم داعش، بهدف عدم عرقلة عمل الحكومة داخل المخيمات، لذا انضمت لمنظمة مدنية مستقلة غير مرتبطة بأي فصيل سياسي، واستهلت نشاطها من جديد بشكل رسمي تحت ظلال منظمة "عراق الرافدين"، في عام 2013.

وبصفتها مسؤولة الإغاثة بالمنظمة، سنَحت لها الفرصة، لتتحرك في جميع المحافظات التي تأتي منها النازحين- بدايتها الأنبار والتي سيطرت عليها أصحاب الرايات السوداء بنسبة 90 في المائة قبل أواخر يونيو عام 2014، بما في ذلك مدينتي الفلوجة، ونصف الرمادي، وغيرها-، وبدأت توصل إلى مخيمات بالجهة الشرقية للأنبار بعيدًا عن أعين تنظيم داعش، القابع في الجهة الغربية، حيث يفصلهما نهر دجلة والفرات، إلا أنها لم تفلتَ هي وزملائها من بين يديه، وأطلق بعض القذائف الصاروخية صوبهم بصورة كثيفة- لكنهم لا يعيروها أي اهتمام-، بعدما رصدهم أحد العناصر من أعلى منارة مسجد "كنا نجازف لتوصيل المواد الغذائيه والماء إلى المخيمات لأن ماكو أي غذاء ولا مؤونة". 




في أعقاب سقوط الموصل عام 2014-ثاني أكبر مدن البلاد ويبلغ عدد سكانها مليوني نسمة-، في قبضة "داعش" اضطرت المنُظمة تقسيم مهامها بين محافظتي الأنبار والموصل، إلا أن تحركاتهم كانت صعبة، لأن عناصر التنظيم كانوا يتصورون أنهم يتبعون لقوات الجيش العراقي، لسيرهم برفقتهم طيلة الوقت "الجيش كان يحمينا"، حتى انتمت مسؤولة الإغاثة إلى "منظمة السلام والصداقه الدوليه  الدنماركية"؛ لتسهيل حركتها بعد أن تعرضت لكثير من المضايقات. وعقب استعادة مدينة الموصل وإعلان الحكومة العراقية تحرير كامل أراضيه في ديسمبر 2017 بعد أكثر من ثلاث سنوات من الحرب ضد التنظيم الإرهابي، راح ضحيتها الآلاف من العراقيين، بدأت السيدة فاطمة رحلة جديدة، اكتشفت خلالها أن عملية "التطهير"، ليست الخاتمة السعيدة "التقيت بشباب ونساء الموصل وأطفالها وصُعقت حينها من غسل أدمغتهم من قبل الدواعش بأفكار مخيفة"، مدللة على ذلك بأنها حينما كانت توزع في إحدى المخيمات قام طفل يبلغ من العمر عشر سنوات بضربها بحجارة على ظهرها، وعند سؤاله لماذا تصرفت هكذا، قال إنها ترتدي بنطال وهذا حرام شرعًا. 




صور سوداوية ممزوجة بالألم، ترسخت في ذهنها، جعلتها تجهش بالبكاء "أيام لا تنسى"، تقولها فاطمة وهي تتذكر كيف بدأت باستدراج الطفل بالهدايا والكلمات الطيبة المرتبطة بالدين الإسلامي، لكي يفهم أن كل ما تعلمه من والده وشقيقه المنتميان لتنظيم داعش والذين قتلوا في أحد المعارك، كلام غير صحيح، وبالرغم من مأساوية الموقف إلا أنه لم يكن الوحيد، فتعرضت للاختطاف هي ونجلها والسائق الذي كان معهم، عندما كانت تقوم بتوزيع مواد غذائية في مدينة هيت التابعة لمحافظة الأنبار، المحررة من داعش، لكن باغتتها خلايا ما زالت موجودة في هذا المنطقه، وكان من ضمنهم أحد جيران أهلها في الأنبار، وتعرف عليها ولكنها لم تعرفه لأنه كان ملثمًا، واستطاع تهريبهم.

شعور فاطمة، بوَيلات الحرب، وتابعياتها، من خلال عملها بالمنظمات الحقوقية المدنية، جعلها تدرك أن الأسر النازحة لا يستطيعون الإفلات من جحيم الظروف الاجتماعية التي يواجهونها، بالإضافة إلى محاولة إصلاح ما فعله داعش بعقول المواطنين، فقامت بإعداد عدة ورش ودورات توعية، تهتم بالتعايش السلمي والمصالحة الذاتية، وزيارة المخيمات في شتى محافظات العراق؛ لتقديم الدعم النفسي اللوجستي لهم، ورغم المعانة في التعامل معهم كونهم كانوا يعتبرون أن عملهم ومساعدتهم لهم هو إهانة، إلا أنهم تمكنوا من خلال إقامة دورات تعليمية أن يكسبوا ثقتهم "فتحنا مشاغل للخياطة للنساء الأرامل والأيتام.. وأول ماكينة خياطة خرجت من بيتي.. وفتحت دورة تعليم الخياطة في المخيمات للنساء.. وبمساعدة الخيارين استطعنا فتح مشغل من ٢٥ ماكينة في الجانب الأيسر من الموصل تعمل فيه ٢٣ امراة، وأيضا كنت أول سيدة عراقية تدخل إلى مدينة الانبار..بعد تحريرها من الدواعش".




لم يكن ذلك كل ما في الأمر، بل كانت تقود فاطمة، حملة مساعدات هيئة جمعية الهلال الأحمر الإماراتي، من قبل الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، ودخلت بها إلى مدينه الأنبار؛ لمساعدة عوائل "الدواعش" الذين طردوا من قبل الأهالي، لأن أولادهم وأزواجهم كانوا يعملون مع التنظيم المسلح "استطعت دخول هذا المكان لتقديم المساعدات وهذا اليوم لن أنساه.. بعد تعرضي حيث للضرب وتمزيق ثيابي من إحدى النساء الكبيرات في السن.. لأني وبصورة عفوية قلت لها سوف أعطيك حصة غذائية لكن أرجو منك الوقوف بالدور.. قامت بسحبي من قميصي وضربي.. واستطاعوا الشباب وأفراد الجيش الذين معي أن يخلصوني من يديها"، وبعد مرور الوقت أسست مؤسسة الشموخ للتنمية البشرية، بهدف بناء إنسان عراقي جديد، يسعى إلى التطور وتغيير ونسيان ما مر به من ظروف سيىة.