ستر النساء وتهور سائق.. مشاهد تروي كواليس حريق قطار محطة مصر

تقارير وحوارات

بوابة الفجر


الساعة تشير إلى الثامنة صباحا، المسافرون على الأرصفة، كلٌ ينتظر أن يحين موعد وصول قطاره حيث وجهة رحلته، في تلك اللحظة كان رصيف 6 يكتظ بالمسافرين في انتظار القطار المتجه إلى الإسكندرية كالمعتاد، الجميع يتحدث والضحكات اختلطت بأصوات الصغار والكبار، المسافرون يتفقدون ما تبيعه الأكشاك بين الحلوى والاكسسوارات والمجلات، حتى حانت لحظة خاطفة لم تتعد الثوان، فدفعة قوية من الهواء هبت مع حركة القطار المسرعة بجنون نحو الموقف الخاص بها، ليعلو صوت المحركات الذي كاد يصم الآذان فوق الضجة المعتادة بمحطة مصر الكائنة برمسيس.

 

"القطر شكله هيولع ولا إيه".. عبارة علق بها أحد العاملين على سرعة القطار ممازحًا زميله البائع بكشك الجرائد، ولكن لم يكن يتوقع أن تحقق في بضع لحظات حينما اصطدمت عربة الجرار المسرعة  بمبنى الطوارئ لينشب حريق مفاجئ طالت ألسنة نيرانه القادم والذاهب على الرصيف المجاور للقطار.

 

في تلك الأثناء كانت مجموعة من السيدات تتجولن بين الأكشاك لتفقد بضاعتها، كل واحدة منهن تبحث عن العقد الذي يليق بها غير مدركات أن ثانية واحدة تفصل بينهن وبين الموت، فما وجدن أنفسهن سوى وسط النيران تلتهم أجسادهن بعدما أحرقت الملابس وسط صرخات مدوية تستغيث: "النار مسكت فيهم من شعرهم لحد جسمهم بسرعة كبيرة والهدوم اتشالت من عليهم"، فما كان من عمال المحطة إلا أن حاولوا سترهن بالملابس والبطاطين التي يملكونها.

 

 



يروي أحد شهود العيان، أن النيران ظلت مشتعلة لفترة كبيرة من الوقت لا يستطيع تقديرها، وسط محاولات من رجال الإطفاء بإخمادها: "بس كانت بتطفي وتولع تاني وخدت وقت كبير على ما انطفت خالص".

 

لم تكن هؤلاء السيدات وحدهن ضحايا هذا الحادث المفجع، فطفل صغير كان يلهو بجوار الرصيف سقط ضحية للحريق فتآكل جسده الهزيل وسط النيران ليلفظ أنفاسه الأخيره، وبالرغم من أن القطار الجرار كان فارغًا إلا أن العشرات من الأشلاء تناثرت على أرصفة المحطة كقطع الفحم المغلفة بالدماء من شدة الحريق.

 

أما على الجانب الآخر من الرصيف، فكان بائع كشك الحلوى يقدم علبة من العصير لأحد المسافرين في نفس اللحظة، فوجد نفسه طريح الأرض تنهش الجروح جسده بينما يتألم مذهولًا مما جرى لا يستوعب مبرر انهيار مصدر رزقه في الوقت الذي تنزف الدماء منه دون سابق إنذار.

 





لأكثر من ساعة كان الجميع في حالة ذهول، بين جثث متفحمة تجاوزت العشر لم يستطع ذويهم التعرف على هويتهم، وبين جرحى ومصابين استسلموا على الأرصفة للألم محاولين فهم سبب ما أصابهم بالعجز.

 

"حد لقاه يا جماعة؟!"، يتساءل أحد شهود العيان عن سبب اختفاء السائق بتردد، فوقف يتأمل  القطار المحترق يقلب بين كفيه، فبالرغم من تفحم المقطورة الأمامية التي يقودها السائق، إلا أنه اختفى وسط روايات متعددة لتبرير عدم تواجده، فتكهن المسافر الذي شهد الواقعة أن يكون قفز من القطار بعدما فقد السيطرة عليه، بينما يؤكد شاهد آخر أنه تفحم تحت الأنقاض.

 

ولكن اختلاف الجميع حول سبب اختفاء سائق الجرار كان بعكس اتفاقهم جميعا على أن سبب الحادث ليس متعلقا بالصيانة بقدر تهور السائق: "كان المفروض يهدي قبل ما يقف عند المصدات"، فبهذه العبارة استهل أحد العاملين بالمحطة حديثه، في محاولة منه لتوضيح أن سرعة القطار تسببت في تجاوزه المصدتين والاصطدام بالمبنى الذي يشتمل على سلم الطوارئ لتؤدي شدة الاحتكاك بين المحركات الحديدية إلى حدوث كارثة الحريق.