تفسير الشعراوي للآية 166 من سورة الأعراف

إسلاميات

الشيخ محمد متولي
الشيخ محمد متولي الشعراوي


تفسير الشعراوي للآية 166 من سورة الأعراف

{فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ(166)}

وأخذهم بعذاب يدل على أنه لم يزهق حياتهم ويميتهم؛ لأن العذاب هو إيلام من يتألم، والموت ليس عذاباً لأنه ينهي الإِحساس بالألم، ولنتعرف على الفارق بين الموت والعذاب حين نقرأ قصة الهدهد مع سيدنا سليمان، يقول سيدنا سليمان حين تنبه لغياب الهدهد عندما وجد مكانه خاليا: {مَالِيَ لاَ أَرَى الهدهد أَمْ كَانَ مِنَ الغآئبين لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لأَاْذْبَحَنَّهُ...} [النمل: 20-21].

هكذا نرى الفارق بين العذاب وبين الموت. وهنا يقول الحق: {فَلَماَّ عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ} و(عتوا) تعني أبْوا وعصوْا واستكبروا فحق عليهم عذاب الله الذي أوضحه قول الحق: {كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ}.

لأن(العتو) كبرياء وإباء؛ فيعاقبهم الله بأن جعلهم كأخس الحيوانات فصيرهم أشباه القرود، كل منهم مفضوح السوءة، يسخر الناس منهم ويستهزئون بهم. فهل انقلبوا قردة؟. نعم؛ لأنك حين تأمر إنساناً بفعل.. أَلاَ تُقَدِّر قبل الأمر له بالفعل أنه صالح أن يفعل وألا يفعل؟. وحين يقول الله: {كُونُواْ قِرَدَةً} فهل في مكنتهم أن يصنعوا من أنفسهم قردة؟. ونقول: إن هذا اسمه (أمر تسخيري) أي اصبحوا وصُيرِّوا قردة. وقد رأوهم على هذه الهيئة من وعظوهم، وهي هنا مقولة (خبر) نصدقه بتوثيق من قاله، وكان هذا الخبر واقعاً لمن شاهده.

ولذلك نجد المعجزات التي حدثت لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم غير القرآن الذي وصلنا ككتاب منهج ومعجزة وسيظل كذلك إلى قيام الساعة، لكن ألم ينبع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم؟ لقد حدث ذلك وغيره من المعجزات وشاهده أصحابه صلى الله عليه وسلم، وأخبرونا بالخبر، وكان ذلك آية تُثبِّت يقينهم وإيمانهم، وتثبت لنا خبرًا، فإن اتسع لها ذهنك فأهلاً وسهلاً، وإن لم يتسع لها فلا توقف إيمانك؛ لأنها آية لم تأت من أجلك أنت، وكل معجزة كونية حدثت لرسول الله فالمراد بها من شاهدها، ووصلتك أنت كخبر، إن وثقت بالخبر صدقته، وإن لم تثق به ووقفت عنده فلن ينقص إيمانك. غير أنه يجب على من وصل إليه الخبر بطريق مقطوع به، أن يصدق ويذعن.

وقد أخبر الحق هنا بالأمر بقوله: {كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ} بأنه أوقع عليهم عذاباً بأن جعلهم قردة خاسئين، فهذا عقاب للذين عتوا عمَّا نهوا عنه. والذين وعظوهم أو عاصروهم هم من شاهدوا وقوع العذاب.

وهل الممسوخ يظل ممسوخاً؟. إن الممسوخ قرداً أو خنزيراً، يظل فترة كذلك ليراه من رآه ظالماً، ثم بعد ذلك يموت وينتهي.

ويقول الحق بعد ذلك: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ...}.