عادل حمودة يكتب: مرة أخرى مستقبل الخارجية فى خطر.. لماذا يستقيل الدبلوماسيون ليعملوا فى شركات الاتصالات والمقاولات؟

مقالات الرأي



ضعف مستوى خريجى الجامعات فرض قبول دفعات جديدة من الملحقين لا تتوافر فيهم الشروط المثالية

أخطاء السفراء فى لجان الامتحانات فتحت ثغرات أمام القضاء للطعن فى قرارات تعيين الدبلوماسيين الجدد

قبول ملحقين لا يحفظون الأسرار وولاؤهم ضعيف أمر لا يمكن قبوله حتى لا ينحرفوا أو يسقطوا فى هاوية الإغراء

الجهة الإدارية ارتكبت مخالفات جسيمة فى تعيين 42 ملحقًا بقرار الوزير الأسبق محمد كامل عمرو

وظيفة الدبلوماسى لم تعد بنفس الجاذبية.. فالراتب محدود والمتطلبات مكلفة


يدخل الكاتب دائرة الحزن عندما تتصادم أمانيه مع الواقع وتتساقط أحلامه أمامه ميتة.

ولكن الحزن أول الطريق إلى الحقيقة وبداية تصحيح مسار السفينة التى تخرج عن مجراها قبل أن ترتطم بصخور تحطمها.

هكذا كانت مشاعرى وأنا أرصد فيروس الخطر قبل أن يتمكن من جسد الدبلوماسية المصرية مهددا كيانها المتين بالضعف والشحوب.

فيما قبل كتبت عن أخطاء جسيمة فى امتحانات الملحقين الجدد بما يهدد شرعية قبولهم فى وزارة الخارجية واستندت على حيثيات أحكام قضائية بجانب التقارير التى وضعها الممتحنون وهم من خيرة السفراء وأثبتت بخط أيديهم تلك الأخطاء التى وقعوا فيها.

لم يختلف أحد معى على أن وظيفة الملحق التى يبدأ منها السلك الدبلوماسى هى الأساس الذى يجب أن يكون صلبا متماسكا وإلا اهتز البنيان وتصدع مهددا مستقبل وزارة شديدة الأهمية مثل الخارجية بما لا نقبل وبما لا نطيق وبما لا نحتمل.

لا نعرف بدقة متى بدأت تلك المشكلة ولكن المؤكد أنها وجدت فى زمن وزير الخارجية الأسبق محمد كامل عمرو الذى تولى منصبه من يوليو 2011 إلى يوليو 2013 ووقع بنفسه القرار رقم 971 لسنة 2013 بتعيين الدفعة (46) من الملحقين.

كان يمكن للقرار أن يمر دون كشف لما خفى فيه ولكن أحد الذين لم يعينوا لجأ إلى القضاء الإدارى مؤمنا بأنه ظلم وطالب برفع الظلم عنه وبنفسها قدمت الوزارة للمحكمة صورة طبق الأصل من تقارير جميع الممتحنين والمعينين بما فيها من عيوب جسيمة تهدد قرار الوزير بالبطلان.

حسب حيثيات الحكم فى القضية التى نظرتها دائرة المستشار عادل لحظى ثابت فإن المستندات التى تيسرت نطقت بجلاء عن وجود مخالفات جمة اقترفتها الجهة الإدارية فى الامتحان الذى جرى خلال شهر مايو 2012 وترتب عليه تعيين 42 ملحقا بقرار الوزير.

تمثلت تلك الأخطاء فى:

(1) وجود محاضر للامتحان الشفوى بدون وضع درجات وبدون ذكر اسم الممتحن أو توقيعه ولاسيما السفراء محمد نبيل فهمى ومنى عمر والوزير المفوض محمد البدرى.

( 2) وضع درجات مع ذكر اسم السفير ولكن بدون توقيعه ولاسيما السفير إبراهيم على حسن.

( 3) وضع درجات للمتقدم ولكن بدون ذكر اسم الممتحن ودرجته وتوقيعه كما فى حالة الملحق نشأت عنتر أمين محمد مثلا.

( 4) وجود تعديل فى المجموع الإجمالى للدرجات بالنسبة للملحق سارة عبد الرازق مصطفى التى تتصدر قرار الوزير.

( 5) وجود تعديل وكشط فى محاضر الامتحان الشفوى لأغلبية الملحقين الاثنين والأربعين المعينين بقرار الوزير وذلك بالنسبة للسفراء رؤوف سعد ومحمد أنيس سالم وأحمد فؤاد البديوى (مثلا) بدون إمضاءات بجانب التعديل والكشط.

( 6) وجود عيوب جسيمة بالسمات الشخصية للناجحين فى امتحان القدرات ومنها: راسب فى الاتزان الانفعالى والكتمان والمشاركة الاجتماعية ومنها ضعف الصدق وولاء محدود وميول مادية مرتفعة وذاكرة ضعيفة جدا وقدرة محدودة على تحمل ضغوط العمل واستعداد ضعيف لحفظ الأسرار.

( 7) عدم ذكر التقدير العام الحاصل عليه بعض من عينوا فى المؤهل الجامعى وهما مازن جابر موسى ومحمد الفاروق حسن وكذلك حصول بعض المعينين على تقدير عام مقبول فى المؤهل الجامعى وهم أحمد مجدى أبو عوف وأحمد السيد عبد الرحيم وأحمد السعيد شبانة وطارق إسماعيل غنيم ومحمود فيصل الحبشى وصموئيل شفيق تكلا ورانيا عباس الحلوجى.

ورغم أن الوزارة اطلعت على ما فى حيثيات الحكم من انتقادات فإنها لم تنبه السفراء الممتحنين إليها فتكررت الأخطاء نفسها فى اختبارات الدفعة (48) التى صدر بتعيينها قرار الوزير رقم 140 لسنة 2013.

إن أسوأ من الخطأ تكرار الخطأ.

وأسوأ من تكرار الخطأ إخفاء الخطأ.

فما أن تكررت الأحكام القضائية ضد الوزارة حتى امتنعت عن تقديم تقارير امتحانات الملحقين المختارين فى الدفعات التالية إلى المحكمة وكأنها بذلك تنجو من اللوم وتحصن قرارات تشعر بعوارها.

أو كأن الوزارة تؤكد بتصرفها بإخفاء الحقيقة أن ما ستخرجه إلى النور من مستندات سيدينها.

وأسوأ من إخفاء الخطأ العند فى تصحيحه.

إن الملحقين الذين تجبر المحكمة الوزارة على تعيينهم تقبلهم الوزارة على مضض ولكنها غالبا ما تتخلص منهم وتخرجهم من جنتها مستغلة ما يمنحها القانون من سلطات.

حسب نص المادة الثامنة من القانون رقم (45) لسنة 1982 الخاص بنظام السلك الدبلوماسى والقنصلى والمعدل بالقانون رقم (29) لسنة 2009: يوضع الملحق المعين تحت الاختبار لمدة سنتين من تاريخ استلامه العمل يلحق خلالها لمدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد على سنة بمعهد الدراسات الدبلوماسية وفى باقى المدة يلحق بالإدارات والبعثات وتتحدد صلاحيته فى ضوء تقارير نتائج المعهد وتقارير الصلاحية التى تعدها الوزارة وتنهى خدمة من يثبت عدم صلاحيته خلال فترة الاختبار بقرار من الوزير.

وحسب نص القانون أيضا يجب أن يلجأ الملحق المنتهية صلاحيته إلى لجان التوفيق بينه وبين الوزارة قبل أن يأخذ طريقه إلى المحكمة.

وتروى مذكرة مساعد وزير الخارجية مدير الإدارة القنصلية السفير عادل الألفى والموقعة نيابة عنه من السفير جمال متولى والصادرة بتاريخ 25 سبتمبر 2017 والصادرة برقم 459 + 6 قصة الملحق كريم ثابت عكاشة سيف الدين.

كان كريم سيف الدين قد استبعد من التعيين فى وظيفة ملحق (الدفعة 49) فلجأ إلى المحكمة وخرج بحكم نهائى يجبر الوزارة على تعيينه ولكن قبل أن تنتهى فترة الاختبار (السنتين) أوصت لجنة متابعة الدبلوماسيين فى الوزارة بعدم صلاحيته بسبب: ضعف أدائه وتكرار المثالب التى رصدت فى حقه لاسيما اهتزازه فى أداء مهامه وافتقاده الثقة بالنفس وعدم الاستفادة بنصح وتوجيهات رؤسائه وضعف مستوى لغاته الأجنبية.

ولم يتردد الوزير بالتصديق على قرار اللجنة ولكن يبقى السؤال: هل قرار اللجنة صائب أم أنها استغلت صلاحيتها فى التخلص من الملحق لأنه فرض عليها تعيينه بحكم محكمة؟.. هل كان قرار اللجنة سليما أم متعسفا وملتفا على حكم المحكمة بسبب شعور البيروقراطية المزمن بأنها على صواب دائما؟.

وبالقطع لجأ الملحق الشاب إلى المحكمة من جديد.

وما أن نشرت فى العدد السابق الانتقادات التى وجهت لاختيار الملحقين حتى تنوعت ردود الفعل بين مؤيد يرى أننى على حق ومخالف يرى أن هناك وجوهاً أخرى للحقيقة تجبر الوزارة على قبول ملحقين لا تتوافر فيهم الشروط المثالية للوظيفة.

إن اختيار العدد المحدود من الملحقين مسألة شديدة الصعوبة بسبب المستوى غير اللائق لخريجى الجامعات.. من بين كل عشرة آلاف خريج يمكن أن تجد واحدا متوسط الصلاحية.. لا مفر من قبوله.

والمقصود إن المعينين فى الوظيفة مهما كانت سماتهم هم أفضل المتقدمين.

أكثر من ذلك فإن وظيفة الدبلوماسى لم تعد بالجاذبية التى كانت عليها.. مرتبها محدود.. ومتطلبات مظهرها مكلفة.. وتحتاج إلى مزيد من الإنفاق على شراء المراجع والتقارير الاستراتيجية والسياسية.. وتفرض على أصحابها التزاما اجتماعيا صارما.. ولا تحقق لهم أحلاما مادية مناسبة.. وربما لتلك الأسباب تعددت الاستقالات فى وزارة الخارجية لينال المستقيلون فرصا أفضل فى شركات الاتصالات والمقاولات أو غيرها من المؤسسات التى تمنح فرصا أفضل للمعيشة.

والمؤكد أنها وجهة نظر وجيهة للغاية فحتى السفراء فى الخارج يتحملون نفقات عالية تفرضها مناصبهم بدعوة كبار الشخصيات المصرية التى تمر عليهم أو الشخصيات الرسمية فى الدولة التى يعملون فيها من المرتب الذى يتقاضونه بما فى ذلك إقامة الحفلات التى تفرضها مناسبات رسمية بعينها ولو قدموا لضيوفهم الفول والطعمية والكشرى بدعوى أنها أكلاتنا الشعبية.

يضاف إلى ذلك العبء النفسى الذى يفرض على الدبلوماسيين وعائلاتهم بالتنقل من عاصمة إلى أخرى دون استقرار لحياة اجتماعية سليمة.

هذه متاعب حقيقية يصعب إنكارها ويجب علاجها بمزيد من الدعم والمساندة حتى لا تفقد مدرسة الدبلوماسية المصرية العريقة شهرتها وخبرتها وتألقها.

ولكن.. لم لا يتقن السفراء الذين تتكون منهم لجان امتحانات الملحقين الجدد عملهم بدقة أكثر؟.. لم لا يوقعون بجانب الشطب والكشط حسب ما تفرض قواعد السلامة ؟.. لم تترك أوراقا بغير أسماء أو درجات ونجد أصحابها فى كشف المعينين؟.

كان يمكن لتلك اللجان سد الثغرات أمام القضاء لو استوفت تقارير السفراء الممتحنين الدقة فى التعامل معها ؟.

ولو كانت هناك سمات فى شخصيات الملحقين الجدد يمكن التغاضى عنها مثل عدم الميل للحياة الاجتماعية فإن هناك سمات أخرى يصعب تجاوزها مثل ضعف الولاء وضعف الاستعداد للحفاظ على الأسرار خاصة أن الواقع أثبت تورط بعض الدبلوماسيين المبتدئين فى أمور أدت إلى التخلص منهم وحدث ذلك فى عواصم خارجية.

لكن على جانب آخر تجب زيادة بدلات المظهر للدبلوماسيين الشباب حتى تزداد ثقتهم فى أنفسهم بجانب تغطية الوزارة لنفقات دراساتهم العليا تشجيعا لهم على مزيد الفهم للسياسات الدولية المعقدة التى عليهم التعامل معها وفك شفراتها.

إننى أؤمن بالدور المؤثر للدبلوماسية المصرية فى كافة مجالات الحياة المختلفة وما وجهت إليها من انتقادات لم يخرج عن إيمانى بها ورغبتى فى تقويتها.. ولست مخبولا أو سفيها حتى أفكر فى المساس بها.