طارق الشناوي يكتب: إن كنت ناسى أفكرك!

الفجر الفني

بوابة الفجر


من حقك أن تقول كل ما يعن لك، نعم لا تفعل مثل عبدالوهاب وتردد (خايف أقول اللى فى قلبى)، قل مرة واحدة فى حياتك كل اللى فى قلبك وعقلك وضميرك، فقط عليك تحرى الدقة، لقد تغير بيت الشعر الشهير لأبى تمام فأصبح (النت أصدق إنباء من الكتب) بعد أن صار هو (السيف) الحقيقى المصلت على رقاب الجميع، على الإنسان فى التعامل مع (الميديا) أن يفكر مرتين ويجيب عن سؤالين قبل أن يصرخ بكل (إللى فى قلبه)، أولا هل سبق لك أن قلت شيئا مغايرا، الثانى هل لن تغير رأيك مع الزمن؟، عليك فى هذه الحالة أن تتذكر رائعة هدى سلطان (إن كنت ناسى أفكرك)، سوف يمسكون لك على الكلمة.

تابعنا الخناقات حامية الوطيس بين إعلاميين ورجال سياسة واقتصاد وفنانين ومثقفين، دائما هناك استدعاء من الأرشيف الذى يفضح الجميع، آخرها بين عمرو أديب وعلاء مبارك. تميزت الألفية الثالثة بهذا النوع من التراشق، حيث بات الأمر لا يستغرق ثوانى لتأخذ كلمة من هنا وأخرى من هناك، هل لدى صناع هذه (الكليبات) شفافية عندما يستدعون تلك الكلمة من سياقها، فتبدو مثلا إشادة مطلقة لمبارك والعائلة، بينما الجملة ربما جاءت فى إطار مغاير، ثم السؤال الأهم، هل الإنسان يظل مخلصا ومرددا طوال العمر لنفس الرأى وإلا اتهم فى شرفه الفكرى.

الإنسان الذى لا يتغير هو (دوجما) يمر الزمن عليه وكأن شيئا لم يكن، وهذا يفسر لك انتقال عدد من المثقفين بين أكثر من اتجاه، عقائدى وفكرى وسياسى، هناك خيط أراه سميكا وليس رفيعا، بين أن تتغير تحت حرارة نضج السنين، أو تتغير بناء على مصلحة أو خوف.

من يشارك فى اللعب ليس من حقة أن يصبح حكما، وهو ما تقرره كل النظم السياسية فى الفصل بين السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية، انس الآن ما كنا نُطلق عليه (السلطة الرابعة) ونعنى بها الصحافة، أو لو اتسعت الدائرة نعتبرها الإعلام، لا لم يعد لنا هذا الحضور، لا فى الشارع ولا عند صانع القرار، بعد أن سيطر إحساس القبضة الواحدة والرأى الواحد.

كل إنسان مسؤول عن كلمته، لو واجهت قيودا تمنعك من قول كل شىء لا تقل على الأقل ما تندم عليه، لسنا فدائيين ولا أبطالا، فقط تشبث بآخر طوق نجاة، ألا تقول سوى ما تستطيع أن تدافع عنه مهما تغيرت الظروف والمعادلات، سيأتى زمن آخر يطرح فيه كل ما كان مسكوتا عنه.

أغلب البشر بطبعهم انفعاليون ينتقلون بين النقيضين، مثلا الشيخ زكريا أحمد، أحد صُناع مجد أم كلثوم، انحاز لها فى نهاية الأربعينيات لتصبح نقيبة الموسيقيين ضد عبدالوهاب وعندما سألوه أجابهم (أم كلثوم أرجل من عبدالوهاب)، بعدها ببضعة أشهر عندما اختلفا ماديا نعتها بكل ما أوتى من الصفات السلبية، ولم يتم الصلح بينهما إلا مطلع الستينيات وغنت له (هو صحيح الهوى غلاب)، محمد الموجى هاجم عبدالحليم بضراوة فى الفترة الزمنية التى استحوذ فيها بليغ حمدى على صوته، وبعد الصلح كان يمطره بكل عبارات الحب، وعند الرحيل عام 77 وصفه قائلا (قيثارتى مُنيت).

هل تغفر الناس الانحياز الشخصى وترفضه لو كان له مذاق سياسى، أم أن الأمر برمته يدخلنا فى لعبة أخرى منحها مبارك الأب عنوان (خليهم يتسلوا)!!.