طارق الشناوي يكتب: (نتفلكس) هل تعقد صلحاً مع المهرجانات الكبرى؟!!

الفجر الفني

طارق الشناوي
طارق الشناوي


مساء أمس كانت المحطة الأخيرة لمهرجان (برلين) بعد أن تولت جولييت بينوش، الأيقونة الفرنسية، مهمة توزيع كل الدببة المتوفرة لديها من ذهبية وفضية على الفائزين، مرت الدورة يغلفها قدر لا ينكر من الخفوت، برغم أنه المهرجان الأكثر جذبا للصحافة و(الميديا) بوجه عام وأيضا الأعلى فى دنيا الإيرادات وإقبال الجماهير، الرهان الأكبر للمهرجان هو الشاشة وما تعرضه، ولم يكن الحصاد السينمائى فى ذروته المعتادة، حيث إن الدورة الأخيرة التى قادها الناقد ديتر كوسليك تراجعت فيها شاشات السينما التى تعرض الأفلام، عن الألق الذى تعودنا عليه، على الجانب الآخر، بعد سبعة أيام تعلن جوائز الأوسكار رقم 91 ومنذ أن بدأ العد التنازلى لهذا الحدث وهو يشغل اهتمام الناس.

قبل نحو تسعة عقود من الزمان، بدأت تلك الجوائز وبرغم أنه فى النهاية يعبر فى الجانب الأكبر والأبرز منه عن السينما الأمريكية وتحديدا هوليوود، فهو مسابقة أمريكية ولكن قدرة أمريكا على تسويق كل شىء لصالحها، أحالته إلى عيد عالمى للسينما، كما أن السينما صارت فى جانب منها تساوى (هوليوود) فى العالم كله، كل هذا منح تلك المسابقة كل هذا الحضور العالمى، نعم هناك خفوت واضح هنا فى (برلين) وصخب واضح هناك فى (لوس أنجلوس) حيث تعلن جوائز الأوسكار فى مسرح (دولبى) والتى يبلغ عددها 24 جائزة.

(الدب) لمن يستحقه أكيد لو أننا تابعنا النتائج بعيون لجنة التحكيم، فلا شىء يخضع لاعتبارات أخرى، حتى الحفاوة النسائية تظل مقننة ومشروطة بالقيمة الإبداعية، وهذا هو ما أكدته إدارة المهرجان وأيضا لجنة التحكيم.

الجوائز أعلنت ليلة أمس، إلا أننى أعتقد أنها لن تخلو من فيلمى (أوندونج) أو بيضة الديناصور للمخرج الصينى وانج كوانان، وهو فيلم يمثل دولة منغوليا، إنه الأكثر حرفية وجمالا وانتماءً لفن السينما الإيقاع هو بصمة هذا الفيلم، يبدو من الخارج رتيباً جدا، لو أنك لم تتعايش مع الحدث، ولكن عندما يتسلل إليك تشعر بأن جماله الحقيقى فى أنه يستحوذ عليك (سنة سنة) إنه البطىء الجميل فى الإبداع، حيث لا تجد حكاية بالمعنى التقليدى لما دأبنا على وصفه بالبناء الدرامى، فهو مجرد قالب للتعبير، هناك رؤية عميقة للسينما كفن خالص، نعبر عنه بهذا التفاعل العبقرى بين الصورة والصوت، تطبيق عملى لفضيلة الاقتصاد السينمائى فى التعبير بالأدوات المتاحة يصل إلى حدود الندرة بل والشح، سواء فى الكلمة أو الحركة أو الإضاءة، امرأة مقتولة تلقى عارية فى مكان موحش على أحد السهول فى منغوليا، ضوء خافت، الكاميرا تبدو وكأنها تلعب دورنا نحن فى التلصص على ما يجرى، فهى تُشبع لنا ما أثارته لدينا من نهم، حيث لا تقدم أى تفاصيل فى البداية ويتكئ المخرج على اللقطات العامة والمتوسطة قبل أن يشفى غليلنا ببعض اللقطات التفصيلية، الحياة التى أراد المخرج الصينى أن يقدمها لنا تكمن فى النضال من أجل الحياة واستمرارها ضد كل عوامل الفناء، الطبيعة القاسية التى بدورها تلعب دورا محرضا ضد الحياة ولكن الديناصور الذى بداخل كل منا يملك القرار بالاستمرار أو الفناء لو أراد، (الديناصور) انقرض من الحياة، ولكن هناك من لديه الرغبة فى المواجهة والاستمرار، والجنس يلعب دوره هنا فى التعبير المباشر عن غريزة البقاء، وهكذا واصل الديناصور الحياة.

وأيضا أتوقف أمام الفيلم الإسبانى الرائع بكل تفاصيله (إليزا ومارسيلا) للمخرجة إيزابيل كويكسيت، القصة واقعية تعود لمطلع القرن الماضى، امرأتان ولكن ليست علاقة سحاقية، حيث إن إحداهما ولدت بعيب خلقى، وبرغم ملامحها كامرأة إلا أنها تستطيع الإنجاب، قصة حب ترتدى هذه المرة ثوبا آخر، الكنيسة والمجتمع يرفضان هذه الزيجة برغم أن القسيس فى البداية بعد أن وضعت إحداهما شنبا زائفا وارتدت زى الرجال إلا أن القرية كلها انتفضت ضد تلك العلاقة وضد الزواج الذى ترفضه الكنيسة.

المخرجة تطرح القضية بالطبع بتفاصيل الزمن 1901 كما وقعت الحكاية، والمخرجة تعيدنا بحرفية عالية لهذا الزمن.

ويبقى سؤال عن «نتفلكس»، ما الذى تخبئه الأيام، عندما أشارت التترات إلى أن الفيلم الإسبانى من إنتاجها استمعت إلى همهمات غاضبة فى صالة العرض، فلا يزال الإحساس قائما بأن تلك الأفلام تخاصم فى جانب منها السينما كصناعة، ولا تعبر عن أهداف أى مهرجان يحمل عنوان السينما ولهذا تباينت ردود الفعل تجاه التعامل معها، ولهذا نجد الرفض القاطع لعرض هذه الأفلام فى مهرجان (كان) يقابله السماح على استحياء لمهرجان (برلين)، مع دعوة تتردد لحالة من التعايش السلمى بينهما، ووضع بنود اتفاقية تقضى أولا بأن تعرض هذه الأفلام أولا فى دور العرض وبعد ذلك تُطرح على (النت).

سيظل هناك صراع مصالح خفى بين كل الأطراف لن تكتشف مرة واحدة كل أوراقه، قد يبدو الأمر للوهلة الأولى مجرد حالة خاصة أو اجتهاد لمهرجان (كان) بالرفض المطلق تقابله موافقه بالعرض لمهرجان مثل (برلين)، إلا أن فى دنيا الصفقات لا تؤخذ الأمور بمثل هذه البساطة، هناك دائما تفاصيل غير معلنة ومسكوت عنها، ولا أستبعد فى منتصف مايو القادم عند افتتاح (كان) أن نشهد اتفاقا آخر ربما يقضى بعرض أفلام «نتفلكس».. ربما.