د. نصار عبدالله يكتب: كاريوكا فى السجن فى: المولودة

مقالات الرأي



الفنانة الشهيرة تحية كاريوكا لم تكن يوما عضوا فى تنظيم شيوعى أو غير شيوعى، إذ إنها لم يشغلها قط الاشتغال بالعمل السياسى، ومع هذا فقد ألقى القبض عليها فى عصر الرئيس جمال عبدالناصر ضمن هوجة القبض على الشيوعيين وأودعت عنبر الشيوعيين فى سجن مصر، وفى السطور التالية نقرأ ما كتبته عنها نادية كامل (ابنة الكاتب والمناضل المعروف: سعد كامل) فى كتابها شديد الإمتاع: «المولودة» والذى تروى فيه سيرة حياة والدتها: مارى روزنتال نقلا عن لسانها مباشرة، وقد طبع الكتاب أكثر من مرة، حيث كانت الطبعة تنفد بعد وقت غير طويل, إلى أن أتيح لى مؤخرا أن أقرأ طبعته الأخيرة الصادرة عن دار الكرمة والتى أورد منها ما يأتى بالنص مع تصرف يسير فى بعض المواضع:.. تحية تدخل السجن، فالسجن كله يقف على ِرجْل: المسجونات، سياسيات وغير سياسيات، السجانات بكل الرتب طول النهار يحاولوا يفوتوا قدام زنزانتها أو يلمحوا شكلها من بعيد. الضباط كمان، بل مدير السجن نفسه ييجى لها لحد عندها فى الزنزانة.. ومش يسلموا عليها ويرحبوا بيها بس، إنما يعرضوا عليها خدماتهم، ويسألوها: محتاجة إيه. تحية كاريوكا أصبحت رئيسة السجن، وقعدت تحمينا: أنا.. وميمى.. وسميرة ِمراتْ أحمد طه... مديرة وريسة.. وحكاية التغذية دى فى قلبها، مسئولة عن تغذية الإنسانية كلها مش بس ضيوفها فى البيت!.ما كانتش عيانة، لكن بعتت تجيب لبن ولمون وسكر زيادة من مستشفى السجن.. احنا ما كانش ممكن نبعت نجيب. وجابت كاكاو كمان، وبناء على طلبها جابوا لها قروانة لبن كاملة من المستشفى.. القروانة: إناء من الألومنيوم الجزء التحتانى صغير..وواسعة من فوق. القروانة هى الإناء الأساسى فى السجن، يصرفوا لنا فيه الأكل والسوائل واللبن والعدس والفول.. مفيش أوانى تانية.. مفيش فناجين وأطباق وكبايات. كله قروانات. بس عشان ما اظلمش السجن كان فيه الكوز!.. زى كوز الحمّام بتاع زمان.. معدن صاج أو ألومنيوم بإيد عشان نشرب ونغرف به.. تحية تصحى الصبح تيجى لها قروانة لبن من المستشفى، وبأمرها يفتحوا لنا الزنازين ونروح عندها لازم تمرينات كل يوم وإلا عضلاتى حتنشف ومش حقدر أرقص.نعمل معاها شوية تمارين، ورتنا ازاى الواحد يحرك البطن يمين دائريا، وبعدين شمال دائريا.. حصلتْ كمان على سبرتاية طبعا ممنوعة بعد الرياضة تحط قروانة اللبن على السبرتاية أو اللبن ياخد مدة طويلة لغاية ما يغلى على سبرتاية.. فى الوقت ده نقعد حواليها نسمعها.. اللبن يغلى تحط الكاكاو وتقلّب وتقلّب وتقلّب وهى بتحكى، وتوزع علينا بالكوز فى كبايات بلاستك هى برضُه جابتهم ووزعتهم علينا، وتبعت تجيب كيكة أو بسكويت.. متصرفة فى الحاجات دى كلها وما تاكلش حاجة لوحدها أبدا، فاتحاها مضيفة فى زنزانتها.تحكى لنا حواديت ونسألها عن حاجات بينما احنا المفروض محبوسين فى زنازين انفرادى.الأكل بييجى لنا من المتعهد على حسابنا.. فطار المتعهد طاستين عمود معدنى بإيد وجواه فطار الصبح: بيضتين مسلوقين، وكام زتونة وحتة جبن] بيضة أو قشطة بالعسل أو حتة جبنة برغيف عيش أو حلاوة.. فطار المتعهد أكل مش طازة .. بالذات البيض.. أما تحية كاريوكا فكانت تعملنا كاكاو الصبح ونفطر كاكاو باللبن فى السجن بعد ما ترقص بلدى.. تحية كانت متماسكة ما اتهزتش من السجن مع إن مفهومها السياسى كان عام جدا.. وبفضلها الأربع شهور دول عدوا بسرعة وبدون صعوبة تقريبا.. علية توفيق كانت عكس تحية كاريوكا خالص فى الجسم والشخصية.. بشرة رقيقة بيضا.. شعر خفيف مموج. تحية تحب التمثيل والرقص مش أى فنون تانية.. أما علية فتحب الشعر. مليانة حماس وتقول شعر وطنى طول الوقت وبالذات البيتين المشهورين لأبو القاسم الشابى: إذا الشعب يوما أراد الحياة ..فلابد أن يستجيب القدر// ولا بد لليل أن ينجلى ..ولابد للقيد أن ينكسر..البنت علية لما كانت تتحمس لفكرة سياسية تطلع فوق أى حاجة عالية وترفع إيديها لفوق وتبتدى: إذا الشعب يوما أراد الحياة.. خبرة غير خبرة تحية كاريوكا.. علية كانت خبرة فى عالم ضباط الجيش والبوليس عقلية الضباط فاهماهم علية توفيق كانت زوجة يوسف صديق الظابط الحر عضو مجلس الثورة، وأخت محمود توفيق الشيوعى صديقنا وأنا لغاية النهاردة باتساءل: هما قبضوا على جوزها ولا حددوا إقامته بس.. وأتصور إنهم عرضوا عليه يعملوه سفير فى محاولة لإبعاده من مصر لكنه رفض.