بائع الحب يبحث عنه.. "عم سيد" يتمنى إهداء الورود إلى نصفه الآخر

تقارير وحوارات

بوابة الفجر


وسط نسمات الصباح الباردة عندما تعانق خيوط الشمس في باكورة التئامها معلنة بزوغ النهار، يقف هو سارحًا، تجول عينيه بين المارة ينتظر قدوم الأحبة ممن عاشرهم لعقود دون سواهم، فهم رفقاء العمر الذين خبأوا لسنوات أسراره بين أوراقهم، لترتسم على شفتيه ابتسامة واسعة حينما تهل عليه العربة المحملة بتلك الألوان المبهجة فيقبل عليها كما الطفل يندفع نحو لعبته المفضلة.

"حبي للورد قصة عشق لا تنتهي".. فبالرغم من أن "سيد" بائع الورد الذي توارث المهنة عن والده قبل أربعون عامًا، لم تمنحه الحياة خوض تجربة الحب الحقيقي مع فتاة، إلا أنه كان يرى كل وردة فتاة جميلة تسحر ناظره بلونها الزاهي وتجذبه برائحتها العطرة كما المغناطيس: "بتسمعني أحسن من البني آدمين".

فلا يبالي الرجل الخمسيني، بجلوسه على الرصيف وافتراشه لبضاعته من الورد في الشارع أمام القادم والذاهب، فمهنته كبائع ورد يعتبرها الكنز الوحيد الذي تركه والده له قبل رحيله، فاستطاع من خلاله أن يلتقي وجوه العاشقين ممن لازالوا يتبادلون الحب بوردة في زمن لم تعد للورود تلك القيمة التي تملكتها في الماضي.




تشدو العصافير أحيانًا بين الورود بألحان الحب التي يدندن "سيد" خلفها بتلقائية كل صباح، فوحدته التي اعتاد عليها طوال يوم عمله جعلته صديقًا للطبيعة، وفي أيام الإجازات ينقذه أبناء أشقائه من وحدته، فيحرصون على مساعدته في ترتيب الورود كما علمهم الرجل ذو الخمسة وخمسون عامًا، بينما هو يصنفها وفقًا لأشكالها وألوانها وأنواعها التي حفظها عن ظهر قلب.

ينهض "سيد" من بين الورود بعد أن يرتبها بدقة وبأشكال محددة وفقًا لتدرجات ألوانها لتزين جدران الشارع وتحول الرصيف إلى حديقة شابة متوجة بالأزهار، ليقف أمام طاولته ممسكًا بمجموعة من الورود "الصابحة" التي اشتراها حديثًا ويبدأ في تنظيفها وتهذيب ساقها وبتلاتها بالمقص ودلو الماء وكأنها عروس تستعد لليلة زفافها، ثم يهدي كل وردة ينتهي منها كلمات عذبة يكسوها الحب قبل أن يضمها إلى عائلتها في كل باقة أو مزهرية يعرضها للبيع: "الورود دي ست الكل".




ولكن في الوقت الذي تملأ باقات الورد كل صوب وحدب يحيط بـ "سيد" إلا أنه لا يكتفي بذلك، فالسعادة الحقيقية التي يتمناها أن يتشارك حبه للورد مع شريكة حياة يبادلها تلك الزهور المعطرة بالدفء، فقد وهب حياته منذ أن بلغ اثني عشر عامًا من العمر لأجل الورد تاركًا تعليمه، منعزلًا عن الوسط الاجتماعي المحيط به: "كنت فاكر إني هربي الورد زي ولادي.. وهعتبر ولاد اخواتي هما عيالي وخلاص"، ولكن الحقيقة التي أدركها بائع الورد الخمسيني، أن الحياة لا تستمر دون حب حقيقي بين طرفان يرويان هذا الورد بالمودة والرحمة التي تجمعهما، فكما الورد يتعطش لقطرات المياه يتعطش هو لتلك المشاعر، لتلك السيدة التي تقاسمه الأعياد وتسانده وقت الأحزان، لمن سيهديها باقات الورد رفيقة أيامه كهدية لعيد الحب: "على الأقل لما أموت أسيب مع حد ذكريات حلوة يفتكرني بيها".