في عيد الحب.. رسائل الأحبة إلى أسرى سجون الظلم

تقارير وحوارات

بوابة الفجر


أعيادهم تحولت إلى نكبات، وأفراحهم أصبحت مآتم، أما قلوبهم فدائمًا مهاجرة محملة بكل الحب إلى من تلك خلف هذه الأسوار، ممن احتجزتهم القضبان قهرًا، ممن فرقهم الظلم عن أعين المحبين الساهرة تجول داخل المنازل على أمل عودة المفقود، أيامهم واحدة كنسخ الأوراق الفارغة، وعقارب الساعات أنهكتها نبضات القلوب المتسارعة التي كادت تنخلع من بين الضلوع الموجوعة فأبطأت من سيرها وكأنها عاجزة عن مجاراة قوة تلك الخفقات.

وبينما ترتسم السعادة على أوجه العاشقين ممن تلهفوا لانتقاء هدايا عيد الحب، كانت هداياهم هي تلك الكلمات التي أدفأت السطور بالحب الذي كساها، تلك الأحرف التي رسمتها دموع الأعين المشتاقة، تلك العبارات التي دونها الحنين وقرأها القلب بأعين تائهة وعقل مشغول، لم ينسى يومًا أحبته الحقيقيون الذين اختارهم القدر ليكونوا ضحايا الشر خلف قضبان السجون الباردة.

يعتصر قلب فاطمة قحطان، كلمات تذكرت تلك اللحظات التي فرقها ظلم ميليشيات الحوثي عن والدها منذ 4 أعوام بعدما أعلن تأييده لعاصفة الحزم باليمن، يزداد حنينها كلما مرت الأعياد والمناسبات ينقصها وجوده، فيمر عيد الحب كغيره من الاحتفالات عابرًا على الجميع، بينما يمر على قلبها كمذاق العلقم المر: "أربعة أعوام من الشوق والحنين إلىك يا أبي فشتقنا".

تستنشق رائحته بين الذكريات، فتنتفض كلما عبرت على ذهنها تلك اللحظات لتظن لوهلة أنها تحدث أمامها: "حينما كنا ندخل منزلنا وصوتك يا أبي يضج بأسمائنا ليحدثنا ويطلب منا شيئا ما"، ثم تعود إلى سكونها عندما تتذكر أنه ماضي وليس حاضرًا: "اليوم انحرمنا من أن نرى وجهك ونسمع صوتك ونعلم حالك وماذا فعلت بك تلك الأعوام الماضية".

فمنذ فراق الأب قحطان، تستشعر فاطمة الخوف في كل لحظات حياتها، فلم تذق للنوم طعمًا، ولم تكفيها الأغطية لتحتمي من تلك الرجفة التي تسري بين عروقها منذ ذلك الحين: "فوجودك يا أبي كان يشعرنا بالأمان".

وكلما هلت الأخبار السارة داخل الأسرة، لاتزال فاطمة تركض إلى غرفة والدها حيث اعتادت أن تجده لتكون أول المبشرين له لتتساقط دمعاتها كلما فتحت الباب لتجد المحيط فارغًا: "فقد اشتقنا يا أبي أن نركض إليك ونخبرك كل خبر يسعدنا كخبر ارتزاق أحد أولادك بمولود ونجاح الآخر.. كنت أتمنى أن أخبرك كل ما يتمنى الأب سماعه من أخبار سعيدة".

ولكن بين حالة الاشتياق والآمال التي نسجت أحلامًا لا تنتهي لدى فاطمة بعودة والدها ورؤيتها له من جديد لم تمنعها من إدراك أن الصبر وحده هو الرسالة الحقيقية التي تتمنى أن تهادي بها والدها ليزداد تشبثه بالحياة دون خوف أو تراجع: "فنحن نعلم تمامًا أن شوقك إلينا لا يقل عن شوقنا إليك ولكن يا أبي صبرًا فأنت على الحق والحق سينتصر نصرًا عزيزًا.. ونحن سنصبر إلى أن ينجلي هذا الظلم عنك وعن كل مظلوم".




لوعة الشوق لوالد فاطمة، لم تختلف كثيرًا عن افتقاد الفلسطيني محمود مطر لأخيه "علام" الذي حرمته سجون الاحتلال من الاجتماع بعائلته قبل 15 عامًا، فمنذ عام 2004م ألقي القبض عليه من قبل قوات الاحتلال الاسرائيلي ليصبح أسيرًا خلف القضبان الحديدية منذ ذلك الحين.

"ربما يستطيع أي منا أن يغيب عن عائلته لأيام أو أسابيع أو شهور دون رؤيتهم، ولكن هل تستطيع ألا ترى عائلتك وتفقدهم لخمسة عشر عامًا لا تتمكن من رؤيتهم سوى من خلال صور فوتوغرافية؟"، بهذه العبارة يصف "مطر" مدى صعوبة الفراق لنحو عقد ونصف من الزمن عن الأحبة وهي مرارة الشوق نفسها التي يشعر بها تجاه شقيقه "علام".

جرح "محمود" لم يندمل يومًا طوال تلك السنوات الماضية، فحرمانه من رؤية شقيقه بأمر من سجاني قوات الاحتلال زاد الألم لدى الشاب الفلسطيني الذي لا يعلم منذ تلك المدة مصير أخيه وحاله: "هل تتحمل أن يحرمك المحتل والسجان حقك بزيارتهم لك طول هذه المدة؟".

يصعب على محمود مطر" وصف كم المشاعر بداخله تجاه أخيه "علام" فسنوات الفراق أكبر من تصفها الكلمات: "فهناك فيض من مشاعر الاشتياق بين الأسير وعائلته لا تستطيع قضبان الأسر حجبها ومنعها، تتعاظم مشاعر الاشتياق والحنين مع مرور الوقت، نريده حرًا بيننا وننتظر بأمل لحظة الحرية".

 


قد يكون ألم هؤلاء كبير، ولكن إيمان كان جرحها غائرًا لدرجة تمنت بها الموت، فالسيدة الفلسطينية فقدت رجال بيتها جميعًا أسرى لدى سجون الاحتلال الصهيوني منذ أشهر لم تستطع خلالها أن تلقاهم من جديد.

"أحبة لا يزالوا في سجون الاحتلال".. فبهذه العبارة وصفت إيمان حالها بعد اعتقال أسرتها كاملة: "فالأب لا يزال في ثلاجات الاحتلال معتقل، والأخ حكم عليه بالسجن لمدة 13 شهرًا، وزوج لكيدهم منه ولأنهم لا يستطيعون فعل شئ حولوه إلى الاعتقال الإداري".

ترى المرأة الفلسطينية أن حالها تعجز الأقلام عن التعبير عنه، فالمشاعر ألمها لا حدود له، والقل ينفطر حزنًا بلا جدوى، فلا حيلة لها سوى الدعاء على أمل لقاء قريب بثلاثتهم: "الله يفك أسركم جميعًا يارب".