معلومات لا تعرفها من قبل عن رهام شحادة

الفجر الطبي

رهام شحادة
رهام شحادة


بين الفرح الهائل والحزن الهائل، سطر الطب فصلاً جديداً في حياة أنثى يُتوّج قريباً بجنين ينمو في رحمها ويسمع نبضات قلبها ويطلق نُور الحياة، بعد أن خالت أن حياتها قاتمة حالكة داكنة. حوارٌ فيه فرحٌ ودموع مع أول أنثى تحتضن رحماً مزروعاً في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. 

هي فتاة أردنية، عمّانية، عيناها تشعان ذكاء ووجهها ينضحُ بياضاً اسمها رهام شحادة، ووالدتها تُدعى فردوس، وقصتها قصة مليئة بالأمل. فماذا في تفاصيلها؟ 

تجيب شحادة: «في سن السابع عشرة ألحَحَتُ على والدتي كي تأخذني إلى الطبيب. ذهبنا. خضعت لصور وفحوصات تَبيّن فيها أن رحمي طفولي. صعقني الخبر. صدمني. رحمي رحم طفلة وجسمي يكبر. حاول الطبيب أن يشرح لي أكثر لكنني لم أفهم شيئاً. انزويت. مكثت وحيدة في غرفتي نحو شهر. فكرت كثيراً. بكيت كثيراً.

أحب الأطفال. أحلم بيوم عرسي. أحلم بطفلٍ ينمو في أحشائي. أحلامٌ صارت سراباً. هكذا اعتقدت. ولم أدرس لامتحانات آخر السنة إلا قبل 20 يوماً. درست ونجحت. وكان هذا هو التحدي الأول لي. دخلت الجامعة ودرست المحاسبة وتفوقت. وبدأت العمل حيث تعرفت إلى خليل الذي أصبح زوجي». 

تتابع شحادة قصتها: «لم أكن أريد أن أتزوج. لم أكن أقبل أن أتكلم مع أي شاب. كنت أخاف أن يقول لي أحدهم: أريد الارتباط بك! فبماذا أجيبه؟ كيف أشرح له أنني غير قادرة على الإنجاب وأن رحمي رحم طفلة؟ لكن القدر شاء أن أتعرف إلى خليل، ويوم طلب يدي قلت له: لا. أراد تفسيراً. أجبته: لا تفسير لي. وحين ألحّ شرحت له كل التفاصيل عبر زوجة شقيقه التي باتت صديقتي. أخبرتها فأخبرته. اتصل بي وقال لي: أريدك الآن أكثر من قبل. فأجبته: الدنيا لا تزال بألف خير. ارتبطنا. تزوجنا. وكنت حين أبكي على كتفه يقول لي: دموعك تقتلني». 

بشرى سارة في "جوجل"
يئست رهام أياماً لكنها أخذت قرار التحدي كل العمر. فراحت تبحث وتقرأ وتسأل. آمنت دائماً بأن شيئاً ما سيأتيها من السماء يُبدل كل حياتها. قد يكون دواءً أو شراباً أو عشبة أو معجزة. صارت تتخيل نفسها تقف أمام جمع غفير، وتقول: «أصبحت بخير». وذات يوم، وهي تقرأ، رأت عنواناً على موقع "جوجل" فيه: «بشرى سارة لا عقم بعد اليوم». التهمت العنوان والمحتوى. وفيه معلومات عن طبيبة وباحثة لبنانية تدعى رندا العاقوري، أجرت أبحاثاً على الفئران أدّت عام 2001 إلى أول حالة ولادة لفأرة عبر عملية زرع رحم ما أحدث ضجة هائلة. وفي العام 2014 استطاعت العاقوري مع فريق كبير من الأطباء والباحثين السويديين، منح الأمومة إلى امرأة سويديّة بلا رحم. 

أربع كلمات فقط
تُخبر رهام: «بحثتُ عن رقم هاتف الدكتورة العاقوري واتصلتُ بها عبر «الواتساب». أخبرتها عن حالتي. طلبت مساعدتها. وذرفتُ دموعاً كثيرة. فقالت لي: لا حلّ لك رهام سوى زراعة رحم. اتصلت بها مراراً طوال خمس سنوات لكن لم يكن يوجد في منطقتنا العربية مركز لذلك، إلى حين تقرّر تأسيس أول مركز لزرع الأرحام في العاصمة اللبنانية بيروت، في مستشفى ومركز بلفو الطبي. أخذت موعداً ونزلت إلى بيروت مع والدتي في يوم 16 يناير 2018، وكان يوم اثنين، فحصتني وشاهدت ماما فردوس التي أصرّت على أن تعطيني رحمها. وفي الشهر الثاني من السنة، في فبراير، عدنا مجدداً إلى المستشفى ومكثنا فيه ثلاثة أسابيع ريثما أنهينا كل الفحوصات وجُهّزت البويضات ولُقّحت من زوجي، ليُعاد زرعها بعد تسعة أشهر في الرحم الذي أنتظره بكل جوارحي». 

نهار الاثنين، في الحادي عشر من شهر يونيو عام 2018 كان يوماً كبيراً في حياة رهام. فماذا حدث في ذاك النهار؟ تجيب بصوت يرتجف: «قبّلت والدتي وهي قبّلتني كثيراً ودخلنا غرفتين منفصلتين للعمليات. وأتذكر أنني طلبت من الدكتورة العاقوري أن تقول لي أربع كلمات فقط حين أستيقظ: نجحت العملية ووالدتك بخير. وهذا ما حصل».

لا خجل بعد اليوم
أتت الدورة الشهرية أول مرّة في حياة رهام (26 سنة) في شهر يونيو 2018. وهي تأتي من الأردن أسبوعياً إلى بيروت، حيث تخضع إلى فحوصات بإشراف الرئيس الفخري لقسم الأمراض النسائية والتوليد في مستشفى ومركز بلفو الطبي، البروفيسور في الجراحة النسائية والتوليد الدكتور جوزيف عبود. 

الصبية رهام شحادة تحدّت حالها، سعت، ونجحت. وهي تُتمتم بفخر حين نسألها عن كلمة تريد توجيهها إلى زوجها خليل: «إنشاالله تشوف عُمَر». هما اتفقا على تسمية ولدهما الأول عمر. وماذا لو أتت فتاة؟ تجيب: «لم نختر لها اسماً بعد». 

لخليل وفردوس والطبيبة رندا والدكتور عبود كل الحب من رهام، أمّا الصبايا اللواتي ولدن مثلها فتقول: «لا تخجلنّ كما خجلت أنا بل تحدّين حالتكن. وأتمنّى أن تجدن الشخص الذي يُشبه خليل لتُتابعنّ حياتكنّ معه». 

نودع رهام فرحة، نضرة، حالمة، على أمل أن نلقاها بعد ثمانية أشهر وهي تحمل عمر أو شقيقة عمر.