طارق الشناوي يكتب: السفارة المصرية تحتفى بالوفد المصري ولانزال في انتظار الفيلم الذي يسرق الإحساس

الفجر الفني

طارق الشناوي
طارق الشناوي


السفارة المصرية فى قلب برلين تبدو من فرط تفردها وكأنها قطعة معمارية فرعونية، وفى كل ركن فيها شىء حميم من تاريخنا القديم والمعاصر، وكأنه يعيد إلينا زمنا رائعا افتقدناه.

سفيرنا النشط فى العاصمة الألمانية بدر عبدالعاطى، المتابع لكل الأحداث الثقافية وليس فقط السياسية فى برلين، أقام حفل استقبال للمجموعة المصرية التى تضم عددا من الصحفيين والنقاد والإعلاميين، سافر أغلبهم على حسابهم الخاص، فهم لا يشكلون وفدا رسميا، حتى تطبق عليهم قواعد «البروتوكول»، التى تعنى أن هناك إخطارا رسميا من الخارجية للسفير، ولكن الرجل بمبادرة شخصية منه أقام حفل الاستقبال، كما أنه ترك لنا تحديد الموعد بل تغييره فى اللحظات الأخيرة بما يتوافق مع مواعيد عروض الأفلام، وهى من المرات القليلة، رغم تعدد تواجدى لحضور المهرجانات فى العواصم العربية والأوروبية، التى أجد فيها سفيرا مصريا يهتم بدعوة وفد غير رسمى ليس من بين أعضائه عدد من نجوم التمثيل والغناء، الرجل حريص على أن تصل الرسالة لنا جميعا بأن السفارة مظلة لكل مصرى.

كان من المفترض أن يقام هذا الحفل بمناسبة حصول محمد حفظى على جائزة هوليوود ريبورتر نظرا لعطائه السينمائى المتميز فى العام الماضى على أثر رئاسته لمهرجان القاهرة، والطفرة التى أحدثها بروح الشباب فى تلك الدورة.. ولكن لانتهاء «التأشيرة» لم يستطع الحضور. سبق للسفير أن أقام حفل استقبال للناقد الكبير سمير فريد بعد تكريمه بجائزة الإنجاز قبل عامين فى برلين، كما أنه فى عام 2016 عندما تعرض الناقد الإعلامى الكبير يوسف شريف رزق الله لأزمة صحية طارئة لم يتركه لحظة واحدة حتى عاد سالما للقاهرة.

قال لى السفير إنه كان يتمنى أن يجد عددا أكبر من الأفلام التى تحمل اسم السينما المصرية فى هذا المهرجان العريق، وأنه سبق أن تواصل فى السنوات الأخيرة مع ديتر كوسليك، رئيس المهرجان، لإيجاد فرصة أكبر للأفلام المصرية، إلا أن هناك معايير فنية لم تنطبق على الأفلام المرشحة، وبعضها كان يتناول قضايا مثل التطرف الدينى، التى تعنى كثيرا المهرجانات الأوروبية، لكن الرؤية السينمائية خذلت تلك الأفلام، فلم تتم الموافقة عليها.. بالطبع، تظل تلك التفصيلة غير قابلة للنشر بأسماء الأفلام التى عرضت على إدارة برلين، فليس المقصود هنا أبدا التشهير بأى عمل فنى، ولكن علينا إدراك أننا لم نتواجد فى برلين هذه الدورة ولا أغلب الدورات السابقة لأننا لم نقدم لهم الفيلم الذى يستحق.

بالطبع، لا تملك السينما المصرية من خلال منتجيها القدرة على عرض أفلام على هامش المهرجان، مثلا ستعرض المملكة العربية السعودية أربعة أفلام مساء الغد، وسط ترقب واضح لمتابعة الصورة السينمائية الآن فى المملكة، خاصة أنه قبل عامين عرض المخرج السعودى محمود الصباغ داخل قسم «البانوراما» فيلمه الطويل الأول «بركة يقابل بركة»، وهو بالنسبة لى حتى الآن أجرأ فيلم خليجى وليس فقط سعودياً على مستوى طرح القضايا الاجتماعية الشائكة المسكوت عنها إعلاميا وثقافيا، والسينما أراها دائما وهى تقف فى أول الصف لإحداث التغيير الإيجابى فى المجتمع، وهذا هو الدور الذى يلعبه المثقف فى المجتمع.

المهرجان يعلن جوائزه السبت القادم، بينما تتواصل العروض، ولا نزال فى انتظار الفيلم القادر على ضبط الصورة والإحساس، وهو ما لم يحدث حتى الآن، وكما يقول المثل اللبنانى «المليح يُبطئ»، وربما يأتى فى النصف الثانى من المهرجان.

ضربة البداية بفيلم الافتتاح «طيبة الغرباء» لا أراها بداية جيدة بقدر ما تقع فى إطار العمل الفنى جيد الصنع، الفيلم دنماركى وشاركت فيه أكثر من دولة إنتاجيا مثل فرنسا وألمانيا، تجرى أحداثه فى أمريكا للمخرجة الدنماركية لون شيرفيج، لغة الحوار هى الإنجليزية، طبعا هناك توجه يتبناه المهرجان فى الدفاع عن المهمشين وأيضا للوقوف بجانب المرأة كمخرجة، هذا قطعا لا يعنى أن اختيار الفيلم فى الافتتاح يرتكن فقط إلى أن مخرجته امرأة، الفيلم رشح من قبل إدارة المهرجان لأنه يستحق، والدليل أن المخرجة حصلت من قبل على «الدب الفضى» أفضل مخرج. البطلة فى الفيلم والتى أدت دورها «زو كان» تسعى لكى تلتقط رزقها وتعيش مع طفليها، بينما يطاردها بوحشية زوجها ضابط الشرطة الذى يريد الاستحواذ على الطفلين، نحن نتعاطف مع البطلة حتى فى أخطائها التى تؤدى بها لأن تسطو لسرقة ملابس أو طعام، أو هى بعد أن أعيتها الحيل تفتش فى صناديق القمامة عن بقايا طعام، ولا ينقذها إلا الغرباء المتعاطفون الذى يعيشون فى أمريكا فى هذا الشتاء البارد الذى لا ينافسه إلا برودة مشاعر الآخرين.. اللغة السينمائية أقرب إلى التعبير المباشر الذى لا يحمل أى لمحات من الإضافة الجمالية، وعلينا أن ننتظر معا ما ستسفر عنه الأفلام القادمة.. وهل حقا «المليح يُبطئ»؟!.