د. بهاء حلمى يكتب: أوروبا فى أحضان الفكر الإخوانى

مقالات الرأي

د. بهاء حلمى
د. بهاء حلمى



إذا كانت لندن تشكل العاصمة الأولى للإخوان فى العالم والتى توفر لهم الحماية والبديل باعتبار مسئوليتها التاريخية عن دعم تأسيس حركة الإخوان المسلمين فى عام 1928م  واحتضان قيادات العنف والتطرف وبناء تحالف وتوافق مستمر بين الطرفين.
 إلا أن القارة العجوز لم تعد تستطيع السيطرة على نفاذ المشروع الإخوانى ونشاطهم الفكرى والأيديولوجى على الصعيد الأيديولوجى أو الديمجرافى الذى بات يمثل تحديا للمجتمع الأوروبى ومبادئه وقيم مواطنيه والتماسك الاجتماعى، ويرجع ذلك لأسباب متعلقة بهوية واستراتيجية تنظيم الإخوان وأخرى مرتبطة بسياسات الدول الأوروبية وما آل إليه الوضع.
فمن ناحية هوية جماعة الإخوان المسلمين وأيديولوجياتها معروف أنها لا تؤمن بالدولة الوطنية أو الانتماء للوطن وتكمن هويتها فى تبعيتها لتنظيم دولى يسعى لتحقيق فكر حسن البنا الذى أصبغ أيديولوجية التنظيم بصبغة السياسة باعتبار أن الإسلام كلى شمولى يتناول جميع مظاهر الحياة، وحدد أهداف الحركة عند إنشائها بالعمل على تحرير مصر ثم العمل على إعادة الخلافة والوصول لمرحلة التمكين الشامل الذى يعنى سيطرة الإخوان، على أن يتم ذلك من خلال الاهتمام بالفرد والأسرة ثم الشعب وصولا للحكومة والتمكين على أوروبا والعالم.
وقد كرست تركيا وقطر كل الدعم المالى والإعلامى اللازم لإنشاء وتأسيس العديد من المنظمات والجمعيات والاتحادات التى تهدف إلى توطين وتمكين  المشروع الإخوانى بالدول الأوروبية تارة تحت ستار مساعدة وتمويل المشروعات فى المناطق التى ينمو فيها التيار الإخوانى وتارة أخرى تحت ستار التشجيع على الحوار مع استخدام مهارات الإخوان فى القدرة على التلون واستخدام أساليب الكذب والخداع لتنفيذ ونشر ثقافة الجماعة وأفكارها التى خرج من جوفها كل التيارات والجماعات الأصولية والجهادية الملتصقة بالعنف والإرهاب.
ولم تلتفت الدول الأوروبية بعد إلى مدى خطورة تنظيم الإخوان بسبب عدم إدراك الواقع على الرغم من المخططات الإرهابية التى طالتها من داخلها، والنمو المتسارع لقدرات تنظيم الإخوان واتساع نشاطه فى نشر أفكار الجهاد ورفض الحرية الدينية وعدم المساواة بين الجنسين على الرغم من التظاهر بقبول تلك المبادئ فى أوروبا.
 كما يتعاظم دور الجاليات الإسلامية الموجهة التى تخدم أهداف التنظيم مثل الجالية الإسلامية بفرنسا، وينشط أعضاء تنظيم الإخوان بالمجتمعات الأوروبية سواء أكانوا بصفتهم أعضاء بمنظمات حقوق الإنسان أو على مستوى المشاركة فى الفعاليات أو المناسبات المختلفة أم على صعيد إدارة واستخدام الماكينات الإعلامية والإلكترونية فى بث أخبار ومعلومات مزيفة ومحرضة ضد الدولة المصرية.
هذا بجانب استخدام الأموال القطرية فى توظيف المعارضة الإخوانية فى أوروبا للضغط على حكوماتها لتنفيذ أجندتها ضد مصر وحلفائها من خلال تشويه ملف حقوق الإنسان فى مصر أو حث دول الاتحاد الأوروبى على منع بيع المعدات الأمنية لمصر أو لحجب تصدير بعض أنواع التسليح لها بدعوى استخدامها ضد حقوق الإنسان أو بهدف التحريض على توقيع عقوبات اقتصادية فى الوقت الذى تجد فيه أوروبا نفسها فى أحضان وفكر الإخوان.
ونلاحظ تغيير مواقف بعض القادة والحكومات الأوروبية ومحاولة التنمر على مصر تنفيذا لمتطلبات المؤسسات الثقافية ومراكز الأبحاث والجمعيات الإخوانية التى تمكنت فى أوروبا وأرضاءً لهم، وهم غير مدركين مدى وعى وإدراك الشعب المصرى وإيمانه بأرضه ووطنه الغائب عن قاموس وثقافة جماعة الإخوان. 
 إلا أن التاريخ سوف يسجل لقادة وحكومات الدول الغربية تعاونهم مع جماعة الإخوان المسلمين التى تتميز بالازدواجية الأخلاقية وأطماع  تحقيق الخلافة على أوروبا والعالم، ومسئولياتهم عن عدم إدراج جماعة الإخوان المسلمين كجماعة إرهابية حماية لمجتمعاتهم.
 ويبدو أنه سوف تظهر خلال الفترة القادمة تقارير وتصريحات أخرى من رؤساء أو حكومات دول أوروبية أو غربية حول حقوق الإنسان والاختفاء القسرى والتعذيب فى مصر بجانب محاولات إثارة الفتن الطائفية والإرهاب لضرب السياحة أو للتأثير على معدلات التنمية الاقتصادية أو للنيل من الاستقرار الأمنى والسياسى بالبلاد، ولكنهم سوف يتأكدون من أن الدول لا تبنى بالشعارات أو المكائد وإنما بشعب يؤمن بوحدته وقدراته وأهدافه.