ابتهاج حامد تكتب: "الحقيقة ليست مطلقة"

ركن القراء

ابتهاج حامد
ابتهاج حامد


عندما كنا أطفالًا نشاهد مسلسلات الكارتون، كانوا يتعمدون تجسيد الشر في الملامح، الشخص الشرير سيكون بعينين حمراوين مثيرين للرعب، سيضحك ضحكة عالية ملؤها الشر والكراهية، سيثير النفور في نفسك بمجرد أن تراه، أما الطيبون فسيكونون ذوي بشرة بيضاء وعيون ملؤها الوداعة والصفاء، أصواتهم حنونة وهادئة، تستطيع بسذاجة طفل في السابعة من عمره أن تصنف الشخصيات بمجرد النظر، هذا سيء وهذا جيد، هذا سيسعى للشر وهذا للخير.

كبرنا.. حسنًا.. الأمور لا تجري هكذا في العالم الحقيقي، تبدو الأشياء أكثر تعقيدًا وتداخلًا، هذا العالم أكثر عشوائية مما اعتدت أن ترتب الأمور في رأسك، وفي عينيك.

ولم أعد أجرؤ على تصنيف البشر، وتوقفت عن إطلاق الأحكام بمجرد النظر، وجوه قاسية وجدت خلفها أرواحًا رحيمة، وأخرى ناعمة اختبرت معها الغلظة والقسوة، مع أول موقف جاد وقفنا أمامه، بل عرفت فئة ثالثة، هؤلاء الذين يتوسمون في أنفسهم الصلاح والخير، وهم شر الناس خفية، أنت ترى نفسك صالحًا ولا تفعل إلا الخير، إلا أن بداخلك كبر كفيل بأن يسقطك من عيني مع أول كلمة ستتفوه بها أمامي، أنت جميل ووديع حين تكون هادئًا، ولكن وجهك يثير فيّ النفور حين تنفعل وتطلق اللعنات والأحكام على البشر بلا رحمة.

ومن قال أن الشر سيتجسد في وجه يشبه الشيطان؟ ومن قال أن الخير دومًا سيسكن الوجوه الملائكية؟ زوجة والد سندريلا التي كادت لها المكائد وقست عليها، هناك عشرات الأمثال لها في عالمنا، بشعر أشقر وبشرة ناعمة وابتسامة ساحرة، هذا الذي يحييك بحرارة كل صباح، من يدري؟ ربما هو ذات الشخص الذي يطعنك في ظهرك كل مساء، وهذا الذي يتجاهلك تمامًا، قد يحمل لك الخير أضعافًا مضاعفة، هذا الذي يدعي الورع، قد يتجاهل فتاة تستنجد به في الشارع من سارق أو متحرش، ويسرع إليها هذا الذي تنتقد قصة شعره!

والحقيقة ليست مطلقة، والأمور ليست دائمًا كما تبدو.. عالم الكارتون كان أكثر شفافية من هذا العالم.