طارق الشناوي يكتب: فيلمان من (قعر القفة).. آدم "بيتمرمط" وفتحى "بيعكنن"!

الفجر الفني

أحمد أدم
أحمد أدم


تستطيع أن ترى نجمين يقفان على طرفى نقيض، أحمد آدم الذى وصل لمرحلة ما بعد التشبع، حيث إنه قد توقف عند حدود شخصية القرموطى وهاتك منذ ذلك الحين يا قرمطة، فانتهى به المطاف إلى (قرمط بيتمرمط)، بينما الثانى وهو أحمد فتحى لا يزال يبحث عن نقطة البداية كبطل كوميدى يتصدر التترات والأفيش وهى مرحلة تبدو حتى الآن ضبابية، بل وبعيدة المنال، فتحى لا يدرك أنهم يذبحونه قبل الأوان، فصنعوا له شيئا سخيفا أطلقوا عليه «ساعة رضا»، لا تدرى من الذى اعتقد أن ما نراه على الشاشة من الممكن أن يؤدى لضحك أحد.

من الممكن أن ألتمس العذر لأحمد آدم، فهو يتحرك فى دائرة محدودة جدا من الترشيحات، بعد أن ضاقت أمامه الاختيارات، بينما المفروض أن فتحى يطل على الخريطة الفنية التى تفتح له ذراعيها وتسمح له بأن ينتقى، فهو مشروع نجم كوميدى قادم، فتحى لديه بلا شك حضور خاص، فما هو سر هذا الانحدار الذى يعيشه؟.

الفيلمان ينطبق عليهما توصيف سينما الإمكانيات المحدودة، وعلى قد لحافك قرفص رجليك، فى هامش ضئيل جدًا يتحرك أحمد آدم، بما لديه من أسلحة يدوية للضحك، أراها فى جزء كبير منها وقد انتهى عمرها الافتراضى، ولكن لا يزال هناك من يتجاوب معها، والدليل أن لدينا فعلًا فيلمًا معروضًا على الشاشة، مهما تضاءلت إيراداته فهو من المؤكد يتنفس فنيًا، آدم يجد شركة إنتاج ترصد ميزانية وتنتظر أيضًا ربحًا.

(قرمط بيتمرمط) هو آدم كما عرفناه وخبرناه فى أفلامه الأخيرة، هذا هو آخر تلك المراهنات بعد أن شاهدنا له قبل عامين (قرمط على خط النار)، القرموطى شخصية درامية ولدت قبل ربع قرن، وارتبطت به، أعتقد أن آدم هو الذى منحها الحضور الدرامى التى باتت عليه، حتى لو كان الكاتب الراحل مصطفى الوشاحى هو الذى صنع ملامحها العامة، فإن آدم أضاف الكثير من التفاصيل، وحققت تلك الشخصية نجاحا فى مسلسل (سر الأرض)، ولهذا فإن آدم بين الحين والآخر يستدعيها مجددًا من الأرشيف لكى تواصل الحياة بعد أن صارت له عنوانًا، بل تستطيع أن تقول إنها الوحيدة التى خرج بها فى الحياة الفنية بعد كل معاناة السنين.

هذه المرة استعان بالمخرج اللبنانى أسد فولادكار، الذى قدم من قبل مسلسل سيت كم (ست الستات). هذا التوجه فى اختيار المخرج يعنى أن آدم لن يسيطر تماما على الفيلم (من ساسه لراسه) كما تعود، لأن المخرج له شخصية، كما أنه استعان بكاتبين من هذا الجيل، أمين جمال ومحمد محرز، وهذا يشير نظريا أيضا إلى أنه سيجد شيئا طازجا على مستوى الضحك من الممكن أن يُقدمه، إلا أن الميزانية المحدودة تؤدى قطعا لتراجع الكثير من الأحلام الممكنة، فيتحول الحلم إلى كابوس.

ما الذى يدفع شركات الإنتاج للإبقاء حتى الآن على عدد من النجوم، الذين خفت فى السنوات الأخيرة كثيرا تواجدهم الجماهيرى، مثل محمد هنيدى ومحمد سعد وأحمد آدم؟ بحساب الأرقام تراجعت الإيرادات داخليا، إلا أنك عندما تبحث عن السبب تكتشف أن لديهم فى الخليج هامشا من الجمهور لا يزال يحفظ العِشرة القديمة، ويعمل حسابا للعيش والملح، وهكذا تُقدم الأفلام فى ظل هذا الإطار، أقصد أن إيرادات التوزيع الخارجى هى التى تحقق لهم البقاء.

لو عقدت مقارنة بين (قرمط بيتمرمط) وفيلمه قبل الأخير (قرمط على خط النار)، لقلت على الفور إن (بيتمرمط) هو الأفضل، على الأقل هناك محاولة لإضافة عنصر مرور الزمن للشخصية، قرموطى نراه فى مرحلة الكهولة، الدراما تضرب بعشوائية فى عدة اتجاهات، تفضح إسرائيل التى تحاول أن تنسب لنفسها الفضل فى بناء الأهرام وتعتبره إنجازا يهوديا، من خلال الصحفية التى أدت دورها دينا فؤاد تكشف هذا الادعاء، كما أنه ينتقل إلى برامج (التوك شو)، مع مى سليم التى تؤدى دور المذيعة لنكشف كيف تتم تركيبة البرنامج، آدم يلعب شخصية (الفشّار)، وهى حالة درامية حميمة صارت لصيقة بآدم وكأنه القرموطى، وذلك منذ انطلاقها، تستطيع أن تجد لديها (جينات) قربى ونسب مع شخصية درامية عرفتها مصر قبل نحو 60 عاما، وهى (أبولمعة الأصلى)، أقصد الفنان محمد أحمد المصرى الذى شكل مع (الخواجة بيجو)، أدى دوره فؤاد راتب، ثنائيا بزغ بعد ثورة 52 من خلال الإذاعة المصرية، وكان الهدف السياسى الكامن هو إثبات أن الفهلوى المصرى قادر على سحق (الخواجة) المستعمر العبيط.

فى (قرمط بيتمرمط) يواصل أيضا آدم الفشر، مدعياً أن سلالته تعود إلى عمق التاريخ الفرعونى ويبدأ فى جولة مع السياح، وبالصدفة يصبح شاهدا على جريمة قتل فى الأهرام، عندما يلتقى مع الصحفية دينا فؤاد التى صورت مشهد الجريمة الذى سيتحول إلى وثيقة.

ننتقل فى مطاردات متتالية حتى يتم إلقاء القبض على العصابة.

ويبقى السؤال هل أخطأ آدم؟ علينا أن نُطل على الموقف من خلال زاوية رؤية آدم، لا أتصور أن من العدالة أن نطلب من فنان أن يتوقف عن المحاولة لمجرد أنه بدأ يفقد حضوره عند الناس، فما الذى يملكه سوى المحاولة وحتى آخر نفس من أجل البقاء، وهكذا سيواصل طرق الأبواب؛ القرموطى الكهل من محاولات آدم الأخيرة للتنفس، هل يملك آدم فى هذه المرحلة العمرية ترف الاختيار؟ الإجابة قطعا معروفة لديكم.

كنت قد اخترت فى البداية للمقال عنوان (سايق عليك النبى كفاية قرمطة)، حيث لم أكن قد شاهدت بعد فيلم (ساعة رضا) بطولة أحمد فتحى، وبعد المشاهدة اكتشفت أنها كانت أشق ساعة ونصف الساعة قضيتها فى دار عرض، عشت (ساعة ونصفاً من العكننة)، ووجدت أن القرموطى يستحق منا بعد تلك المحنة التى عشتها مع (ساعة رضا) أن نوجه له الشكر، فلقد كان حقا (قضا أخف من قضا».