خريطة تمويلات «القاعدة» و«داعش» فى إفريقيا

العدد الأسبوعي

خريطة تمويلات «القاعدة»
خريطة تمويلات «القاعدة» و«داعش» فى إفريقيا


كوكايين وترامادول وفحم مهرب وسلاح وخطف رهائن.. مليار دولار تجنيها التنظيمات الإرهابية سنوياً

هجمات إرهابية مروعة، شهدتها العاصمة الكينية نيروبى، قبل أيام، استمرت سبع ساعات كاملة، واستهدفت مجمعاً للفنادق فى منطقة ريفرسايد فى ويستلاندز، كانت دليلاً «باهظ التكلفة»، بالنسبة للإدارة الأمريكية، على سوء تقديرها لحجم الخطورة الحقيقية التى لايزال يشكلها تنظيم القاعدة فى شرق إفريقيا، على المصالح الأمريكية والأوروبية هناك.

الهجمات التى ضربت، مكاتب وشركات متعددة الجنسيات، يضمها المجمع الفندقى الشهير بنيروبى، وأسقطت 21 قتيلاً بينهم جنسيات غربية، نفذها مسلحو حركة «مجاهدى شباب الصومال» المنتمية للقاعدة والتى سبق وأن أعلنت إدارة ترامب، أن الضربات الأمريكية المتلاحقة ضدها، واستهداف قياداتها الحركية، قد أضعفتها بحيث لم تعد بنفس خطورتها السابقة، سواء على الأمن القومى الأمريكى، أوعلى الدول المجاورة.

الهجوم الوحشى فى نيروبى، تم اختيار موقعه بعناية فائقة، فى مجمع فندقى بالغ الأهمية، يضم شركات متعددة الجنسيات ومنظمات مرموقة، وقريب أيضاً من فندق كيمبنسكى، مقر إقامة الأجانب، ورؤساء الدول عند زيارتهم لكينيا، كما يبتعد بمسافة 4 كم فقط عن القصر الرئاسى الكينى، ويفصله مسافة سيراً على الأقدام من السفارة الأسترالية.

وفور الهجوم، أعلنت الإدارة الأمريكية أن 130 جندياً، يتمركزون فى ولاية نيوجيرسى الأمريكية، سيتم نقلهم للقاعدة الأمريكية فى الصومال لمواجهة «حركة الشباب»، وأنهم سينضمون إلى 500 آخرين، يعملون هناك فى مجال مكافحة الإرهاب، وتدريب القوات المحلية.

بالهجوم الدامى، فرضت «حركة شباب الصومال» إذن نفسها على مشهد الإرهاب العالمى من جديد، وأكدت إصرارها على استمرار استهدافها لكينيا، والمصالح الغربية فيها، عقاباً لها لمساعدة الحكومة الصومالية التى تناهضها الحركة الإرهابية.

كما أعادت «حركة الشباب» إلى الأذهان أيضاً ذكرى هجماتها الدامية، وأبرزها، هجوم مركز «ويستجيت» للتسوق فى 2013، الذى أسقط 67 قتيلاً، وكذلك المذبحة الدامية فى جامعة جارسيا إبريل 2015 التى أسفرت عن مقتل 148 شخصاً، غالبيتهم من الطلبة.

وأعقب تلك الهجمات، ضربات أمريكية متتالية ضد «الشباب»، وصلت إلى 15 غارة جوية، شهدها عام 2016، بخلاف 35 غارة فى عام، 2017، و47 أخرى فى عام 2018، فيما شهد يناير 2019 فقط 6 ضربات جوية ضد التنظيم.

يأتى النفوذ العائد للتنامى لتنظيم حركة شباب الصومال، ذراع القاعدة الخطر فى شرق إفريقيا، فضلًا عن توسع نشاطاته وهجماته داخل الصومال وخارجها، كمؤشر خطر، يحتم ضرورة التحرك فى مواجهة مصادر تمويل التنظيم، والتى تتنوع ما بين الخطف والقرصنة، وطلب الفدية، وتجارة السلاح، وأيضاً فرض الجبايات والضرائب على أهالى المناطق التى يسيطر عليها، وترتكز بالأساس على التجارة غير المشروعة فى تصدير الفحم، الكنز التمويلى الأكبر للحركة.

وكان تقرير سابق لمراقبين تابعين للأمم المتحدة قد حذر قبل سنوات من أن «الصادرات غير القانونية من الفحم الصومالى درت على جماعة الشباب، المحسوبة على تنظيم القاعدة، ملايين الدولارات، كما مولت هذه الصادرات ميليشيات قبلية أخرى، مما يمكن أن يتسبب فى إشعال التوترات بين أمراء الحرب».

وفى محاولة لتضييق الخناق على «حركة الشباب»، بحسب التقرير، سبق أن حظر مجلس الأمن الدولى فى 2012، تصدير الفحم من الصومال، ثم عادت الحركة بعد ذلك بشهور بفضل علاقاتها مع شبكات التجارة المحلية، لاستئناف عمليات التصدير.

وعادت حركة الشباب إلى التجارة فضلًا عن السطو وسرقة شحنات الفحم العابرة أمام سواحل الصومال بعد ذلك بشهور بفضل روابطها مع شبكات التجارة المحلية وحصلت على عوائد من نحو ثلث الكميات المصدرة.

ونقل التقرير عن «مجموعة المراقبة الصومالية الإريترية» المشرفة على الالتزام بعقوبات الأمم المتحدة على البلدين أنها «أحصت 161 سفينة قامت بتصدير الفحم من ميناءى كيسمايو وبراوى الواقعين فى جنوب الصومال فيما بين يونيو 2013 ومايو 2014، رغم حظر مجلس الأمن لصادرات الفحم من الصومال فى فبراير 2012».

وتابع: «يمكن تقدير إجمالى قيمة الفحم المصدر فى 2013 و2014 فى السوق الدولية بأكثر من 250 مليون دولار، ويمكن أن يساوى أكثر فى ضوء أن مجموعة المراقبة ربما لم تتعرف على كل الشحنات».

مخاوف من سيطرة التنظيمات الإرهابية على دول إفريقية بأكملها، وناقوس خطر جديد أطلقه موقع إنترسيت الاستخباراتى الأمريكى مؤخراً، نقلاً عن القيادة العسكرية الأمريكية فى إفريقيا المعروفة بـ«أفريكوم»، وحذر من تنامى خطر تنظيمات القاعدة وداعش وبوكو حرام، فى دول مثل ليبيا وتشاد ونيجيريا والسنغال والنيجير ومالى.

واحتمالات بسيطرة تنظيم داعش على غرب ليبيا، فيما يستغل عائدات النفط فى الجنوب وتحديداً فى منطقة الساحل والصحراء، فتتصاعد أهمية إفريقيا كوجهة مستقبلية للتنظيم بعد سقوط معاقله فى سوريا والعراق.

وفى إبريل الماضى، صرح عبدالقادر مساهل، وزير الخارجية الجزائرى، بأن تقارير الأمم المتحدة تشير إلى أن قيمة تمويل الإرهاب فى إفريقيا وبالخصوص فى منطقة الساحل تبلغ أكثر من مليار دولار، وأن مصدر هذا التمويل يأتى من التهريب، وتجارة المخدرات أو الاتجار بالبشر أو الهجرة غير الشرعية أو دفع الفديات.

وحدد مساهل 11 مصدراً لتمويل التنظيمات الإرهابية فى إفريقيا، خاصة فى منطقة الساحل، بحسب دراسة لـ«مجموعة مكافحة غسيل الأموال لدول غرب إفريقيا»، ومن هذه المصادر، «التجارة وبعض النشاطات المربحة، ومنظمات غير حكومية ونشاطات خيرية، وتجارة السلاح والمخدرات وتقليد المنتجات كالأدوية، والقرصنة واختطاف الرهائن والهجرة السرية، والتسول، والمنتجات الزراعية وتحويل الأموال».

وعلى الرغم من فرض الولايات المتحدة الأمريكية، عقوبات فى السابق على أبو بكر شيكاو، زعيم جماعة بوكو حرام، الموالية لتنظيم داعش، فى نيجيريا، غير أن تلك العقوبات كانت غير ذى جدوى للجماعة الإرهابية، التى تعتمد فى تمويلها بالأساس على عمليات إجرامية أبرزها خطف الرهائن، والحصول على الفدية.

وقد كشف تقرير سرى لحكومة نيجيريا قبل سنوات، أن مفاوضين من فرنسا والكاميرون دفعوا لبوكو حرام ما يعادل 3.15 مليون دولار قبل إطلاق سراح فرنسى وزوجته وأولاده الأربعة، قامت باختطافهم، وسبق أن صرح بعض المسئولين الأمريكيين خلال السنوات الماضية، بأن الجماعة تتلقى مليون دولار مقابل إطلاق سراح كل ثرى نيجيرى تختطفه.

فيما حصلت بوكو حرام أيضاً على دعم مالى كبير من تنظيم «القاعدة ببلاد المغرب الإسلامى»، لإطلاق سراح قيادات بالحركة كانت قد اختطفتهم.

وبخلاف دخول تجارة المخدرات خاصة «الترامادول» فى تمويل تنظيم بوكو حرام فى غرب إفريقيا، ثبت أيضاً تورط جماعة «أنصار الشريعة» التونسية والمجموعات السلفية، بل تنظيم «القاعدة فى بلاد المغرب الإسلامى»، فى عمليات تهريب واسعة النطاق للمخدرات وتحديدًا الكوكايين فضلا عن السلاح، وهو وضع يتكرر كذلك على الحدود الجزائرية مع النيجير وليبيا ومالى، حيث تسيطر «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين «التابعة لتنظيم القاعدة».

فيما تحول مختار بلمختار زعيم تنظيم «المرابطون» نفسه إلى ماركة مسجلة فى العلاقة الحرام بين الإرهاب وجريمة تهريب البضائع والسلاح، فيما أصبح يعرف بلقب «السيد مارلبورو»، ويشار إليه كأحد أساطير تهريب السجائر والسلاح من مالى والنيجر إلى دول الشمال الإفريقى.

وكان تحالف تعاون قد تم إقراره بداية 2015 بين عدد من شبكات التهريب الإفريقية، تضم عناصر من بلاد المغرب العربى إلى جانب آخرين من دول بعينها كالسودان والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد ومالى وبنين، وبين عدد من التنظيمات الإرهابية المسلحة كأنصار الشريعة التونسية و«القاعدة فى المغرب العربى» وداعش ليبيا فضلا عن «المرابطون»، تحصل بموجبه الجماعات المسلحة على نسب من أرباح تلك المنظمات مقابل تأمينها وحراسة أنشطتها وعملياتها غير المشروعة.