أمهات بلا قلب فى دفاتر الشرطة

العدد الأسبوعي

طفل البلكونة
طفل البلكونة


سيدة تقتل ابنها بالماء المغلى من أجل الحشيش وأخرى تعذب طفلها وتقطع رجليه

انتشر فيديو «طفل البلكونة» كالنار فى الهشيم خلال الأيام الماضية، وأحدث حالة من الجدل كبيرة بين المصريين، بين متعاطف مع الأم التى اضطرها الفقر إلى المخاطرة بحياة ابنها، وبين من طالبوا بمعاقبتها أشد العقاب لإهمالها الذى كاد يودى بحياة طفل وضع روحه أمانة بين كفيها فلم تبال به.

الفيديو الذى أصبح «تريند» على كافة وسائل التواصل الاجتماعى، ظهرت فيه سيدة تدفع طفلها إلى تسلق نافذة المنزل ليفتح باب الشقة، وسط صرخات الجيران، لكن، رغم تصريح الأم باضطرارها لذلك لعدم وجود أموال لديها كافية لجلب نجار، إلا أن هناك العديد من الحالات الأخرى، التى تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن بعض الأمهات اختفت الرحمة من قلوبهن، وألقين أبناءهن فى التهلكة بيديهن.

وأكد ذلك آخر تقرير لمنظمة «يونسيف»، التابعة للأمم المتحدة، حيث أشار إلى أن مصر واحدة من أكثر الدول التى سجلت حالات اعتداء للآباء على الأبناء، وخاصة الأمهات، معتبرا إياهن الأكثر عنفاً تجاه أطفالهن.

«الفجر» بدأت التحقيق فى وقائع تعدى الآباء على الأبناء، من واقع ما تم تسجيله فى دفاتر محاضر أقسام الشرطة، التى كشفت أن محافظات القاهرة الكبرى تليها المنصورة ثم صعيد مصر هى الأكثر تعدياً على الأطفال، إذ يتعرض بها الأطفال للعنف الأسرى والجنسى معاً.

آخر وقائع تعدى الآباء على الأبناء كانت فى منطقة الوراق، حيث أقدمت أم على تقييد نجلها البالغ من العمر 12 عاما، من يديه وقدميه، وضربته ضرباً مبرحاً لخروجه دون أذنها حتى فارق الحياة، وهناك حالة تعذيب أخرى، تعرض لها طفل بمحافظة الشرقية، أقدم والده على تعذيبه بسيخ حديدى لإجباره على العمل معه فى مجال السباكة، ما أصابه بنزيف حاد فى المخ.

أما منطقة المرج فشهدت واقعة مشابهة، إذ قامت زوجة الأب بتعذيب طفلتين إحداهما 7 سنوات والأخرى 10 سنوات، ما دفعهما للهرب من المنزل، وبعد العثور عليهما تم إبلاغ القسم الذى اتخذ اللازم تجاه المتهمة، وفى حلوان، قام أب بتعذيب ابنه ذى الثلاث سنوات حتى الموت، بسببه شكه فى سلوك والدته واعتقاده أنه ليس ابنه.

أما منطقة الموسكى، فشهدت إقدام أم على قتل نجلها بالماء المغلى، وأحيلت الأم لمحاكمة جنائية عاجلة على خلفية اتهامها بقتل نجلها، بعدما أقدمت على ضرب طفلها ابن العامين ضرباً مبرحاً، ثم سكبت عليه الماء المغلى وقتلته متعمدة، وتبين من التحقيقات أن الأم تتعاطى الترامادول ومخدر الحشيش، فيما أقدمت أخرى على تعذيب ابنها حتى قطعت رجليه.

وتعليقا على ما سبق، قال أحمد مصيلحى، المحامى، رئيس شبكة الدفاع عن حقوق الطفل، انتشرت حالات اعتداء الآباء على الأبناء بشكل كبير مؤخرا، ولم يقتصر الأمر فقط على الأم والأب، إذ شمل أيضا اعتداء الأقارب.

وأضاف: من بين الحالات التى تعرضت لعنف من الأب وزوجته الطفلة يسر، بنت الـ13 عاما، التى تعذبت على يد والدها وزوجته لدرجة إحداث إصابات بالغة بالقدم، استدعت بتر قدمها، مشيراً إلى أن الداعين لعدم معاقبة الأم لكونها تنفق على باقى أبنائها يريد تعديل القانون الذى لا يقبل النقاش.

وأوضح مصيلحى، أن الظروف الخاصة يناقشها القاضى فقط، فهو المخول له تقديرها، والقانون نص على أنه فى حالة تعرض طفل للخطر، وهذا الخطر أثر على حياته، يعاقب مرتكب هذا الفعل بـ6 أشهر وتضاعف المدة فى حالة إذا كان الجانى هو القائم على رعاية الطفل.

وكشف المحامى الحقوقى لـ«الفجر» أن هناك حالة اعتداء على الأطفال من قبل الآباء يومياً، والسبب الرئيسى لذلك هو انتشار العنف فى المجتمع، فى ظل غياب دور المجلس القومى للأمومة والطفولة، الذى يتلخص فقط فى تقديم البلاغات، ولا يقدم أى دور رقابى، حتى إن خطوط نجدة الطفل التى خصصها فى الغالب لا يتم الرد عليها.

وفيما يتعلق بتخفيف العقوبة، قال إن المادة «17» من قانون العقوبات نصت على تخفيف الحكم فى حال إذا كانت الظروف التى تمت فيها الجريمة تستوجب التخفيف، طبقاً لرؤية القاضى، ولكن هذا لا يعنى إلغاء العقوبة كما هو الحال فى واقعة طفل البلكونة، فما زالت القضية محل تحقيقات وتمت المطالبة بتفريغ فيديو تصوير الواقعة بالكامل لكونه الدليل الوحيد.

وأرجع جمال فرويز، استشارى الطب النفسى، انتشار حالات الاعتداء على الأبناء إلى غياب الوعى الثقافى، مشيراً إلى أن تعرض الأطفال للتعدى فى الصغر يجعلهم عرضة للأمراض النفسية فى الكبر، وهذا ما لاحظه من كثرة تترد العديد من الحالات التى تعرضت لاعتداء جنسى فى الطفولة على عيادته، بعد معاناتها من أمراض نفسية.

وشدد فرويز على أهمية تكاتف مؤسسات الدولة للحد من هذه الظاهرة، فالتوعية النفسية يجب أن تصاحبها توعية ثقافية ودينية لتجنب هذه الظاهرة الدخيلة على المجتمع.

وأكد أسعد هيكل، المحامى بالنقض، أن البعض يحاول الإفلات من العقاب بادعاء المرض النفسى، وطبقاً للقانون يمكن القول بعدم مسئولية الشخص الذى يرتكب جريمة، طالما ثبت أنه وقت ارتكابها كان يعانى من اضطراب نفسي أو عقلى أفقده القدرة على الإدراك.

وأشار هيكل أن قانون العقوبات نص فى الباب التاسع منه تحت عنوان «أسباب الإباحة وموانع العقاب» على عدم مسئولية الشخص جنائيا فى هذه الحالة، وفيما يتعلق بتخفيف العقوبة فى هذا النوع من الجرائم قال هيكل إن الأمر يخضع لتقدير المحكمة، فإذا وجدت أن هناك شواهد أو قرائن تستوجب تخفيف العقوبة يتم تخفيفها.