د. رشا سمير تكتب: حملة #خلينا نهرتل

مقالات الرأي



أصبحنا مؤخرا لا ننتفض إلا للتفاهات ولا ندعم إلا الأشياء الرخيصة ولا نتخذ إلا المواقف المتأرجحة ولا نقف سوى فى وجه المعانى النبيلة ولا نسكن سوى خانة السلبيات!.

ماذا حدث للمصريين؟..سؤال طرحه المفكر الكبير جلال أمين ولم نجد له إجابة حتى الآن..

هل تغير الزمان أم تغيرت الأخلاق؟ هل تتجزأ المبادئ أم أن الإنسان وعاء واحد ينضح بما فيه؟

بالأمس كان المتملق والمدلس والمطبلاتى وعديم الأخلاق يُدارى نفسه حتى لا تلتقطه العيون أما اليوم فقد أصبح الجهر بالفواحش بل الدفاع عنها ثم التصفيق لها هو سمة المجتمع بأكمله!.

من يرتكب الفاحشة يجد لنفسه ألف مبرر ومن يرتاد الجوامع ويقبل الرشاوى يجد للرشوة ألف اسم بديل!.

هل الطبيعى أن أكون برلمانى وزير نساء، أو داعية ومنافق، أو كاتب لا يبحث سوى عن البروباجندا الإعلامية، أو إعلامية بلا محتوى سوى الفرقعات الفارغة، أو طبيب لا يحكم تصرفاته سوى أطماعه، أو رب أسرة هو قدوة سيئة لأبنائه؟

فى الآونة الأخيرة انتشرت حملة (خليها تصدى) وهى حملة لمجابهة جشع تجار السيارات والواضح أنها بالفعل أتت ثمارها وبالفعل بدأ التجار يتراجعون ولكن..

ولأننا أمة جدها هزل وهزلها جد ظهرت ألف حملة مماثلة كان الأجدى أن تكون حملات لمقاطعة اللحوم والدواجن والخضروات..فبشر بلا إرادة هم بشر لا يستحقون الحياة..

هكذا ظهرت حملة من الشباب تحت هاشتاج رخيص هو (خليها تعنس) وهى حملة لمقاطعة الزواج لمغالاة أهل العروس فى الطلبات! ولأن الرخص والتدنى أصبح عنوان مجتمع يتخبط فقد أصبح من حق الفتيات أن ترد بحملة أكثر شراسة تحت هاشتاج (خليه قاعد جنب أمه)!

وتتوالى الحروب الفارغة، ونسن أسنة رماحنا فى وجه التفاهة والوهم..وتبسط مواقع التواصل الاجتماعى سطوتها لظهور المحتوى الفارغ والرخيص..

تتعرض العلاقة فى المجتمع اليوم إلى حملات شرسة من قبل أشخاص يبحثون لأنفسهم عن متابعين وعن حساب متضخم فى البنك ولا يعملون إلا للتلميع والظهور حتى لو كان ذلك على حساب انهيار مؤسسة الأسرة..هؤلاء الأشخاص نجحوا فى تحويل تلك العلاقة التى كان من المفترض أن تصبح علاقة تكامل أو تنتهى بطلاق متحضر إلى خناقة وتحدٍ ووصلة ردح..

المركز القومى للمرأة اعترض وناشد الفتيات بالتراجع عن الهجوم، فأبين متعللات بأن البادئ أظلم..والرجال مازالوا يحشدون ويسخرون..ومن تلك الحملات ظهرت حملة (خليها تسوس) ضد أطباء الأسنان و(خليها تبيض) ضد غلاء أسعار الولادات!.

إذن تحول الأمر إلى سخرية لا معنى لها..لست ضد النكتة ولا الفكاهة لأن الشعب المصرى شعب تعود أن يتغلب على محنه بإطلاق النكات، وهى وسيلة تنفيس رائعة وأنا شخصيا أعتقد أن خفة دم المصريين من أهم أسباب بقائهم على قيد الحياة حتى الآن..

«الهرتلة» فى القاموس هى كلمة عامية دارجة تعنى الهرى والكلام الفارغ بلا معنى! فكيف أصبحت تلك الكلمة اليوم هى عنوان مجتمع بأكمله؟

ولأن الشىء بالشىء يُذكر فإن عدد الكتاب الذين قاموا بنشر كتب فى معرض الكتاب هذا العام تجاوزت مفهوم الهرتلة..مئات العناوين ودور نشر لا أنزل الله بها من سلطان تطبع وتوزع بمحتوى فارغ..بل أحيانا عناوين بمحتوى سافر، والأكيد أن منع تلك الكتب يؤدى إلى إقبال منقطع النظير عليها!.

وبرغم المظهر الحضارى للمعرض الذى يدعونا لتعظيم سلام من القلب للقوات المسلحة ومساهمتهم المحترمة فى إقامة معرض أضاف لمصر وأعادها إلى ريادتها الثقافية وسط الدول..بكل أسف لم يكتمل المظهر بسبب إخفاق مسئولى الثقافة فى تنظيم الندوات وعمل الدعاية الكافية لها والسماح لكل من هب ودب بعمل حفل توقيع ما جعل المحتوى الثقافى يبدو وكأنه فرح العمدة!.

هكذا أصبحت الهرتلة جزءا من محتوى فارغ فى كل المجالات.. وهكذا تحولت العلاقات فى المجتمع بفضل هذه المهاترات إلى علاقات فاترة باهتة تتحكم فيها السوشيال ميديا..

حملات التشهير والتلميع على السوشيال ميديا قضت على كل نفيس ومحترم ووجهت طاقتنا للسلبية فتوارت الإيجابية فى كل المجالات..

أتمنى أن نوجه طاقاتنا إلى الاستفادة من السوشيال ميديا بشكل يضيف للوطن كما يحدث فى كل دول العالم المتحضر..

لم يعد هناك مكان للحلنجى ولا الفهلوى ولا الفاشل فى مرحلة البناء..فإما أن يتواروا وإما أن نُبيدهم بالتجاهل..

دعونا معا نتبنى حملة #فلتسقط الهاشتاجات الفارغة!.