رامى المتولى يكتب: «الضيف» يكشف الجانب المظلم فى حياة التنويريين

مقالات الرأي



أفكار وقضايا مهمة.. أفسدتها رؤية سينمائية ضعيفة

نمط حياة مخيف ومرعب أن تكون أفكارك محط رفض من قبل من حولك نمط الحياة الذى تختاره لأنه مناسب ويحقق لك الشعور بالراحة يتحول لتهديد بالنسبة للآخرين مثيرًا لحفيظتهم ويكون سبب الراحة هو السبب المباشر فى التهديد والخوف والأذى والثمن مدفوع دائمًا بالدم أو الحرية عند الدفاع عن نمط الحياة المناسب والمريح.

«الضيف» الفيلم الذى ستجد فيه لمحات من كتابات مفكرين وتنويريين متعددين مجتمعين فى شخصية دكتور يحيى (خالد الصاوى) الذى يبدأ وينتهى يومه بمعاناة تقترب بالتأكيد من عشرات الأسماء التى تواجهه يوميًا على أرض الواقع تهديدات بالقتل وتشويه متعمد وممنهج، ومن هنا تأتى الأهمية الأكبر لهذا الفيلم هو محاولة تقريب واقع يومى أصبح يواجه كل من يتحدى فكريًا أى كهنوت دينى، دائمًا ما يتخيل الكثيرون أن المناضلين ضد سيطرة تيارات الإسلام السياسى ومناصرى نظام الخلافة هم فى الواقع محميون من جهات عدة وأقوياء فى حين أن الصورة الحقيقة مختلفة وأن دفاعاتهم ضد الأذى هشة.

يوم دكتور يحيى يبدأ بشكل تقليدى وصولًا للحدث الأهم هو عشاء التعارف بينه وبين زميل ابنته فى الجامعة المتقدم لخطبتها وهو الحدث الرئيسى الذى يمثل المواجهة الأهم والتى تتحول فيه الشخصيات بشكل حاد من مجرد أفراد يعيشون واقعا يوميا إلى منابر للأفكار والتوجهات يعبر كل منهم عن حالة عامة تضم قطاعات كبيرة تدين بنفس الأفكار وتعبر عنها وتتعامل مع نفسها حتى عبر وسائل التواصل الاجتماعى على أنها كتلة مؤثرة تساهم فى تحريك وتوجيه الرأى العام.

حجر الأساس هو يحيى حوله شخصيات هامشية تتفاعل معه بدرجات متفاوتة تعبر بشكل سريع ومكثف عن معارك يحيى السابقة مع معارضى فكره، المعتدلين الذين يلجئون للمحاكم لتصفية نزاعاتهم ومن حوله الذين يشككون فى تدينه من الأساس على الرغم من كونهم مكلفين بحمايته والسيدة البسيطة التى تصنع طعامهم وترى أن القرآن الكريم يدعو لتقديس البخارى، خلطة من الجهل واعتبار الشائعات حقائق مسلم بها دون التحقق، قادرة بسهولة على خلق جو عام معاد بمنتهى اللطف يمكن استشعاره، يبدو مستئنسًا لكن يمكن أن ينفجر عند لحظة معينة دون أى اعتبارات، مع حلول المساء تختفى الشخصيات المقربة ويزداد الوضع حميمية بالعائلة والقادم الراغب فى خطبة الابنة.

فى الجزء الثانى الذى يبدأ بحلول الضيف تتحول القصة لمبالغات أكثر وحوار ثنائى وثلاثى طويل يبدو أكثر وكأنه صراع فكرى وحرب عقلية أكثر منه فيلم سينمائى، الشخصيات تحولت لمنابر جدال، قضاة ومتهمين بالتبادل فقط ليظهر الصراع بهذا الشكل: فكر بالى يعتد على تفسيرات حداثية بروح القرون الوسطى فى مقابل فكر يحاول إعمال العقل والقياس ونشر روح العدل والإنسانية.

على الرغم من أهمية الموضوع الا أن التعبير بصريًا عن هذه الحالة لم يكن موجودًا بالفيلم باستثناء مشهد وحيد الذى ظهرت من خلاله لغة سينمائية تعبر عن حالة شخصية وهو مشهد مصور بزاوية عين الطائر تظهر أسامة (أحمد مالك) يجلس فى حديقة المنزل على برجولا خشبية تبدو كمثلث هو قرب قمته محاط بثلاثة أضلاع كدلالة مرئية على الحصار الذى يواجهه من قبل أفكار العائلة المكونة من يحيى والأم ميمى (شيرين رضا) والابنة فريدة (جميلة عوض).

 بخلاف هذا المشهد الوحيد لم تظهر أى رؤية بصرية لمخرج الفيلم هادى الباجورى الذى اختار اللقطات المتوسطة لأطراف المواجهة وينتقل بينهم مع انتقال الحوار، لم يتعامل مع سيناريو الفيلم المحمل بعشرات الأفكار البارزة كمخرج يستطيع الوصول لمساحة وسط بين ما هو مكتوب وما هو مرئى، الصورة النهائية للفيلم تدل على وجود مشاكل كثيرة فى دراما الفيلم ربما يكون مصدرها السيناريو وهو ما لا يمكن التأكد منه لعدم الاطلاع عليه لكن فى النهاية المسئولية بالكامل تقع على المخرج للتفوق فى تقديم رؤية بصرية وطلب التعديلات الضرورية لتحقيق رؤيته، مشاكل الدراما تظهر كمثال فى معالجة بعض التفاصيل الصغيرة كالتأكيد على خبرة يحيى فى التعامل مع الأسلحة النارية ودقة تصوبيه وهى تفصيله محورية فى الفيلم والشخصية تفسيرها  بجملة عابرة لن يلتفت لها الجمهور بكونه كان عضوًا بنادى الصيد الأمر الذى يلقى بالظلال على ممارسته المنتظمة لإطلاق النار واكتساب مهارة التصويب بدقة لم يكن على مستوى استغلالها بهذا الشكل المحورى فى الفيلم.

لم يكن الفيلم على المستوى المطلوب سينمائيًا على الرغم من أهمية ما يناقشه ولم يكن الباجورى على المستوى المناسب للتعامل مع الصعوبات التى تواجه تنفيذ فيلم بهذه الطريقة أداء كل الممثلين فى الفيلم كان أكثر من جيد لكن الشخصية الرئيسية والمحور الأهم دكتور يحيى التيجانى لم تحظ بنفس الاهتمام ومارس عليها خالد الصاوى شطحات ومبالغات أكثر مما تحتمل دون إتقان جعلت منها شخصية مفتعلة على الشاشة لم يتحكم فيها ويرشدها الباجورى.