نوال السعداوي تكتب: حوار مع ممثلة مصرية مشهورة

الفجر الفني

نوال السعداوي
نوال السعداوي


رأيتها فى المهرجان الكبير فاندهشت، لم أتعرف عليها، لم تكن هى صديقتى، ذات الجمال والجاذبية الخاصة بها، كانت تتمتع بشخصية مميزة، لا تشبه امرأة أخرى، صوتها، نظرتها، لون بشرتها، حركاتها التلقائية، سكناتها، مشيتها الطبيعية، ملابسها المحترمة الأنيقة، شدة البساطة، السهل الممتنع، ثقتها فى نفسها وعقلها، وإن اختلفت أفكارها عن الآخرين من النساء والرجال، تظل كما هى واثقة ثابتة لا تتذبذب مع اليسار واليمين أو الوسط، تعرف أين تضع قدمها وتثبت فى مكانها، لا تخاف الاختلاف أو النقد والهجاء، لا تطلب الراحة والأمان فى النفاق، أو السير فى ركب القطيع والجموع.

أصبحت تشبه كل النساء فى الحفلات والمهرجانات، فى مصر وأمريكا، الشعر المصبوغ يخفى الومضات البيضاء المتسقة مع الطبيعة والعمر، البشرة المشدودة بالكيماويات، اختفت سماتها الخاصة بمشرط الجراح إخصائى التجميل، مدهونة بلون السوائل والمساحيق، التى تباع فى السوق الحرة، العالمية والمحلية، اختفت التجاعبد الطبيعية التى تحتفى بالتقدم فى السن والنضوج، خطوط العمر كانت تزيدها جمالا وجاذبية، لكل خط حكاية، ولكل تجعيدة قصة فى مرحلة من حياتها، أصبح وجهها ممسوحا كالبلاط الأبيض أو السيراميك، خاليا من ألم التعبير أو محنة التفكير، وجه أملس ليس له تاريخ ولا ذكريات، لا آلام ولا فرح أو حزن، وجه طفلة عجوز أو شابة كهلة، لم تعش مراحل عمرها، تتأرجح فوق الكعب العالى المدبب، قدماها مقوستان، فى تشوه أنثوى يشى بجنس مهيض، تنتفض داخل فستان يلمع تحت الأضواء، نصف عارٍ، خفيف، يكشف عن حيوان أليف. أشاحت بوجهها بعيدا عنى تحاول الاختفاء، دون جدوى، كانت دهشتى تحاصرها، وفجيعتى فيها تطل من عينى، رغم إرادتى، وسمعتها تقول بصوت منكسر لا يكاد يسمع: أعرف ما يدور فى عقلك يا نوال، لم أتعرف على صوتها، كان يتثنى فى غنج، يتقطع، ينشج، ويتحشرج فى موت أو تماوت، وقلت، مين حضرتك يا سيدتى؟

مش عارفانى يا صديقتى الحميمة؟، ثم ضحكت، لم تكن هى ضحكتها المتألقة، كان لها رنين الفضة المجلوة، تهز قلبى بالفرح، ولابتسامتها إشراقة الشمس.

قالت، نعم، أنا تغيرت يا نوال، لم أعد أنا، لم أستطع أن أقاوم الضغوط، الجميع كانوا ضدى، كان التيار أقوى منى، كان لا بد أن أخضع وأستسلم وأصبح مثل كل النساء وكل الزوجات وكل الأمهات، وإلا أنتهى تماما، أفقد زوجى وأولادى وبناتى وبيتى وعائلتى كلها، ولا بد أن أكون مثل كل النجمات الفنانات فى مصر والعالم، وإلا فقدت مكانتى الفنية، ومركزى فى عالم السينما،

هل تفهميننى يا صديقتى؟

نعم أفهمك لكن لا أتفق معك.

يا نوال، يمكن أن نقاوم كل شيء ونقهر كل شيء إلا الزمن، يا صديقتى، يمكن تغيير مفهوم الزمن، ومفهوم الأنوثة والجمال والحب والفن والشيخوخة.. الشيخوخة كيف نغيرها يا نوال؟

بالوعى الجديد عن مفهوم الزمن والحب والسعادة، واكتشافات العلم الحديث فى الطب والمخ والخلايا الجذعية، والرياضة اليومية، الجسم والعقل والنفس، لى صديقة تجاوزت المائة عام، تعيش مرحلة عمرها فى سعادة وثقة وحرية، تبدو لى أكثر حيوية من الشباب، وتؤكد أنها قهرت كل الأمراض منذ طفولتها رغم تشخيص كبار الأطباء، أحد أساتذة الطب فى أمريكا، قال لها، منذ عشرة أعوام، إنها ستموت بعد ستة شهور، وهى تعيش حتى اليوم، ومات طبيبها الأستاذ الكبير منذ عامين.