طارق الشناوي يكتب: خيبتنا أم خيبتهم!!

الفجر الفني

محمد صبحي
محمد صبحي


كثيرا ما يتردد الحديث عن سقف المسموح، أغلب ما نتابعه فى (الميديا) لا يقترب من السقف بل يبتعد كثيرا، بل وأكثر مما هو مطلوب، كلما ابتعدنا عن المسموح ولو على مضض، فإن هذا لا يعنى سوى أننا نمنح الشرعية لقائمة الممنوعات، التى تتحول من استثناء إلى قاعدة، يبدو المبدع للوهلة الأولى ضحية، والحقيقة أنه، باستسلامه المطلق، يصبح هو القاتل الأول للحرية، والمؤيد الأول لكى تزداد قائمة الممنوع.

عندما شاهدت مسرحية محمد صبحى (خيبتنا) تأكدت أننا نمارس على أقلامنا وأفلامنا وأعلامنا قيودا نسجها الخوف، كثيرا ما ننفخ فى الزبادى، صارت الفضائيات تضع قائمة ممنوعات لقضايا وشخصيات ممنوع تواجدها على الهواء، بينما الدولة لم تطلب كل ذلك، ربما شىء من ذلك، المؤكد ليس ذلك كله.

كل من نتحرج فى تناوله ولو على استحياء قاله صبحى بكل قوة وثقة،على مسرحه فى مدينة (سنبل).

صبحى أحد كبار النجوم المؤيدين بقوة للنظام، وفى دفاعه عن الحرية يدرك تماما أن حياة الوطن ترتبط بهذا الشريان، الذى ينبغى أن يظل متدفقا، فهو يدافع لو تعلمون عن الوطن.

عندما قررت الدولة فى الاعتماد على شخصية لتنظيم وضبط وربط الدراما والبرامج، بعد استقالة المخرج محمد فاضل من رئاسة لجنة الدراما، توجهوا إلى محمد صبحى، توجست فى البداية لأن التنظيم هو الاسم الحركى لفرض القيود، ولكن صبحى على المسرح قالها بلا مواربة إنه يرفض القيود التى تمنع التطرق لشخصيات مثل القاضى والضابط والوزير ورئيس الوزراء وحتى الرئيس، وإنه يرفض تفنيط مقدمى البرامج ومنع بعضهم من الظهور وتوزيع الآخرين كأوراق الكوتشينة على الفضائيات، وأعلن على خشبة المسرح رفضه لتعديل الدستور.

نعم غلب على العرض الجانب المباشر والتلقينى، اختلفت فكريا مع صبحى فى هجومه الجارف والجارح على ثورات الربيع العربى، ولكن طالما نتحدث عن الحرية يجب أن نتقبل الآخر، وبالتالى لا نصادر حق صبحى فى الجهر برأيه.

المسرحية كتبها صبحى 2004 كما يذكر فى الكتالوج المصاحب للعرض، وأضاف عليها تفاصيل بعد ثلاث سنوات، تتناول الخيبة الداخلية والعربية والعالمية، إلا أن كل ما أضافه صبحى بعد ذلك على العرض المسرحى يمنحه طزاجة تلك الأيام، فهى مسرحية ساخنة وبنار الفرن مقدمة لجمهور 2019.

صبحى يؤدى شخصية (يائس) اسمه مبشرة يدل عليه وحبيبته (ابتئاس سماح السعيد)، المسرح يمزج شاشة العرض السينمائى بالخشبة وتوظيف جيد للأغانى والرقص والاستعراض، ومحاولة جديرة بالاحترام لتقديم حالة مسرحية فى زمن عز فيه المسرح.

(خيبتنا) ليس فقط تأليف وإخراج وبطولة صبحى، بل صبحى هو العرض والعرض هو صبحى، نعم هناك العديد من الشخصيات تتناثر هنا وهناك كل منهما تعبر عن مأساة، هذه سوريا وتلك ليبيا وثالثة اليمن ورابعة العراق، الكل يحمل رموزا ولكن لا تستطيع أن تحيلها إلى شخصيات تتفاعل فى فضاء مسرحى لأنه فى النهاية تؤكد أن كل شىء من صبحى وإلى صبحى يعود، جمهور مسرح صبحى يُدرك أنه سيأتى لكى يعيش مع نجمه المفضل وبعدها لا شىء يهم.

سألت صبحى عن ملاحظات الرقابة؟ أجابنى ولا ملحوظة، وأضاف تفهموا العديد من التفاصيل، سألته هل أضفت شيئا بعد موافقة الرقابة؟ أجابنى كل ما تراه سمحت به الدولة، ضحكت وأنا أودعه قائلا سارع بتصوير المسرحية قبل أن ترجع الرقابة فى كلامها!!