ما جمعت من أسرارٍ عن الحياة الخفية للسادات ومبارك وعبد الناصر ونجيب.. صفحات من مذكرات عادل حمودة (50)

العدد الأسبوعي

الكاتب الصحفي عادل
الكاتب الصحفي عادل حمودة


عائلة السادات احتفظت ببيته بقرار من مجلس الشعب وعائلة عبدالناصر حولت منزله إلى متحف

مبارك كان يهوى جمع السيارات ويقودها فى ممرات مطار ألماظة وفى موكبه سارت أكثر من سيارة متشابهة حرصا على أمنه

جيهان السادات رفضت عرضا لسرد قصة حياتها فى مسلسل يجمع بين الحقيقة والدراما

الصحف الخاصة والحزبية رفعت سقف الحرية وكان الثمن الحكم بسجن رؤساء تحريرها دفعة واحدة


تبدو الكتابة فى كثير من الأحيان نوعا من الجنون أو الانتحار.

فى تلك الأوقات التى تسوء فيها العلاقة بين السياسة والصحافة يفضل كبار النجوم فى المهنة وضع حروفهم وكلماتهم الجريئة فى كيس.. ويربطونه بحبل.. ويرمونه فى البحر قبل أن تلمحهم أسماك القرش.

ما أن وجد إحسان عبدالقدوس نفسه فى سجون عبدالناصر بعد أسابيع قليلة من ثورة يوليو عقابا عما كتب حتى أدرك أن الأدب فضلوه عن الرأى وعندما زرته فى بيته وجدت بالقرب منه الإناء المتواضع الذى كان يشرب فيه وهو فى المعتقل ليذكره بما جرى وليحد من تهوره وهو يمسك القلم.

وبقدرته الهائلة على التوازن والحفاظ على سلامته لم يكن أحمد بهاء الدين يتورط فى الكتابة معلقا على تصرفات السادات العاصفة وكان يهرب منها بالكتابة عن تنسيق الحدائق أو أزمة المرور أو آخر كتاب صدر فى الغرب.

وغالبا ما كان هيكل يؤجل سرد شهادته عن الأحداث الساخنة حتى تبرد ويسدل الستار عنها وينصرف أبطالها عن خشبة المسرح وراء ظلام الموت أو النسيان وهو ما عرضه إلى انتقادات حادة تعالى فى الرد عليها.

ولست ألوم أحدا منهم.. فقلمه لا يكفى سلاحا لمواجهة كل ما ينتظره من بطش وطيش.. كما أن القارئ الذى يضعه الكاتب تاجا فوق رأسه لن يسانده.. بل.. ربما انضم إلى كتائب التشهير به.. وأكل لحمه نيئا أو مشويا.

ويفسر ذلك ما سمعته من نزار قبانى قبل سنوات طويلة حين اعتبر أن من فى رأسه ذرة عقل لا يعمل كاتبا وإنما حلاقا للنساء.. حلاق النساء يمكن أن يلعب بشعر المرأة كما يشاء وهى سعيدة بلمسات أصابعه.. أما إذا حاول أن يلمس شعرة من السلطة فإنها تفرم أصابعه وربما تحرقها بـمية النار كما فعل السوريون بأصابع سليم اللوزى قبل أن يقتلوه عقابا على كتاباته المضادة فى مجلة الحوادث اللبنانية التى كان يصدرها فى بيروت.

ولكن هذا الدرس يصعب على الكتاب الشباب استيعابه فالسائد بينهم إعجاب لا حد له بكل من يكتب منتقدا السلطة.. وكلما طالت انتقاداته مسئولا أكبر كلما نال إعجابا أكبر.. وشاع فى الصحافة الحزبية والمستقلة تعبير رفع السقف.. سقف الحرية.. ويسجل لعبد الحليم قنديل أنه أول من خرق السقف فى جريدة العربى الناصرية.. وتحدثت عن التوريث.. ونال عقابه.. ولحق به إبراهيم عيسى متحدثا عن صحة الرئيس مبارك.. على أنه مهما كانت اختلافات الكتاب المعارضين حول الاقتراب أو الابتعاد عن السقف فإن الحكم بالسجن قد يجمع بينهم.. فى جلسة واحدة حكم على إبراهيم عيسى ووائل الإبراشى وعبدالحليم قنديل وأنا بالسجن لمدة عام بتهمة إهانة الرئيس وفى الاستئناف انتهى الحكم إلى غرامة 20 ألف جنيه فلم يكن مبارك رئيسا مؤذيا وهذه شهادة تسجل فى حقه.

وكان مقياس مبارك فى تقبل النقد من البعض ورفضه من البعض الآخر هو ما وراء النقد.. هل هناك مصلحة خاصة يجنيها من وراء ما كتب أم أنها المصلحة العامة ولو اختلفت زاوية الرؤية بين الكاتب والحاكم؟.. وبالقطع كانت الأجهزة المختلفة تراقب تصرفات الكتاب وعلاقاتهم وتبلغ الرئيس بما تحصل عليه من معلومات تجعل من السهل عليه الحكم على الكتاب.. بل إن مبارك كان يعتبر نظافة يد الكاتب مقياسا لوطنيته.. والمؤكد أنه كان عنده حق وهو يفرق بين الصحافة والصرافة.

والحقيقة أن الغموض الصارم الذى فرضه عبدالناصر على حياته وبيته وأسرته ومرضه جعل الرئيس فى مصر مثل ساكن القصر المسحور فى أساطير ألف ليلة وليلة لا يمكن الوصول إليه إلا بعد عبور سبعة بحور وتسلق سبعة أسوار وقتال سبعة أسود ولكن الفضول لمعرفة ما يجرى فى القصر ظل يؤرق الصحفيين فراحوا من بعيد يتصيدون أخبار القصر ولو من بعيد لبعيد.

اعتبر عبدالناصر تفاصيل معيشته من أسرار الدولة العليا من يقترب منها يسخط قردا أو يبعث فى حياة أخرى مسخا.

ولكن السادات متشبها برؤساء الغرب سمح لمصور أخبار اليوم فاروق إبراهيم بتصويره وهو بالشورت يمارس الرياضة وفى الحمام يحلق لحيته وفى حديقته بجانب كلب ولكن ما أثار الدهشة أن الناس لم تتقبل ذلك واعتبرته انتقاصا من هيبة الرئيس وتشويها لصورته المحافظة التى فرضها عبدالناصر من قبل.

وتكرر الانتقاد عندما سمح السادات بظهور زوجته فى الحياة العامة ووصفها بالسيدة الأولى ووصل الانتقاد إلى ذروته عندما رقصت مع الرئيس الأمريكى جيرالد فورد فى البيت الأبيض ولم يتقبل أحد تبريرها بأنها فوجئت بدعوة الرقص ولم تستطع رفضها.

والسيدة جيهان السادات سيدة راقية.. تتمتع بذكاء اجتماعى يمنحها قدرة على التعبير تنقذها من أصعب الأسئلة السياسية والشخصية.. وقد التقيت بها بعد وفاة زوجها فى بيت الدكتور سيد الجندى طبيب المخ والأعصاب وآخر من كان بجوار جثمان السادات فى مستشفى القوات المسلحة بالمعادى.. وفى كل عام كانت السيدة ميمى طليمات (شقيقة إحسان عبدالقدوس) تدعونا للغذاء على شرف السيدة جيهان مع شخصيات مؤثرة فى المجتمع مثل الدكتور عبدالعزيز حجازى والدكتور يحيى الجمل والدكتور كمال أبو المجد وغيرهم.. وعلى مائدة الطعام دارت حوارات تجنبت الحاضر وعاشت فى الماضى.. فالذكريات دائما مريحة ولا تثير الغضب أو تحرض على العقاب.

وشجعتنى الثقة الإنسانية التى تكونت بيننا على مر السنوات على أن أسألها سؤالا حيرنى وحير غيرى: لم تزوجت السادات وكان يكبرها بعشرين سنة ومطلق ولديه أبناء من زوجته الأولى ومطرود من الخدمة ولا يملك مالا يفتح به بيتا؟.

وجاءت إجابتها حاسمة فى كلمات قليلة: رأيت فيه بطلا.

تابعت جيهان وهى فتاة صغيرة أخبار السادات فى الصحف خلال محاكمته بتهمة اغتيال وزير المالية أمين عثمان الذى وصف العلاقة بين مصر وبريطانيا المحتلة بالزواج الكاثوليكى.

وحسب ما نشر فى مذكراته البحث عن الذات فإن السادات أعجب بشخصيات كثيرة منذ صباه.. مثل زهران بطل حادث دنشواى.. والمهاتما غاندى الذى قلده السادات بارتداء ثياب متواضعة وهو ممسك بماعز.. وهتلر الذى قلده السادات بارتداء زى العسكرية النازية فى آخر عرض عسكرى شهده.

وأضافت جيهان: إن المهر الذى قدمه إليها السادات كان أغنية لفريد الأطرش غناها لها بصوته.

وسمعت من الدكتور أسامة الباز أن السادات أحضر معه شرائط عليها أغانى فريد الأطرش خلال مفاوضات كامب ديفيد وكانت على ما يبدو تريح أعصابه من تعنت رئيس الحكومة الإسرائيلية مناحم بيجن ومساعديه.

ولكن السادات لفت النظر إليه بأناقته الظاهرة حتى أنه سبق نجوم السينما (مثل إيف مونتان) فى قائمة الشخصيات الأكثر أناقة على مستوى العالم واعتبر أفضل من يعقد رباطة العنق.. وكان يضع هذه القائمة مهاجر إيرانى اسمه بيجان يمتلك ويدير بيتا من الأزياء فى شارع رود داريف على مرتفعات بيفرلى هيلز.. أرقى شوارع الأزياء فى العالم.. حيث تجد أشهر ماركات الثياب والأحذية والحقائب والمجوهرات متجاورة حتى لا يتعب الأثرياء فى التسوق.

حرصت على رؤية محل بيجان عندما أتيحت الفرصة لى بعد أن نشر الرجل مذكراته فى مجلة اينفنتى وتحدث فيها كثيرا عن السادات.. والمحل عريض وضع عليه اسمه صاحبه باللون الأزرق فى صورة توقيع.. وأمامه كانت تقف سيارته الصفراء التى صنعت خصيصا له.. وحاولت جاهدا أن أتحدث إليه ولكن طاقم السكرتارية أعطانى موعدا بعد ستة شهور ولم يكن ذلك مناسبا لى.

وشاهدت بنفسى براعة جيهان وهى تتحدث عن الإرهاب فى مجلس اللوردات البريطانى.. تمتلك خبرات التأثير فى المحافل الخارجية بإجادة لغة التواصل مع رموزها بعد أن حاضرت فى جامعات أمريكية وتناولت معها العشاء فى وجود اللوردات الذين تحدثت إليهم بدعوة من سمير تكلا وهو مهاجر مصرى مقيم فى لندن لعب دورا خارقا ضد التنظيمات الإخوانية هناك.

وفى اليوم التالى حاورت جيهان بالكاميرا داخل إحدى قاعات جروفنر هاوس كشفت فيه كثيرا من الأسرار التى لم نعرفها فى حينها فقد كتب علينا أن نكون آخر من يعلم.

ووجد محمد هانى وقت أن كان مسئولا عن فضائية سى بى سى أن من الممتع والمفيد إنتاج مسلسل تليفزيونى يجمع بين لقطات حية تتحدث فيها جيهان عن حياتها ومشاهد درامية يمثلها فى البلاتوه النجوم وذهبنا معا لعرض الفكرة عليها فى بيتها ورغم ترحيبها بالفكرة فإن العرض لم ينل موافقتها.

فى انتظارها رحت أتأمل البيت الذى عاش فيه السادات وخرجت منه أخطر القرارات والتقى فيه بأهم الشخصيات.. أثاث كلاسيك.. لوحات فنية منها لوحة للسادات رسمها الفنان رحمى.. وتحف متنوعة بدا عليها القدم اشترتها جيهان من العطارين فى الإسكندرية.. وحديقة خارجية كثيفة الخضرة استغلت فى الاحتفال بمناسبات الأحفاد توفيرا للنفقات بجانب حمام سباحة مارس فيه السادات رياضة العوم.. وخارج أسواره حراسة أمنية توفرها وزارة الداخلية.

لقد وافق مجلس الشعب برئاسة الدكتور صوفى أبو طالب على منح البيت لجيهان وأبنائها وحدهم بعد اغتيال السادات.. وبينما استمر مبارك فى البيت الذى سكنه وهو رئيس تنازلت عائلة عبدالناصر عن البيت الذى يملكه ليصبح متحفا وتنازلت أيضا عن الكابينة التى خصصت لها.. أما محمد نجيب فقد قضى سنوات تحديد الإقامة فى البيت الريفى لزينب الوكيل (زوجة الزعيم الوفدى مصطفى النحاس) بضاحية المرج ولكنه طرد منه هو وأحفاده بعد رفع الحراسة عن البيت وإعادته إلى الورثة.

بجانب السادات بدا مبارك أكثر تواضعا فى كل شيء.. فلم يغير كثيرا فى بيته.. وإن عشق السيارات وجرب قيادتها فى ممرات مطار الماظة.. واحتفظ فى قصر القبة بكثير من أفضل أنواعها كما التقطت له صور وهو يقود سيارة دفع رباعى فى شرم الشيخ وعلى حجره جلس حفيده محمد.. وفى موكبه كانت تسير أكثر من سيارة متشابهة لتضليل من يفكر فى اغتياله.. وهو نفس ما يفعل الرئيس الأمريكى.

وبسبب نجاته بمعجزة فى حادث المنصة ضاعف مبارك من حرصه على أمنه الشخصى ولم يكن ليقبل بالاقتراب منه.

فى رحلة على الطائرة الرئاسية إلى دمشق سأل مبارك: تفتكروا رايحين فين؟.

وكانت الإجابة: سوريا يا فندم.

سأل مبارك فى دهشة: كيف عرفتم؟.

وكانت الإجابة: السفير السورى فى القاهرة معنا هنا.

قال مبارك: المرة الجاية سأحضر السفير الليبى لو سافرنا سوريا وسأحضر السفير السعودى لو سافرنا المغرب.

وضاعف من حرص مبارك على أمنه الشخصى أنه نجا من محاولات عديدة تزيد عن العشر محاولات لاغتياله ولكن ذلك لم يمنعنى من نشر أو تقرير صحفى عن الطائرة الرئاسية كما نشرت تقريرا آخر عن وجوده فى بلير هاوس.. الاستراحة الرسمية لضيوف الولايات المتحدة.

يقع بلير هاوس أمام البيت الأبيض.. مشيد على 700 ألف قدم مربعة.. يديره مسئولو البروتوكول فى الإدارة الأمريكية.. يتكون من 4 أجنحة و117 حجرة.. بناه فى عام 1824 الدكتور جوزيف لوفيل.. وتركه بعد أقل من عام عندما رحلت زوجته.. فى عام 1838 باعه إلى صحفى فى جريدة واشنطن بوست كان فى الوقت نفسه مستشارا للرئيس أندرو جاكسون.. فى الحرب العالمية الثانية استأجرته الحكومة ليعقد فيه الرئيس فرانكلين روزفلت اجتماعاته الثنائية مع مساعديه بعيدا عن عيون الصحفيين والمصورين.. اشترته الحكومة فى عام 1942 بمبلغ 150 ألف دولار وأنفقت على تجديده 250 ألف دولار.

خلال تجديد البيت الأبيض سكن الرئيس هارى ترومان وزوجته بيس وابنته مارجريت بلير هاوس عام 1948 وعلى بابه تعرض ترومان لمحاولة اغتيال قام بها اثنان من توار بورتريكو هما أوسكار كولازو وجرير ثوريولا ونجح ضابط فى المباحث الفيدرالية هو ليزلى كوفليت بقتل ثوريولا وأصيب كولازو برصاصة أخرى ولكنه نجا من الموت وإن لم ينج من حكم الإعدام الذى خفف للسجن المؤبد.. وعلى باب بلير هاوس لوحة تذكارية تلخص ما جرى.

كان مبارك الضيف الرسمى رقم 243 الذى أقام فى بلير هاوس وسبقه غالبية ملوك ورؤساء العالم الذين حكموا الدنيا بعد الحرب العالمية الثانية.

حسب ما عرفت من مقربين من مبارك: إنه أقام فى جناح الطابق العلوى المكون من ثلاث غرف ومكتبة وحديقة داخلية يمكن رؤيتها من الخارج ويمتزج الديكور فيها بين الطراز الفيكتورى والطراز الفرنسى.

وحسب ما عرفت منهم أيضا: اكتفى مبارك فى طعامه بالخضار المسلوق والأسماك وقطع الجبن المشوية دون دهون.

ولا ينزل الرئيس فى استراحة بلير هاوس إلا إذا كانت زيارته رسمية.. بخلاف ذلك ينزل هو والوفد المرافق له فى فنادق الخمسة نجوم.. فى زيارته لمدينة هيوستن قبل لقاء بوش فى مزرعته نزلنا مع مبارك فى فندق انتركونتننتال.. أما فى زيارات واشنطن التى جرت أيام أوباما فكان مبارك ينزل فى فندق فور سيزونز (منطقة جورج تاون) المبنى بالطوب الأحمر والمناسب أمنيا لكبار الشخصيات حيث يقع فى شارعين وتتعدد مداخله وتنعزل أجنحته الرئاسية عن حجرات باقى النزلاء.

لقد تعودنا ألا نقترب من حياة حكامنا وهم فى السلطة بخلاف العالم الذى يفتش فى حياة حكامه بمجرد ترشحهم للرئاسة وتتبارى الميديا فى كشف أدق التفاصيل عنهم كما أنها تظل بنفس الاهتمام وهم فى قصور الحكم.

ولا نملك سوى القول: إن لكل شعب عاداته الاجتماعية ولكل سلطة عاداتها السياسية.