عادل حمودة يكتب: قصة صحفية منعتنى الرقابة من نشرها قبل 50 سنة.. قتل شيخ فاسد برصاص ابنته فى جبل المطاريد

مقالات الرأي



صحف كتبت عن زوجة غير عذراء قتلت زوجها ليلة الدخلة.. وأخرى أشادت بها لأنه مجرم.. وصدق القراء الاثنين

الرقيب كشف لى السر: نحاول الحفاظ على سلامة أسرة وحماية ضابط وشيخ فاسدين


كان الليل يطمئن على بريق نجماته قبل أن ينام تاركا ضوء القمر يتسلل بنعومة إلى المغارة المقدسة المختفية فى بطن الجبل المنتصب على البر الشرقى للنيل فى صعيد مصر.

حفر المغارة راهب مجهول.. اختبأ فيها لينجو بنفسه وإنجيله وصلواته من الذبح بسيف جندى من جنود ديوقليسيانوس.. أشد أباطرة روما فتكا بمسيحيى مصر حينما كانت إحدى ولاياته.. وسجلت سنة 284 التى جلس فيها على العرش بداية التقويم القبطى من كثرة الدماء التى سفكها.

بقيت المغارة مخفية عن العيون قرونا طويلة حتى عثر عليها شيخ زاهد ناسك متعبد.. كره الدنيا.. ودفع عائلته الصغيرة على العيش فيها.. وشجعته زوجته على الاختفاء.. وأجبرا ابنتهما التى تقترب من العشرين على الاستسلام.

انعزلت العائلة الصغيرة عما يجرى فى مصر.. لم تسمع عن قرارات التأميم التى أصدرها عبدالناصر.. ولم تعرف أن سيناء احتلت فى حرب حسمتها إسرائيل فى ساعات.. ولم تهتم بانتشار السلاح حولها بأسعار متدنية بعد أن رست مراكب تحمل شحنات من البنادق الآلية وجدت من يجمعها من ميادين القتال لبيعها إلى المطاريد.

المطاريد.. خارجون عن القانون.. ارتكبوا جرائم قتل أو نهب أو حرق أو سلب أو ثأر.. وفروا من العدالة إلى مغارات الجبل حيث يصعب الوصول إليهم.. وهناك أعلنوا دولة مستقلة لهم.. وفروا ميزانيتها من تجارة المخدرات وتأجير بنادقهم للقتل.. واختاروا كبيرهم بانتخاب حر مباشر بعد أن اطمأنوا إلى قدرته على حمايتهم وتوفير العدل بينهم وتجنب المحباة والترفع عن الصغائر وصيانة المحرمات وتحقيق المساواة فى توزيع الغنائم بما لا يخالف شرع الله حسب ما أفتى به الشيخ الزاهد الناسك المتعبد نصبوه إماما عليهم.. وفى المقابل منحوه كل ما يحتاج من خبز وأرز ولحم وعسل وبرتقال وأفيون.

لا أحد يعرف من أين جاء الشيخ؟.. هناك من يؤكد أنه كان مأمور سجن رفض تعذيب مساجين الرأى ففر هاربا من عقاب رؤسائه.. وهناك من يؤكد أنه من أهل الخطوة جاء إلى المغارة طائرا بعد أن ساد الكفر والإلحاد.. وهناك من اعتبره لصا قاتلا مثله مثل غيره من المطاريد.. ولكنه تميز بينهم فى فهم الدين فنال مكانة رفيعة بينهم.

لم يظهر الشيخ زوجته وابنته على أحد.. وأجبرهما على ارتداء النقاب.. وبين الصلاة والصلاة علمهما تفاسير القرآن.. وأحاديث السنة.. وقبل النوم كان عليهما ترديد ما حفظتا من أدعية وأوردة.. وبعد كل طعام كان عليهم توجيه الشكر إلى الله على نعمته.

لكن شيطانا ما كان يسكن الفتاة.. جعلها تعاند الأم.. وتتمرد على الأب.. وترتعش رعبا كلما أمسكت بالمصحف.. وكثيرا ما انتابتها حالة من الجنون جعلتها تمزق ثيابها أكثر من مرة وتقف أمام الأب والأم عارية.. متحدية.. ولم يكن أمامهما سوى سترها وقراءة ما يحفظان من الآيات المنجيات.. وبعد نوبة هيستيرية من البكاء وضرب رأسها فى الصخر تهدأ لتدخل فى غيبوبة لا تستيقظ منها إلا بعد ساعات من الكوابيس.

ولا بد أن ما شاع عن الفتاة أخاف الرجال منها فلم يفكر أحد فى التقدم إليها طلبا ليدها.. بل إن هناك من يؤكد أنه رآها عارية تغسل نفسها بأشعة القمر.. وتتلوى وكأنها شبح جنية.. وتحرض كل من يمر عليها بإغراء انتهى بخروج الأم لسحبها من شعرها.

وصفوها بأنها نحيفة مثل عود قصب.. فارهة مثل ساق النخل.. جسدها فى لون الحليب.. ينسدل عليه شعر فى لون الفحم.. وأشد سوادا من الليل.

ذات مساء توافد الرجال بأسلحتهم أمام مغارة الشيخ.. وما أن خرج إليهم حتى طلبوا منه أن يصلى بهم صلاة الشكر لعودة عبدالناصر متمتعا بالصحة والعافية بعد رحلة علاج فى مصحة تسخالطوبو السوفيتية.. إنهم يحبونه ويعترفون بفضله عليهم بعد أن ساوى بينهم وبين باشوات ما قبل ثورته وجعل رؤوسهم مرفوعة وإن أجبرتهم الظروف على ما هم عليه.

وما أن انتهت الصلاة حتى أطلق كل رجل ما فى بندقيته من رصاص احتفالا بنجاة الزعيم من براثن الموت.. وبرقت السماء فى الليل بتلك اللعبة النارية الخطرة.. ولكن.. فى زحام الرصاصات المتطايرة أصيب الرجل الكبير إصابة قاتلة أجهزت على حياته وأسقطت شموخه على الأرض ووضعت وجهه فى التراب.

لم يكن من الصعب اكتشاف أن القتل كان مدبرا من جماعة انقلبت عليه للاستيلاء على سلطته ومكانته، دبرها ضابط شرطة سابق برتبة نقيب صعد الجبل بعد اتهامه بسرقة أموال مكتب بريد القرية التى كلف بحراستها وأصر وزير الداخلية شعراوى جمعة على النيل منه مهما كان الثمن.

خشى الباشا الصغير من تسليمه بعد أن عرف بوجود حملة أمنية من قوات الأمن كلفت بصعود الجبل للقبض عليه وهو ما يهدد سلامة المطاريد فقرروا التضحية به فلم يكن أمامه سوى ارتكاب جريمته بمساعدة مجموعة من لصوص الماشية الذين كانوا خدما تابعين لكبار المجرمين من القتلة ومهربى المخدرات.. إن الطبقية تحكم البشر حتى لو كانوا خارجين عن القانون.

انقسم الجبل على نفسه.. واشتعلت حرب أهلية بين المطاريد.. وفقدت العدالة.. وشح الطعام.. وسادت الخيانة.. وتراجعت السلامة.. واختل النظام.. وعمت الفوضى.. وتراجعت القيم.. وانتهكت الأعراض.. وفرضت البندقية قانونها الأزلى.. البقاء للأقوى.

شعر الشيخ الزاهد الناسك العابد بالخطر فاختفى فى مغارته مكتفيا بما يلقيه عليه البعض من خبز جاف وحبات خشنة من التمر طالبا منه الدعاء له والدعاء على خصومه.

ولكن.. لم يبق الحال على ما هو عليه.. فقد فوجئ الشيخ العابد الزاهد الناسك بثلاثة مسلحين يدخلون مغارته وقد أعمتهم المخدرات التى أفرطوا فى تدخينها.. وأمسك كبيرهم بالفتاة وراح يتحسس جسدها تحت حماية مسلحة من مساعديه.. وركع الشيخ طالبا منهم عدم انتهاك بكارة ابنته.. وشاركته الأم بالبكاء والتوسل ومسح وجهها فى التراب.. وكاد الرجال أن يستجيبوا.. وبالفعل أرخى كبيرهم يديه مانحا الفتاة فرصة للفرار.. على أن المفاجأة التى أذهلت الجميع تشبث الفتاة بالرجل.. بل التصقت به أكثر.. وراحت تعبث بشعره.. طابعة أكثر من قبلة ساخنة على رقبته.

هنا.. طلب الرجل من الشيخ عقد قرانه على الفتاة قبل الدخول بها فى مكان جانبى خفى من المغارة.. ولم يكن ينقصه وجود الشهود.

لكن الفتاة أخذته إلى الداخل وراحت تغسل وجهه وقدميه بالمياه وتقدم إليه ما وجدت من طعام طالبة منه التريث بعد أن اعترفت بأنها وقعت فى هواه منذ دخل المغارة.

وتعجب الرجل مما سمع فضمها إليه فى حنان مفاجئ لم يتخيل نفسه قادرا عليه وضاعف من هدوئه أنها قبلته فى شفتيه مؤكدة أنها المرة الأولى التى تقبل فيها رجلا.. ولكنها.. طلبت منه أن يستوعب ما جرى لها قبل أن تسلم نفسها إليه.

فى الخارج كان المشهد على ما هو عليه.. الشيخ العابد الزاهد الناسك لا يزال راكعا على الأرض بجانب زوجته التى لم ترفع وجهها عن التراب.

بعد نحو الساعة خرجت الفتاة دون نقاب.. كاشفة شعرها.. مرتدية الثوب الوحيد الذى تمتلكه حاملة بندقية كان والدها يخبئها تحت الفراش.. وما أن رأت والدها حتى أطلقت عليه الرصاص فى حالة من النشوة أثارت دهشة الرجال المسلحين إلا كبيرهم الذى بدا مستوعبا ما يحدث وهو يدخن سجائره فى هدوء.

خرجت الفتاة مع الرجال تاركة الأم فى حالة من الذهول وضعتها على حافة الجنون.. لم تعترض على ما جرى.. بل بصقت على جثة زوجها.. وراحت ترفسها بقدميها.. إنها تعرف السر الرهيب الذى جعل ابنتها تقتل أبيها.

الأب كان شيخا فاسدا فى هيئة الأوقاف.. يأخذ لجيبه من أموال الزكاة أكثر ما كان ينفقه على الفقراء.. وبأمواله الحرام اشترى سبائك ذهب وفضة أصبحت بمرور الأيام كنزا أخفاه فى مكان مجهول من قريته.. وذات مساء عاد إلى بيته ليجد ابنته فى غرفتها تستعد لارتداء ملابسها بعد أن خرجت من الحمام عارية.. ودون أن يدرى ألقى بها على الفراش.. وكان ما كان.. وقبل أن ينتهى وجد زوجته الغائبة عن البيت تنظر إليه غير مصدقة ما ترى.

هو نفسه لم يصدق ما فعل وراح يهلوس وهو ينتحب ويجرى من شيطان شعر أنه يتملكه ويطارده.. وارتمت ابنته فى حضن أمها وهى تحرضها على قتله.. ولكن.. الأم تسمرت فى مكانها مشلولة عاجزة.. وأغلق الشيخ الباب على نفسه عددا من الأيام.. خرج بعدها ليهرب من الدنيا فى مغارة الجبل.. زاهدا عابدا ناسكا ليكفر عن خطيئته التى لا تغتفر.

نزلت الفتاة من الجبل مع الرجل الذى منحها فرصة الانتقام وتطهير جسدها ممن دنسه ولطخه بالعار.. لقد وعدته بالحصول على الكنز المخفى ليعشا معا حياة جديدة بتلك الثروة التى ستسمح لهما بالاختفاء وسط طبقة راقية لا تسأل أحدا عن أصله وإنما تسأله عن ماله.

وما أن هبطا المدينة حتى توارا فى فندق رخيص ليقضيا فيه ليلتهما الأولى بعد أن وهبته نفسها وجسدها.. خلعت ملابسها قبل أن تدخل الفراش ولحق بها واضعا مسدسه تحت الوسادة.. وما أن امتلكها وتحكم فيها حتى مدت يدها وأخرجت المسدس وصوبته نحو قلبه وأطلقت عليه النار.

بعد اكتشاف الجريمة خرجت بعض الصحف تتحدث عن الزوجة التى قتلت زوجها فى ليلة الدخلة بعد أن اكتشف أنها ليست عذراء وخرجت صحف أخرى تشيد بالفتاة التى قتلت مجرما من المطاريد اختطفها وصدق الناس ما قرأوا.

فى ذلك الوقت منذ نحو خمسين سنة كلفت بتحقيق صحفى عن الثأر فى الصعيد ولكن مدير الأمن الذى كنت أتحدث معه كان مشغولا بتلك الجريمة التى شغلت الرأى العام وراح يؤكد لى بعد أن قرأ اعترافات الفتاة فى التحقيقات أن القيامة يجب أن تقوم.

رحت أنسخ التحقيقات كلمة بعد كلمة وأنا لا أصدق ما فيها فالأب لم يكتف بمرة واحدة وإنما كرر ما فعل كلما ضغطت عليه الرغبة متجاهلا توسلات زوجته.. بل إنه جاء بها إلى المغارة حتى لا تهرب منه.. وعندما حانت فرصتها لم تتردد فى قتله.

من شدة الإثارة التى شعرت بها كتبت القصة وأنا عائد فى القطار وما أن قرأها صلاح حافظ وكان نائبا لرئيس التحرير أحمد حمروش حتى دفع بها إلى المطبعة ولكن الرقيب الذى كان يتحكم فيما نكتب منع نشرها بعد الرجوع إلى رئيسه الأعلى طلعت خالد.

لم يكن الرقيب مكلفا بتبرير عدم النشر ولكنه من شدة تأثره بالقصة كشف لى عن أسباب المنع: إنها المرة الأولى التى تكشف فيها الصحافة عن زنى المحارم وهو أمر يجب التستر عليه فى مجتمع تسوده الأخلاق.. كما أن انتقام الفتاة من الأب بقتله يهدد سلامة الأسرة ويشوه صورة المرأة الرقيقة الحانية ويحرض النساء على العنف.. بجانب الإشارة إلى وجود ضابط شرطة وشيخ فى الأوقاف فاسدين بين المطاريد.

بعد نصف قرن على هذه القصة يكون السؤال: هل كان الرقيب على حق؟.. هل منع النشر حافظ على أخلاق المجتمع من الفساد؟.. ألم يكن علينا دراسة ما حدث حتى لا يتكرر كثيرا فيما بعد؟.

إخفاء السرطان لا يلغى وجوده بل يزيد من خطورته.