د. نصار عبدالله يكتب: أما آن الأوان أيها "الإصلاح"

مقالات الرأي



أما آن الأوان لكى تنتهى تلك المهزلة المضحكة والمبكية فى آن واحد..أو بالأحرى مجموعة المهازل التى اجتمعت فى سلة واحدة اسمها قوانين الإصلاح الزراعى، وآخر تلك القوانين هو القانون رقم 50 لسنة 1969 الذى انقضى على صدوره نصف قرن من الزمان وما زالت بعض النزاعات المترتبة عليه أو المتعلقة به منظورة إلى الآن أمام الجهة القضائية المختصة..... من يصدق أن نزاعا قضائيا يمكن أن يطول إلى نصف قرن؟!! تلك هى المهزلة المضحكة أو المبكية الأولى، أما المهزلة الأكثر إضحاكا أو إبكاء، فهى أن السبب فى هذا البطء جاء نتيجة لرغبة ذوى القرار فى الإفلات من بطء التقاضى أمام القضاء العادى، فجعلوا ولاية الفصل فى النزاعات المتعلقة بالإصلاح منعقدة للجان قضائية يرأسها مستشار من مجلس الدولة ويشترك فى عضويتها ممثل للاستئناف وممثل للمساحة وممثل للشهر العقارى ثم ممثل للإصلاح الزراعى ذاته (الذى يفترض أنه الخصم فى النزاع لكن قانون الإصلاح قد جعل منه واحدا من القضاة وهذه هى إحدى المضحكات المبكيات الأخرى)!!، وقد كان من المفترض أن تكون تلك اللجان أكثر سرعة وإنجازا من القضاء العادى، لكن الواقع العملى أثبت أنها على النقيض تماما.. ذلك أنها ليست لجانا دائمة بتشكيل ثابت، ولكنها يعاد تشكيلها فى كل عام حيث تستغرق عملية التشكيل وحدها الجزء الأكبر من العام القضائى بحيث لا يتبقى منه إلا ما يكفى لجلسة أو جلستين تكفيان اللجنة بالكاد بالإلمام بموضوعات وتفاصيل النزاعات المطروحة، وعندما تلم بها تكون صلاحيتها قد انتهت بانتهاء مدة تشكيلها، وهكذا تبدأ محاولات التشكيل من جديد التى عادة ما يعتذر عن قبولها أو المشاركة فيها السادة مستشارو مجلس الدولة ومن ثم يطول أجل تلك المحاولات، وربما قد ينقضى العام بأكمله دون أن يكون التشكيل قد تم ومن ثم فإنه يصبح عاما بدون جلسات وبذلك يصبح الفاصل بين الجلسة المقبلة والجلسة الماضية عامين كاملين، بل إن تلك اللجان قد حطمت الرقم القياسى فى بطء التقاضى فى عام 2011 حين ظلت بدون انعقاد حتى عام 2014!!، ثم عادت بعد ذلك إلى إيقاعها المعتاد!.. الغريب أيضا أن تلك اللجان التى يفترض فيها أنها تنطوى فى تشكيلها على أهل الخبرة الثقات مما كان من شأنه أن يغنيها عن إحالة النزاع إلى خبير من خبراء وزارة العدل، إذا بها تسلك سلوك القضاء العادى فلا تفصل فى أى نزاع قبل أن تحيله إلى خبير، وعندما يحال إلى خبير، فإن سنوات ستنقضى قبل أن يحين دوره فى طابور النزاعات القضائية المحالة إلى مكتب الخبراء، وربما يقدم التقرير تقريره ثم يتدخل فى النزاع خصم جديد أو يطعن أحد الخصوم الأصليين فى التقرير، فيحال النزاع مرة أخرى إلى مكتب الخبراء، وتنقضى سنوات أخرى قبل أن يحين دوره الجديد فى الطابور ذاته الذى يكون فى هذه المرة قد ازداد طولا (يلاحظ أن معدل تراكم القضايا أمام السادة الخبراء فى تزايد مطرد نتيجة لتزايد عدد النزاعات بمعدل يفوق بكثير معدل زيادة أعداد الخبراء)..أما ما هو أغرب فى مهازل الإصلاح، فهو مقدار التعويض الذى تقوم الدولة بمنحه فى مقابل الأراضى التى يستولى عليها الإصلاح استيلاء نهائيا أى تلك التى يكون أصحابها قد خسروا اعتراضاتهم أمام اللجان القضائية، ثم خسروا بعد ذلك طعونهم أمام المحكمة الإدارية العليا (يحق لمن يخسر النزاع أمام اللجنة القضائية أن يطعن فى قرارها أمام المحكمة الإدارية العليا).. هذا التعويض هو ما يعادل سبعين مثل الضريبة السنوية المقررة على الأطيان موضوع الاستيلاء... وهذا التعويض هو ما قضت المحكمة الدستورية فى جلسة شهيرة لها برئاسة المستشار الجليل عوض المر، قضت بعدم دستوريته، حيث يتوجب على الدولة أن تؤدى ثمن الأرض المستولى عليها طبقا لأسعار السوق، وطبقا لذلك الحكم يصبح من حق الذى تم الاستيلاء على أرض مملوكة له أن يرجع على الدولة بالفرق بين قيمة التعويض وبين الثمن الذى كان يمكن أن يبيع به طبقا لآليات السوق، الأغرب أن بعض هؤلاء الملاك كانوا فى حالات كثيرة قد تصرفوا فى أطيانهم فعلا إلى الغير ثم قام الإصلاح بالاستيلاء عليها وبيعها مرة أخرى إلى واضعى اليد عليها، أى أن هؤلاء قد اشتروها مرتين: مرة من مالكها الأصلى ومرة من الإصلاح، وهو ما يجعلهم يرجعون على مالكها بطبيعة الحال بما قبضه منهم من ثمن، بينما يقبض المالك من الإصلاح قيمة التعويض، وهذه فى حد ذاتها مضحكة المضحكات المبكيات.