قصة "الأزبكية".. من بحيرة تسبح فيها القوارب الذهبية إلى سور للكتب

أخبار مصر

بوابة الفجر


من منا لم يذهب إلى سور الأزبكية، ابتغاء أن تقع عيناه على رواية منسية، أو مرجعًا هامًا أو مصدرًا نادرًا، فهنا بجوار المسرح، يقف الباعة بكتبهم التي لا تنضب، ولكن من يتخيل أن الأزبكية كانت في عصر من العصور ووقت من الأوقات متنزهًا تمرح فيه القوارب الذهبية، وعلى ظهرها الزوجات الحسان بصحبة أزواجهن الذين هم الطبقة الأرستقراطية في المجتمع. 

ولكي نفهم الحكاية ونعيش فصل من فصول التاريخ، ونستعيد عبق الزمن الجميل نبدأ من البداية حيث النشأة وسبب التسمية وفي أي عصر كانت.



تقول هالة فاروق، مفتشة آثار إسلامية بمنطقة وسط القاهرة، إن مبتدأ منطقة الأزبكية كان في العصر المملوكي، وتحديدًا زمن السلطان الأشرف قايتباي، هذا الملك الذي في عهده شهدت مصر عهدًا من عهود الرخاء. 

وتتابع فارق قائلة إن الأزبكية كانت عبارة عن سهلًا مهجورًا، وذلك حتى أواخر القرن الرابع عشر الميلادي، ثم كان أن منح السلطان الأشرف قايتباي، قائد أتابك جيشه هذا السهل، وكان القائد يدعى الأمير سيف الدين أزبك الجركسي. 

وتبدأ الحكاية –والكلام لهالة فاروق- حيث بدأ الأمير يبدع في هذا السهل يريد له عمارًا كي يخلد به اسمه في التاريخ، وقد كان، فقد أمر الأمير أزبك بحفر بركة "بحيرة اصطناعية"، وأوصل إليها الماء من نهر النيل، ثم مهد لها المنتزهات، وصارت مقصدًا لأهالي المحروسة، يتمتعون بنداوة مياهها وجمال أزهارها، فكان أقل مكافأة للأمير أن يحمل هذا المتنزه اسمه، وصار اسمها "الأزبكية" نسبة إلى الأمير أزبك الجركسي. 

وعن مساحة هذا السهل تقول هالة فاروق إنه كان سهلًا ضخمًا مستويًا صالحًا للزراعة، ومساحته عند بدء العمل كانت 60 فدانًا تم استغلالها كاملة وبدأ العمل فيها عام 1476 وانتهى عام 1484.




وتابعت فاروق أن أيام الأزبكية لم تكن كلها وردية، فمع قدوم العثمانيين إلى مصر شهدت أيامًا هي الأسوأ في تاريخها، حيث أفسدها جنود العثمانيين، فخربت قصورها، ومنازلها وتحول الجزء الجنوبي الشرقي منها لجبانة دفن فيها موتى القاهرة. 

ثم بدأت الأمور في التحسن –والكلام لهالة فاروق- مع بدايات القرن الثامن عشر حيث بدأ نوع من الاهتمام يظهر بهذا المكان الذي له ذكرى في قلوب أهل البلد، وعادت الأزبكية تزدان بالقصور الفخمة والمنازل البهية. 

وعن مكانة الأزبكية عند أهل القاهرة قالت هالة فاروق، إنها  كانت متنزههم الرسمي، كما كانت هي الحي المفضل للسكن من قبل الطبقة العليا في المجتمع، والأمراء مثل الأمير الألفي بك، والذي تحول قصره فيما بعد إلى مقر من مقرات الحملة الفرنسية، وأصبح منزلًا لصاري عسكر الفرنساوية، وكان أمام هذا القصر يتم استعراض قوات صاري عسكر والمواكب والاحتفالات الرسمية. 

وعن انبهار الفرنسيين بالأزبكية تقول هالة فاروق، إن العالم الفرنسي جومار الذي صحب نابليون بونابرت في حملته، قال عن الأزبكية إن مساحتها تفوق مساحة ميدان لويس الخامس عشر، وعندما يصل فيضان النيل إلى ذروته تمتلئ البركة بالمياه وتصبح حوضًا واسعًا تغطيه المراكب التي تضاء ليلًا . 

وتتابع فاروق قائلة إنه جاء أيضًا في وصف الأزبكية أنها كانت كثيرة القوارب الذهبية، والتي يملكها الشخصيات المرموقة وأعيان المجتمع، يتنزهون فيها برفقة زوجاتهم، ولم يكن يمر يومًا دون أن تطلق الألعاب النارية ويسمع عزف الموسيقى، في الأزبكية.



ثم كان التحول الأكبر في عهد الخديو إسماعيل، فتشير هالة فاروق إنه عند الشروع في تنظيم ميدان العتبة الخضراء، حيث تم ردم بركة الأزبكية، وشيدت مدينة سميت مدينة الأزبكية، عام 1879، على مساحة 20 فدانًا وأقيم بها مسرحًا للعروض الكوميدية، وجسور ونافورة وغرس بها مجموعة من أندر الأشجار في العالم.

وهكذا لم يتبق لنا من هذا المتنزه السكني الذي كانت تمرح على سطح بحيرته القوارب الذهبية، سوى الاسم، والذي يعيد لأزهانننا، زمنًا خطت فوق أرض تلك المنطقة كبار الشخصيات في مصر والعالم، فقط تبغي أملًا أن تتنزه حول بحيرة، الأزبكية.