المستشار الدبلوماسي سامح المشد يكتب: النصر والمجد لشهداء يناير الأسود في باكو

مقالات الرأي

المستشار الدبلوماسي
المستشار الدبلوماسي سامح المشد


عندما كانت الأوطان أمانةً، لها حقوقاً على ذويها من الزود عنها بالغالي والنفيس، بالروح والدم، لما كانت الأوطان عقداً حباته الكرامة والشرف، وواسطته الحرية والإستقلال، فحين يعظم الخطب ويعطي الإستعمار لنفسه الحق في سلب الحرية وإستباحة الكرامة والشرف، ويستحيل الكرام عبيداً ويعلى يده النجسة اللئيمة على الأرض الطاهرة، فهنا يدق ناقوس الغضب، وويل للمستعمر إذا كفر به الكرام، فإنهم يستعذبون الموت ويسترخصون الحياة وتهون الدنيا وتضيق، ويصبح متسع القبور أرحب من متسع الصدور التي قهرها المستعمر البغيض.

ففي بلد الأكرمين بلدٌ رسم التاريخ، ووضع له أركانه الرواسخ والتي تقدسها الأيام ويتلوها التاريخ جيلاً بعد جيل، بلد صلاح الدين الأيوبي، أذربيجان العريقة العميقة الجذور، العتيقة ككعبة يأمها الطائفون ببلاد التراث والثقافة والحضارة، فهي مسعى وملاذ، وكم مستعمر متجبر فطن لعمقها التاريخي، وموقعها الجغرافي الإستراتيجي، وأدرك ثرواتها التي لاتنضب، فتوجهت الأنظار إليها، وبدأت مخططات المحتل السوفيتي تنسج خيوطها الإستعمارية العنكبوتية.

اليوم 20 يناير الذكرى ال28 ليوم الشهداء ذكرى تعلي هواتف النصر وبشراه، نعم تدق فيها طبول الغزو لكنها سرعان ماتنكس رايات الغزاة، لأن الحرية حق ومادونه الرقاب، والإستقلال عز لامساومة عليه.

إنه في 1989 تم تشكيل ما يعرف الجبهة الشعبية فى أذربيجان التى تأسست من قبل مجموعة من المثقفين والأكاديميين وكان شعار الجبهة "أذربيجان فى الصفوف الأمامية لحركة الحرية فى الإتحاد السوفيتى.

لم تلق السلطات المركزية بالإتحاد السوفيتى بالا بما يحدث فى أذربيجان والإعلام السوفيتى، ولم ينقل خبر عن تظاهرات الأذربيجانيين، ظناً منهم أنها أصوات سيكممها الإرهاب السوفيتي، لكن التضامن ووحدة الصف وديمومتها بين شعب أذربيجان بلغ مبلغاً من القوة، والتي إبرقت لها الأعين وصمت لها الأذان، حتى أن الخارجين عن القانون وأصحاب الملفات الجنائية أعلنوا فى ذلك الوقت وقف السرقة وممارسة الجريمة كتعبير عن وحدة الشعب وتمسكه بالحرية.

ومع إستمرار الحراك الشعبى فى أذربيجان من أجل الحرية والحصول على الإستقلال الوطنى، قامت القوات السوفيتية فى منتصف يوم 20 يناير 1990، بالهجوم على باكو عاصمة أذربيجان من كافة الإتجاهات،للحفاظ على النظام الحليف لها وإفشال تحركات الجبهة الشعبية فى أذربيجان وأعضائها.

إقتحمت قوات الأمن السوفيتي المدينة بعنف لاحدود له وتم إطلاق إسم "الضربة" على هذا الإقتحام، وذلك بموجب حالة الطوارىء التي أعلنتها اللجنة التنفيذية الدائمة العليا لعموم الإتحاد السوفييتي، ووقع عليها جورباتشوف رئيس الإتحاد السوفيتي، وتم تطبيقها حصرياً على جمهورية أذربيجان، وقتلت قوات الأمن السوفيتى أكثر من 137 مواطنا فضلاً عن 744 جريحاً ولايزال هناك المفقودين حتى الآن.

هكذا كانت لغة الدم والقتل هي اللغة التي ينطق بها الإحتلال، وبقراءة تاريخ الغزو السوفيتي لهذا البلد، نجد تناقضات بين الفعل المحمل بالخيانة والدم والإستيلاء الذي تتخفى ورائه الأطماع الحقيقية، والذي ظاهره أسباب واهية باطلة، لكن العالم يشهد حتى وإن لم يتدخل إلا بإعتراض سلبي، فالتاريخ شاهد عيان يسرد الحقيقة التي لاتتمارى فيها العقول، ولما كان الإستقلال والرخاء مطالب عزيزة للأوطان لاتتجانس في وجودها ولا تتمازج  مع الإستعمار الذي يسعى كل السعي ويسخر كل الجهد في نهب ثروات البلاد، وضياع أهلوها في مغبات الجهل والمرض حتى يضعف كل مسببات وأسباب المقاومة، فيبقى ثابت القدم فيها ماشاء من سويعات الدهر.

غير أن لهذا البلد رجال أشداء نهضوا لنصرتها شحذوا الهمم وحشدوا الصفوف فتتاخمت، وخرجوا لنصرتها فكان النصر حليفاً لاجدل فيه ولامراء، وإنحسرت الأطماع السوفييتية، لكن بقى دعمه للمحتل الأرميني الذي جثم على صدر أذربيجان مغتصباً لخمس أراضيها ولم يزل رغم عدم إعتراف العالم بحق الأرمن في تقرير مصيرهم، وعدم تقبل كثير من الدول لفكرة الإعتراف الدولي بها كدولة، فليس من قيام دولة على ركني الإحتلال والإغتصاب وهذا مالاتقبله الشرعية الدولية ويتنصل منه القانون الدولي.

ولقد صدرت قرارات الأمم المتحدة الأربع الرقيمة ٨٢٢، ٨٥٣، ٨٧٤، ٨٨٤، لعام ۱٩٩٣ لصالح أذربيجان توضح الجرائم الوحشية المنتهكة للقانون الدولي، موجهة لأرمينيا تهمة الإبادة الجماعية، ولقد وقعت المسئولية الجنائية الدولية الناجمة عن المجازر التي إرتكبها الأرمن في حق الآذريين على عاتق الأرمن، ولقد أضحت تلك القرارات بما لا يدع مجالاً للشك، كيف تمت عملية الإحتلال الممنهجة للأراضي الآذرية و أيضاً قرارات مجلس الأمن أكدت أن المسئولية الجنائية الدولية إنما تقع على عاتق الأرمن وكل من شارك أو ساعد في إرتكاب تلك المذابح والمجازر التي إكفهر لها وجه العالم أجمع، لتبقى أذربيجان عالية المقامة تتأرجح مابين التقدم والرخاء وتزخر بكل مجد وقوة وخلود حريتها، كتب الله لها النصر والعزة وأعانها على مواصلة النضال لأجل إستعادة حقها المستلب، وإستكمال سيادتها على كامل أراضيها سيادة كاملة غير منقوصة.
مستشار بالسلك الدبلوماسي والمتحدث الرسمي بإسم النادي الدبلوماسي الدولي.