طارق الشناوي يكتب: نعيمة المصري

الفجر الفني

نعيمة المصرية
نعيمة المصرية


(الله الله يا ست نعيمة)، هكذا قالت (المطيباتية) فى الأسطوانة التى تحمل اسم (خد البزة واسكت)، وباقى الشطرة (خد البزة ونام) والمطلع مأخوذ من الفولكلور المصرى، ممكن تقرأها بأن مصدرها البزازة، الأغنية تقع فى قالب (الطقطوقة) المذهب تتم استعادته فى كل مقاطع (الكوبليهات)، وهو قريب من الأذن سريع الحفظ.


تلك الأغنية للمطربة نعيمة المصرية، انطلقت قبل نحو 100 عام، فهى، كما هو واضح، مواكبة لثورة 19 التى قادها سعد باشا زغلول، التى عبرت عن رغبة المصريين فى الاستقلال، (خد البزة) تأليف بديع خيرى وتلحين سيد درويش، ولهما أيضا مع نعيمة العديد من اللقاءات تخللتها الأوبريتات مثل (كيكى كيكو)، بديع ودرويش قدما معا الأروع والأصدق فى تاريخنا الفنى، والمسرح الغنائى تحديدا منسوب للعملاقين، غادرنا سيد درويش شابا فى الثلاثين من عمره عام 1923، وعاش بعده بديع خيرى 40 عاما، يبحث عن توأمه الغنائى المفقود دون جدوى.

دعونا نتأمل طقطوقة (البزة) وحكاية المطيباتى، الذى لا تخلو منه أغنية فى الأسطوانات التى سجلت فى هذا الزمن، إنها واحدة من الوظائف المنقرضة مثل (المشرفاتى)، الذى كان يتصدر الجنازات، مرتديا البدلة الاسموكن والطربوش المكوى، ويسبق النعش مما يوحى بالأهمية الاجتماعية للمتوفى، وأيضا (الندابة)، التى كانت تشيع المرحوم، الذى لا تعرفة بالصراخ والعويل، لكى تلعب دورها فى زيادة شُحنة التقدير والشحتفة على الراحل الغالى، وظائف فقط اختفت من الناحية الشكلية، إلا أنها حملت مع الزمن أسماء أخرى مثل (المطبلاتى) و(الألتراس) و(الفانز) وغيرها، تلك الوظائف لم تستحدث من عدم، فهى ضاربة الجذور فى البنية التحتية الاجتماعية المصرية.

ماذا عن الست نعيمة؟ اشتهرت نعيمة بأنها تُقدم العدد الأكبر من الأغانى التى نصفها بالأبيحة مثل (هات الإزازة واقعد لاعبنى/ دى المزة طازة والحال عاجبنى)، تأليف الشيخ يونس القاضى، الذى نغنى من كلماته نشيدنا الوطنى (بلادى بلادى).

لُقبت نعيمة بملكة الأسطوانات، الكل كان يتسابق للتلحين لها من أساطين ذلك الزمان، مثل داوود حسنى وزكريا أحمد ومحمد القصبجى.

الغريب أنها عاشت حتى عام 1976 ولحقت زمن التليفزيون، ولم يفكر أحد فى تسجيل أى حوار معها، ولن تجد أيضا من وثق حياتها فى لقاءات إذاعية أو صحفية، وهى آفة لانزال نعانى منها حتى الآن، نتصور أن ما نقدره فقط فى زماننا هو ما يستحق أن نلقى عليه الضوء، رغم أن الأمور نسبية جدا، وما هو مرفوض قبل 100 عام، ربما تجد فيه ما يستحق أن نعيد التفكير فيه مجددا بزاوية مغايرة تماما.

(خد البزة واسكت)، تبدو للوهلة الأولى أنها موجهة للطفل، بعد ذلك تلمح أن بديع خيرى وسيد درويش يهتفان للوطن.

(نينتك مصر يا ابنى/ اصحى عنها تنام/ الليلة افديها بمالك/ ماتسوقش عليها دلالك/ صونها ح تصون أحوالك/ خليك عاقل ياعنيا / إنت تحن عليا/ إنت تحب الحرية والاستقلال التام/ نينتك مصر يا ابنى اصحى عنها تنام/ خد البزة واسكت/ خد البزة ونام).

كم كانت نعيمة المصرية صائبة فى دعوتها لمصر أمس واليوم وغدا لكى نستيقظ جميعا ونترك (البزة)!!.