سامح المشد يكتب: سفارة أذربيجان وإحياء ذكرى يناير الأسود

مقالات الرأي

المستشار الدبلوماسي
المستشار الدبلوماسي سامح المشد


تحيي سفارة جمهورية أذربيجان بالقاهرة ذكرى مذبحة يناير الأسود، وكأنني أريد أن أقول في هذا اليوم أن الهتاف يعلو والصيحات تتعاظم والنيران تتأجج، وكأن آذان الحرية خرج يلبيه أبناء أذربيجان الأحرار، فمابين النداء والتلبية دقات قلائل من عمر الدهر، حتى يتم رفع الظلم والبلاء الذي ألم بتلك البقعة الطاهرة، فكم إرتكب الإستعمار من الموبقات على هذه الأرض، كم أذاق شعبها صنوفاً من العذاب والمجازر ونصب المهالك وخطط لها. 

فالمستعمر السوفيتي والذي فرض سطوته وسيطرته على بلاد القوقاز، وله أطماعه التوسعية والتي مهد الطريق لتحقيقها فنهب ثروات أذربيجان، وحاول محو التاريخ وإستخدم سفك الدماء بلاهوادة أو رحمة، نظم وخطط للمجزرة تلو الأخرى، لكن يوماً يذكره التاريخ عندما تفجرت فيه الدماء الآذرية أنهاراً في باكو عاصمة أذربيجان، فقد هاجمت الدبابات السوفيتية العاصمة باكو في اليوم ال20 من يناير الأسود من عام 1990، وسحقت المدنيين الأذريين العزل بلا هوادة أو رحمة فتحولت المدينة لمأتم كبير. 

فقد كتب الشهداء في ذلك اليوم ميلاد الحرية، ميلاد إستقلال أذربيجان، فلم يهنوا ولم يستسلموا بل هب الشعب متظاهراً وكأنه كان لديه دليل من القدر يوجه إلى اللافتور، فلا تراجع ولا إستسلام، ففي الغد القريب ستتوج أذربيجان بتيجان الحرية والكرامة والشموخ والإباء والذي نهل بنوها منهم ولامراء، فهم إسليل صلاح الدين الأيوبي، الذي كان يجاهد ويحارب وليس في جسده موضع إلا وبه مرض عضال يدك مناحيه، فيد مبتورة ويد متحينة لميقات رفع علم أذربيجان الجمهورية. 

إستعد الأذربيجانيون لنيل الحرية وتوحيد الجهود والصفوف، ففي 1989 تم تشكيل ما يعرف الجبهة الشعبية فى أذربيجان التى تأسست من قبل مجموعة من المثقفين والأكاديميين، وكان شعار الجبهة “أذربيجان فى الصفوف الأمامية لحركة الحرية فى الإتحاد السوفيتى”. 

فلما أحس السوفييت بهذا الحراك لم يهتم به لأنه يعلم مدى الوهن الذي ألم بهذا الشعب من ضعف إقتصادي،  لكنه يخشى الغضب المنظم يخشى وحدة الصف رغم عدم إمتلاكه للسلاح المعين اذا مااشتدت المقاومة.
20 يناير هو يوم الشهيد، هو العلامة على حرية الدم الآذري، هو البينة على حرية الروح الآذرية على عظم هذا الشعب الذي لايقبل الضيم والهوان.

ففي 13 يناير - قبل مهاجمة القوات السوفيتية للعاصمة باكو بالدبابات في 20 يناير - صدر قرار بنزع سلاح شرطة "باكو" بأمر من مكتب الداخلية لإتحاد الجمهوريات السوفيتية الإشتراكية، وهذا لم يكن إلا كضمانة لإنعدام المقاومة في الجانب الآذري. 

ثم تم تنظيم الهجوم المجزري الدموي والذي أسفر عن مقتل وجرح وإختفاء مئات المواطنين الأذربيجانيين، فالهجوم يحمل كل معاني الخيانة واللاقيمة واللاشرف، ومما هو جدير بالذكر هو أن السوفيت لم يرتكب كل هذه الأفاعيل التي تستحي منها الأديان ويلفظها القانون الدولي إلا لأجل الوفاء بالوعد الذي قطعه لازاريف على نفسه في خلق الوطن الخصيب للأرمن في بلاد القوقاز خاصة بعد فشل كل المحاولات الإستيطانية في أراضي الدولة العثمانية، فأصبحت أذربيجان هي الملاذ الأخير. 

فقاموا بترسيخ دعائم الإستيطان بناء على وعد من لايملك لايستحق في بلاد القوقاز، لكن نصر الأذربيجانين هبة من الله حباهم إياها بعد صراع مرير مع باطل الإستعمار، بعد أن دفعت الثمن من ذويها الأحرار والحرائر، فقد نالت أذربيجان حريتها وأشرقت شمس النصر لكن يبقى في أغلال الإستعمار الأرميني 20% من الأرض الآذرية حاول الرئيس الأب حيدر علييف إستعادتها بطرائق الحرية البيضاء الدبلوماسية. 

وجه الزعيم الراحل حيدر علييف كل جهده كي لايقحم دولته الحابية في بلاط الإستقلال في حرب لايعلم منتهاها إلا الله، فكان دور منظمة الأمم المتحدة وأجهزتها وقد أصاخت السمع وفندت الدليل بالدليل حتى أرست قرارات مجلس الأمن الدولي الرقيمة٨٢٢، ٨٥٣، ٨٧٤، ٨٨٤لعام ۱٩٩٣قواعد القانون الدولي، وأيضاً قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم ٦٢/ ٢٤٣ فضلاً عن الوثائق ذات الصلة لمنظمة الأمن والتعاون الأوروبي والهيئات الدولية الأخرى. 

لكن من المؤسف أن هذه القرارت مكبلة مكتوفة الأيدي فلاإنسحاب للقوات الأرمينية حتى هذا الحين من الأراضي المحتلة الأذرية، فأين دور الأمم المتحدة ومجلس الأمن في تقصي تنفيذ القرارات مثلما كان دوره في غير موضع وفي قضايا دولية تتشابه بل وتتماثل مع النزاع الأرميني الأذربيجاني، حتى هذا الحين ونيل كامل الإستقلال الأذربيجاني؟. 

لانغفل أن نعظم تلك الدولة الجبارة القادرة على خوض غمار المعارك الإقتصادية والسياسية، وتحقق النصر بإذن الله وسط تسارعات وتصارعات القوى الإقتصادية الصاعدة، وهذا لم يكن إلا بفضل قيادة واعية تستطيع أن تستوعب موضع القدم وماترنو إليه وتستطيع أن تحققه.