دواعش "القوقاز".. يسحبون البساط من الإرهابيين العرب فى هجمات أوروبا وأمريكا

العدد الأسبوعي

عناصر داعش الإرهابية
عناصر داعش الإرهابية - صورة أرشيفية


تحولوا إلى رقم صعب بعمليات "الهالوين" و"رأس السنة"

كونوا شبكة إرهابية على مستوى أوروبا ووطدوا علاقتهم بعصابات "الجريمة المنظمة"


«سيكون هذا هو الخطر الذى تجب مراقبته فى عام 2019».. جرس إنذار، أطلقته دوائر أمنية غربية مع مطلع العام الجديد، إيذاناً بوصول خطر الإرهاب الداعشى، القادم من دول القوقاز وآسيا الوسطى، إلى قلب الغرب هذه المرة، وذلك بعد سقوط معاقل التنظيم المركزى فى سوريا والعراق.

وبرز ذلك الخطر، كمنافس قوى يزاحم التهديد القائم من الجنسيات العربية القادمة من دول الشرق الأوسط، وربما ينجح فى سحب البساط منها على مسرح العمليات الإرهابية فى أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية.


قبيل ساعات فقط من احتفالات رأس السنة، كانت السويد قد أعلنت عن إحباطها هجوماً كيميائياً ضخماً، وإلقائها القبض على ستة دواعش من جمهوريات تنتمى للاتحاد السوفيتى السابق، مثل قرغيزستان وأوزبكستان، كانوا حصلوا على تعليمات تنظيمية مباشرة من معقل القيادة الداعشية السابق فى مدينة الرقة السورية، حيث قاموا بشراء آلاف الكيلوجرامات من المواد الكيميائية والمتفجرات وحددوا أهدافاً إرهابية فى استوكهولم، وقال بيان النيابة العامة السويدية: إنه «لو نجح الهجوم الإرهابى لكان ألحق أضراراً خطيرة بالسويد».

فيما كشفت التحقيقات الصلة الوثيقة بين أحد أضلاع الخلية الداعشية فى استوكهولم، باختيورعمروف، وبين الأوزبكى، أبو محمد الخراسانى، أو عبدالقادر مشاريبوف، سفاح اسطنبول الشهير، ومنفذ مذبحة «ملهى رينا»، ليلة رأس السنة قبل عامين، فى العاصمة التركية، والتى أسفرت عن مصرع 39 شخصاً، بينهم 16 أجنبياً، وإصابة 65 آخرين.

من جانبها، حذرت هيئة حماية الدستور الألمانية (الاستخبارات الداخلية)، من مخاطر»الدواعش» من مناطق القوقاز، خصوصاً من الشيشان، على الأمن فى ألمانيا وأوروبا.

وقال فرنك نورمبرجر، رئيس دائرة حماية الدستور فى ولاية براندنبورج، إن كثيراً من هؤلاء اللاجئين، يمثلون خطراً بالغاً، يستدعى أقصى درجات الحذر من قبل السلطات الأمنية، بحكم ميلهم للعنف، وحصولهم على تدريبات عسكرية فى بلادهم الأصلية ضد القوات الروسية، ثم مشاركة الكثيرين منهم فى القتال فى سوريا والعراق، وأنهم «على أهبة الاستعداد لاستخدام هذا السلاح فى ألمانيا عند الضرورة» .

كما أن أجهزة الأمن الألمانية، تجد صعوبة فى فرض المراقبة اللازمة عليهم بحكم تمرسهم السابق فى العمل السرى، ضد التتبع الروسى.

هانس جيورج- ماسن الرئيس السابق لهيئة حماية الدستور، كان تحدث صراحة قبل نهاية العام الماضى أيضاً عن معلومات، تفيد بوجود شبكة نشطة من إرهابيى القوقاز، على مستوى أوروبا، وأنهم يمتلكون علاقات، بشبكات الجريمة المنظمة أيضاً.

ولكن كيف تحولت أنظار دواعش «القوقاز» نحو الغرب كهدف؟!، تقول فيرا ميرونوفا، وهى أستاذ زائر بقسم الاقتصاد بجامعة هارفادر الأمريكية ، فى مقال مهم لها نشرته مؤخراً مجلة فورين بوليسى الأمريكية، إن «الحروب فى الشرق الأوسط قد حولت المتشددين القادمين من الدول الناطقة بالروسية، والذين كانوا يركزون على نشاطهم ضد حكوماتهم المحلية، إلى «إرهابيين عالميين»، وأنه بحلول عام 2017، كان قد وصل مالا يقل عن 8500 مقاتل من الاتحاد السوفيتى السابق إلى سوريا والعراق بهدف الانضمام إلى داعش، دخلوا جميعا تجربتهم الأولى فى القتال ضد دول التحالف الدولى، الولايات المتحدة الأمريكية، وحلفائها الأوروبيين، وهى التجربة التى تركتهم، يبحثون عن الانتقام، ويرون أن عملياتهم المستقبلية، يجب أن تكون ضد الغرب، الذى أسقط الخلافة الداعشية».

و ظهر الدواعش من جمهوريات الاتحاد السوفييتى السابق، على مسرح العمليات الإرهابية دولياً، بتفجير ماراثون بوسطن عام 2013، ونفذه شقيقان من الشيشان هما جوهر تسارنايف، وشقيقه تامرلانك، وأسفر عن مقتل 3 وإصابة 265 شخصا.

غير أن الصدمة الكبرى، أعقبت مذبحة ملهى رينا باسطنبول، حيث تلتها بعد شهور 3 تفجيرات انتحارية متزامنة ضربت مطار أتاتورك، يونيو2016، وأسفرت عن مقتل 43 شخصاً، ونفذها 3 دواعش، من روسيا وجمهوريتى أوزبكستان وقيرغيزستان فى آسيا الوسطى، جندهم العقل المدبر للعملية، الشيشانى أحمد شاتاييف .

كما كشفت التحقيقات بعد ذلك أنه كان يخطط مع شريك آخر له، لجمع معلومات استخباراتية عن العديد من القنصليات الأمريكية والمطاعم المشهورة التى يتجمع فيها الأمريكيون فى تركيا وجورجيا، بغرض استهدافها.

عام 2017 شهد حوادث دهس مروعة، نفذها دواعش قوقازيون، بدأت بحادث الدهس فى مانهاتن فى نيويورك، أثناء الاحتفال بعيد «الهالوين»، وأسفر عن مقتل 8 وإصابة 11 شخصا، نفذه الأوزبكى سيف الله سايبوف 29عاماً، إضافة إلى حادث الدهس فى العاصمة السويدية استوكهولم، ونفذه داعشى أوزبكى آخر 39عاماً.

وفيما يتسم إرهابيو القوقاز بالشراسة والوحشية المفرطة، فقد عرفوا أيضاً بالكفاءة العسكرية بحكم خبرتهم العالية من حروبهم المتتالية مع الروس، فتحولوا بمجموعاتهم وتنظيماتهم المسلحة إلى رقم مهم فى خريطة المشهد المسلح فى سوريا، وفى تكوينات التنظيمات الإرهابية التى انضموا إليها أيضاً، وأهمهم داعش وجبهة النصرة «هيئة أحرار الشام».

فشكل العنصر القوقازى، نقطة تحول جوهرية فى نشاط تنظيم داعش الإرهابى على مستوى العمليات، بقيادة الجورجى طرخان باتيرشفيلى، المعروف بأبو عمر الشيشانى، الذى تولى منصب وزير الحرب فى التنظيم حتى مصرعه.

وتسببت بيعته لأبو بكر البغدادى فى انقسام المجموعات القوقازية، وتعدد ولاءاتها، ما بين تنظيم داعش والقاعدة، فدان تنظيما «جيش المهاجرين والأنصار» بقيادة صلاح الدين الشيشانى وتنظيم «مجاهدون القوقاز والشام» بقيادة سيف الله الشيشانى بالولاء لـ»جبهة النصرة /هيئة أحرار الشام»، فيما حافظ تنظيم «جند الشام» بقيادة مسلم أبو الوليد على استقلاله ورفض الانضواء تحت أى من التنظيمين، بسبب أفكارهما، التكفيرية أو شديدة التطرف.

أيضاً، طالما كان إرهابيو القوقاز شوكة فى ظهر روسيا، حاولت التخلص منها قبل ذلك مع زيادة موجة تدفق المقاتلين من تلك الجنسيات إلى سوريا والعراق بشكل ملحوظ فى 2013، وبدأ الأمن والاستخبارات الروسية فى دعم وتحريض المتمردين فى داغستان ضد الحكومة الروسية، للانتقال إلى هناك عبر وسطاء، أعدوا قوائم بأسماء الشباب الراغبين فى المشاركة بالقتال، وسهلوا حصولهم على جوازات سفر للعبورعبر تركيا.

وكانت المخابرات الروسية تعتبرهذا النشاط نجاحًا كبيرًا، طبقا لتعبير أحد مندوبى المخابرات: «هم يموتون على الطريق إلى الله هناك، ونحن نتخلص من الأعمال الإرهابية هنا».

غير أن الرعب من الهجمة المرتدة المرتقبة بعودة دواعش القوقاز إلى مواطنهم الأصلية فى جمهوريات الاتحاد السوفيتى السابق، كان يعنى كارثة أمنية بكل المقاييس، وعليه أعلن الرئيس الروسى فلاديمير بوتين أنه يواجههم بعمليات عسكرية روسية فى سوريا، وأن تلك العمليات ضد داعش والنصرة، هدفها «حماية الأمن القومى الروسي» فى المقام الأول. لكن اللعبة لم تنته عند هذا الحد، ومع سقوط الخلافة الداعشية فى سوريا والعراق، وظهور بؤر جديدة لتمركز الدواعش الناطقين بالروسية، أبرزها ليبيا والصومال وباكستان وأفغانستان، لم تفت الولايات المتحدة الأمريكية فرصة جذب دواعش وسط آسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة، تحت تنظيم «خراسان» الداعشى فى أفغانستان، بهدف تطويق روسيا بحزام إرهابى، فى المناطق المتاخمة لحدودها، وذلك على خلفية صراعها هناك مع غريمها، الدب الروسى، الذى يدعم بدوره فى المقابل حركة طالبان.