منال لاشين تكتب: ظل الرئيس

مقالات الرأي



زكريا عزمى باع الهدايا التى حصل عليها من الرئاسة

ثمن البراءة شقة سان إستيفانو و1.8 مليون كاش وفيللا مارينا


حقق مسلسل ظل الرئيس نجاحا باهرا حين عرض فى شهر رمضان قبل الماضى. والمسلسل بالطبع قصة خيالية عن مدير مكتب رئيس جمهورية. ولكن ظل الرئيس هو الصفة المناسبة جدا للدكتور زكريا عزمى رئيس ديوان رئيس الجمهورية الأسبق حسنى مبارك.. فقد ظل زكريا عزمى لصيقا بمبارك حتى من قبل أن تأتيه الرئاسة. ولذلك ظل زكريا عزمى ظل الرئيس، ولكن ظل الرئيس اختار بذكاء أن يعيش فى الظل بعد ثورة 25 يناير. كان اسمه يطل علينا فى صفحات الحوادث أحيانا لنعرف أخبار قضية الكسب غير المشروع. والتى انتهت نهاية سعيدة للرجل. بعد حكم نهائى بالبراءة.

الحكم أثار الدهشة والغضب، وكالمعتاد استغله البعض لغسل سمعة نظام مبارك. ولكن الحكم يحتاج إلى تحليل. وبدرجة أكبر وأعمق نحتاج إلى تحليل لدور الدكتور زكريا عزمى فى النظام السياسى.


1- ثمن البراءة

لم تهتم الصحافة والإعلام مع سرعة الأحداث وكثرة الأخبار بتحليل براءة الدكتور زكريا عزمى من الكسب غير المشروع، لم تعد إلى بداية مفاوضات الدكتور ومحاميه مع جهاز الكسب غير المشروع. ففى البداية أقر الدكتور بوجود بعض المال غير المشروع أو الذى لم يستطع إثبات مصادره. مثل 1.8 مليون جنيه نقدا. وشقة فى سان إستيفانو. ودفع ثمن فيللا مارينا.

ولكن الجهاز اعتبر أن هذه التنازلات غير كافية لإبراء الذمة المالية له. ولهذا ذهب الطرفان للمحكمة. والبراءة المقصودة هى براءة الذمة المالية للدكتور زكريا بعد تنازلاته.

ولكن ما لفت نظرى بحق فى القضية أو بالأحرى الملف أن دفاع زكريا عزمى دفع بأن تقرير جهاز الكسب غير المشروع تجاهل حساب إيراد بيع هدايا ضمنها زكريا عزمى فى إقرارات الذمة المالية بمبلغ 271 ألف جنيه عن عشر سنوات.

وقد كنت أسمع بالطبع عن قيام بعض قيادات الحزب الوطنى وكبار المسئولين ببيع الهدايا التى تمنح لهم خاصة من خارج مصر. ولاشك أن قصصًا أو بالأحرى فضائح الهدايا تستحق تحقيقا خاصًا. ولكنى لا أستطيع أن أنسى أن إحدى الوزيرات اتهمت مسئولاً برئاسة الجمهورية بسرقة الماس الذى يزين الطقم المرسل لها، واستبداله بفصوص فلصو. ومن المؤسف أن نظام مبارك حارب وضع تشريع يمنع المسئولين من تلقى هدايا بأكثر من 500 جنيه. وبعيدا عن عدد الهدايا وقصص وشائعات الـ60 ساعة التى وجدها الكسب غير المشروع لدى الدكتور زكريا عزمى. بعيدا عن المشروع وغير المشروع فى ذمته المالية، فإن الذمة السياسية للدكتور قد تكون أكثر تأثيرا على مصر من ملايين زكريا عزمى فى الكسب غير المشروع.


2- أعمدة النظام

كان الدكتور زكريا عزمى يوصف باسمه أحد أعمدة النظام الأربعة. وهم يوسف والى وصفوت الشريف وكمال الشاذلى رحمه الله. ومن بين الأربعة استمر نفوذ زكريا عزمى حتى يوم ثورة 25 يناير بل امتد حتى بعد تنحى مبارك بفترة. فقد استطاع أن ينجو من مقصلة جمال مبارك وشلته، وإن فقد بعضا من نفوذه فى سنوات صعود جمال وشلته إلا أنه بفضل علاقته الوطيدة بمبارك ظل قويا. كان مبارك قد أصدر تشريعا يستثنى زكريا عزمى من الإحالة على المعاش. كان زكريا إحدى الصلات المهمة بين مبارك وفئات عديدة فى المجتمع. وكان البرلمان إحدى صلاته بالمجتمع بوصفه نائبا. والعلاقات مع المعارضة ورجال الأعمال. ولكن الدكتور زكريا عزمى لم يكن ذا علاقات وثيقة مع المثقفين مقارنة بالدكتور أسامة الباز والدكتور مصطفى الفقى. وكانت كلمة الدكتور زكريا عزمى مسموعة ونافذة فى كل من البرلمان والحكومة معا. شارك فى إقالة وزارات والإطاحة بمنافسين. فعلى الرغم من العشرة استغل عزمى جملة نطق بها يوسف والى فى لحظة غضب للإجهاز على العمود الرابع.

فى اجتماع للحزب الوطنى على مستوى القمة جرى الحديث عن ضرورة تجديد دماء الحزب وحتمية تخلى الشيوخ للشباب. وشعر يوسف والى أن الكلام موجه إليه. فقال والى إن التغيير يجب أن يكون من الرأس للقاع. فرد عزمى عليه بسرعة قائلا: انتبه لكلامك يا دكتور. ونقل الدكتور زكريا الحوار للرئيس مبارك، معتبرا أن والى كان يقصد تغيير مبارك شخصيا.

لتعزيز سيطرته ونفوذه حرص عزمى على علاقته بكمال الشاذلى ووزير الداخلية حبيب العادلى. من خلال اللقاءات على العشاء أو السهر.

بالإضافة للعلاقات الاستراتيجية داخل بيت الحكم كان لعزمى علاقات مع رموز المعارضة وقيادات الأحزاب وصحفيين وكتاب.

حاول الدكتور زكريا عزمى أن يرسم لنفسه صورة نجم المعارضة داخل النظام بل من قلب القصر الرئاسى. صك عبارات رنانة مثل الفساد فى المحليات للركب.. وكرامة المواطن أولوية.. ولاشك أن دراسته وحصوله على الدكتوراه فى القانون الدولى سهل له هذه المهمة، فضلا عن ذلك فقد نشأ زكريا فى بيت ثقافة وصحافة فعمه هو الكاتب محمود عزمى.. ولكن هذا الدور أصابه التدهور عاما بعد عام.. خاصة بعد كارثة عبارة السلام التى راح ضحيتها مئات المصريين ونشرت تقارير عن علاقة الدكتور زكريا عزمى بصاحب العبارة. كما أن عدم إصلاح أى خطايا مما كان ينتقدها عزمى جعل الكثيرين يشعرون أن الدكتور زكريا يؤدى دورًا مرسوما.. حتى الدكتور زكريا عزمى نفسه أصابه الملل من تكرار الدور. وكان يبدو لى فى المجلس كنجم مسرحى زهق من لعب نفس الدور. كما أن صعود جمال مبارك كان يطارده باعتباره بداية النهاية لدوره ونفوذه. ولذلك حاول زكريا عزمى أن يستغل ثورة 25 يناير. وحصر الثورة على توريث جمال مبارك وشلته فى الحزب والحكومة. ولذلك نصح زكريا عزمى مبارك بالتضحية بأحمد عز ورشيد. ولكن الثورة الشعبية داهمته وهرست نظامًا كان زكريا عزمى أحد أبواقه ورموزه. فقد تداخل زكريا عزمى فى السياسة خلال فترة مبارك إلى درجة تجعله أحد المسئولين عما أصاب البلد من فساد وإهمال وتدهور غير مسبوق. وللأسف إننا نهتم كثيرا بالتجاوز المالى أكثر من اهتمامنا بالتجاوز السياسى الذى يترك آثاره وتوابعه على البلد لسنوات طويلة. نحن ندفع الآن ثمن الفساد السياسى لنظام مبارك بدرجة أكثر وأعمق كثيرا من حكاية ساعات ذهبية وماسية وشقة ولا حتى عمارة فى سان إستيفانوا. وفى محكمة التاريخ ربما يحتاج أن يدلى الدكتور زكريا عزمى بشهادته أمامها لتبرئه من التورط فى الفساد السياسى أو ترسم حدود دوره وتدخله فى السياسة المصرية لأكثر من 30 عاما.