طارق الشناوي يكتب: (بحب السيما) الفيلم الذي قَرَأنا!!

الفجر الفني

طارق الشناوي
طارق الشناوي


آخر مقال قرأه لى بـ(الواتس آب) الراحل الصديق أسامة فوزى (رأيت الله فى الكنيسة)، استشهدت بفيلمه (بحب السيما)، واعتبرته واحدا من أفضل أفلام الألفية الثالثة، لتمضى فقط 24 ساعة ويرحل عن دنيانا. هذا الفيلم هو الأجرأ فى تقديم العائلة القبطية باعتبارهم مصريين أولاً، كل الأعمال الدرامية تتعامل بقدر لا ينكر من الحساسية مع الشخصية المسيحية، وفى أحيان كثيرة تبتعد عن الدخول لتلك المساحة المثيرة دوماً للأزمات، مثلاً فيلم (البوسطجى) لحسين كمال، المأخوذ عن مجموعة (دماء وطين) ليحيى حقى، تجنب أساساً الإشارة إلى أن شخصيات الأبطال مسيحيون مختلفو الطوائف، وهذا هو سر تعثر الزواج، الناس ترى الفيلم باعتبار أبطاله مسلمين. المتفرج المسلم لا يدرك الكثير عن الديانة القبطية، منها أن هناك ثلاث طوائف مسيحية فى مصر (أرثوذكس وكاثوليك وأنجيليون)، ويتعامل معهم باعتبارهم جميعا أقباطا فقط. فيلم (بحب السيما) كان جريئا فى الغوص داخل تلك التفاصيل وغيرها، بينما الكثير منا يفضل الوقوف على الشاطئ. المثقفون فى بلادنا لم يصلوا أبدا إلى جُرأة أسامة فوزى، الذى أبدع على الشاشة وهو يقدم السيناريو الممتع للموهوب الاستثنائى هانى فوزى. القراءة الصحيحة للفيلم أنهم عائلة مصرية أولًا قبل أن نلحظ الديانة، وهذا هو المفتاح الحقيقى لقراءة الشريط السينمائى، إلا أن الدولة قبل 15 عاما توجست من ردود الفعل، وتعاملت معه باعتباره شأنا قبطيا، هل المثقفون فى تعاطيهم مع الأعمال الفنية يتحررون من القيود الدينية، أم أنهم صدى مباشر للمجتمع بكل تعقيداته وتزمته؟.

مدير الرقابة وقتها د. مدكور ثابت، وجد أن الحل لتمرير الفيلم أن يوافق عليه عدد من المثقفين الأقباط، قرارهم سوف يُهدئ من روع الجميع، شكّل لجنة مكونة من سبعة، بينهم مسلم واحد، الناقد أحمد صالح، هذه اللجنة أصدرت قراراً برفض الفيلم وطالبت بتدخل الكنيسة من خلال رجال الدين المسيحى بطوائفهم الثلاث، من ضمن أسباب الرفض أن الفيلم يتعرض لأحد أسرار الكنيسة السبعة وهو الزواج.

تنبه أمين عام المجلس الأعلى للثقافة وقتها «د. جابر عصفور» لخطورة الموقف، فشكل لجنة أخرى بها أيضاً عدد من الأقباط، ولكن مع إتاحة الفرصة لمن هم أكثر رحابة فكرية وتمت الموافقة على عرض الفيلم كاملا، إلا أن غضب الكنيسة الأرثوذكسية لم يتوقف، وهتفت وقتها المظاهرات داخل الكاتدرائية فى العباسية ضد صُناع (بحب السيما)، تطرف المثقفين وتحكيم الرؤية الدينية والأخلاقية المباشرة لا تزال هى المسيطرة على قسط وافر من المثقفين، أتذكر أن بعض النقاد فى عام 2001 أعلنوا الغضب، لأن المخرج داوود عبد السيد فى فيلمه (مواطن ومخبر وحرامى) قدم «حرامى مسلم»، وهو الدور الذى لعبه شعبان عبدالرحيم، وهكذا صرنا المشكلة بدلًا من الحل. المتظاهرون فى الكنيسة حطموا الخيط الفاصل بين الفنان والإنسان، كان أسامة فوزى، فى منتصف التسعينيات، قد أشهر إسلامه للزواج من الممثلة سلوى خطاب، وبعد الطلاق تزوج من زميلتنا الصحفية صافيناز حشمت، ولا أدرى من هى الزوجة الثالثة، أو ربما لم يتزوج، ولهذا كان الغضب ضده مضاعفا فى الكنيسة. كشف الفيلم مأزق الدولة التى لم تكن على المستوى اللائق وهى تتعامل مع مصنف فنى مصرى، فقررت اعتباره مصنفا فنيا قبطيا. وضع الفيلم الجميع أمام المرآة الكاشفة لعوراتنا، لنرى كم نحن متعصبين ومتعسفين، ليظل (بحب السيما) هو الأجرأ فى قراءتنا أولًا كمصريين، أكرر مصريين، لا مسيحيين أو مسلمين!!.

نقلًا عم "المصري اليوم"