طارق الشناوي يكتب: "شوية أكسجين"!

الفجر الفني

شيرين
شيرين


شيرين طفلة فقيرة، منتهى أمانيها أن تأكل فى المساء نصف فرخة على الشواية الكهربائية لأن شواية الفحم أغلى، ربما كان ذلك صحيحا، تلك المراهقة سمراء اللون قبل 20 عاما لم تكن تتمتع بجمال أخاذ، طبقا للمفهوم الشرقى، البشرة البيضاء والعيون الخضراء والشعر الأشقر، الجمال يحتاج لرعاية وميزانية حتى يومض على الوجه، ولا تملك تلك الطفلة المكافحة التى تحيى أفراحاً فوق السطوح وفى الشوارع ما يتيح لها الذهاب إلى كوافير يجيد فن تزويق البنات، هذا أيضا به الكثير من الصحة، إلا أن الله منحها صوتا استثنائيا يسكن مباشرة قلوب الناس، وهذا الرأى من وجهة نظرى المتواضعة به كل الصحة.


معايرة إنسان على فقره أو لونه أو ملامحه أو تواضع شهادته التعليمية، أراها أسلحة لا تليق أخلاقيا، مهما تصورنا أنه بمثابة عقاب مستحق عن جريمة انفلات اللسان.

ما تقوله شيرين بين الحين والآخر على المسرح وأمام الجمهور من الممكن أن يدخل تحت باب السخافة، هذا هو أقصى عقاب يوجه لإنسان، أكرر فقط إنسان مهما كانت مكانته، الشهرة أو المال لا تمنح لأحد حصانة، العقاب المستحق هو أن ننعته بالسخافة، لا يوجد تجريم ولا عقاب قانونى للسخافة، (السوشيال ميديا) هى الآن المحتسب الذى يعاقب نيابة عن الناس المسىء والخارج عن الصف.

أغلب ما انفلت من شيرين على المسرح سواء هنا أو فى أى بلد عربى، مع الأخذ فى الاعتبار أنه فى ظل الانفتاح الفضائى، لم يعد هناك شىء اسمه داخل وخارج الحدود الكل صار يتعاطى مع الحدث فى نفس اللحظة- أغلب تلك التجاوزات تؤكد أن شيرين لا تدرك الحدود الفاصلة بين ما يجوز أن نتناقله فى الدائرة الصغيرة بين الأصدقاء المقربين وبين ما نعلنه فى دائرة أوسع وهم الجمهور، لو أنها مازحت أصدقاءها وقالت (أنا خسارة فيكم أو أنا خسارة فى مصر)، لانتهى الأمر عند ذلك الحد، ولا يمكن أن تتهم بإهانة مصر، مدلول الكلمات وظلالها لا تصل أبدا للحديث الجاد، إنهم يذكروننى بالشيخ متولى الشعراوى الذى اعتبر أن زواج الأفلام يُعد بمثابة زواج شرعى استنادا إلى حديث يؤكد أن الزواج (جده جد وهزله جد)، هم يطبقون على شيرين بالضبط رؤية الشعراوى المتزمتة فى الزواج السينمائى.

أكرر سخافة أن تُعلن شيرين ذلك، وسخافة أكثر أن نرد على السخافة بسخافة.

ليس مستبعداً أن نجد أحد الأفاضل من نواب مجلس النواب الموقر وهو يتقدم باستجواب ضد هانى شاكر، نقيب الموسيقيين، لأنه، حتى كتابة هذه السطور، لم يصدر قرارا تأديبيا يحرم شيرين من الغناء، مثلما فعل من قبل وأجبرها على الصمت لمدة شهر، وقد يشدد العقاب هذه المرة ليصل إلى ستة أشهر أو عام، وبحكم تكوين هانى الخاضع دوما للسلطة فهو من الممكن أن يتحول إلى خرزانة لإنزال العقاب بزملائه.

شيرين، بحكم تكوينها وثقافتها، هى صوت للدولة، فلقد سبق أن غنت لمبارك فى أعقاب رحلة علاجه فى ألمانيا، وذلك قبل اندلاع ثورة 25 يناير، ولم تكن تدرك إلى أى مدى كان الشارع المصرى غاضبا من ممارسات مبارك بسبب الفساد وإصراره على توريث الحكم لابنه جمال لكنهم قالوا لها غنى فغنت، شيرين ليست فقط فنانة وطنية لكنها أيضا فنانة دولة، اتركوا لها (شوية أكسجين)!