أسامة الباز أصر على حفل تكريمي ليثبت أن مبارك ليس غاضبًا منى.. صفحات من مذكرات (46)

العدد الأسبوعي

عادل حمودة
عادل حمودة


الباز: اختلف مع عادل حمودة كما تشاء ولكن لابد من الاعتراف بحرفيته العالية التى لم يوظفها لأغراض شخصية 

طلب محمد فائق منى تولى رئاسة تحرير صحيفة العربى الناصرية ولكن ضياء الدين داود فضل استمرار عبد الله إمام

صفوت الشريف حرض أقلام أتباعه ضدى فانتقامه طبق يؤكل باردا

مبارك وافق على إصدار صوت الأمة بعد أن شعر بأن الجنزورى لم يكن منصفا عندما أصر على إخراجى من «روزاليوسف»

عندما توفى الدكتور أسامة الباز نشر السفير هانئ خلاف (زوج شقيقته) كتابا عنه ذكر فيه: أنه وجد فى ملفاته مقالات نشرتها ترصد الخرافات التى تسيطر على المجتمع المصرى.

وكثيرا ما تحدث الدكتور مصطفى الفقى فى مناسبات مفتوحة عن علاقتى المتينة بالدكتور أسامة الباز دون أن يعلم أنها بدأت منذ أن كان شابا بعيدا عن الأضواء وقت أن اختير مسئولا عن العلاقات الخارجية فى منظمة الشباب التى أسسها جمال عبد الناصر قبل أن يغلقها أنور السادات.

وعندما أصبح الباز مستشارا سياسيا للرئيس مبارك تشاركنا كثيرا فى البحث عن مخارج تنقذ النظام من أزمات وضع نفسه فيها خاصة فى السنوات الست التى توليت فيها مسئولية تحرير «روزاليوسف».

وربما لهذا السبب لم تعجبه الصيغة التى كتبها محمود التهامى فى خبر خروجى من «روزاليوسف» حين لخص التهامى ما حدث فى إننى نقلت نشاطى للأهرام دون تفسير للأزمة المدوية التى تسبب فيها تحالف كمال الجنزورى ونجيب ساويرس وانتهت بتقليص المساحة المتاحة من حرية الصحافة.

ونقل الباز للتهامى رسالة تقدير مبارك للدور الوطنى الذى لعبته فى مواجهة الإرهاب ودعم استقرار الوطن فى وقت تخاذل فيه الجميع مؤكدا أن نقلى للأهرام قرار فرضته ظروف ما ولكنه قرار مؤقت إلى حين.

وفهم التهامى أن مبارك ليس غاضبا منى فكتب افتتاحية «روزاليوسف» التى كشف فيها ملابسات الأزمة مشيدا بدورى السياسى والمهنى دون أن ينسى تبرئتى من تهمة الصحافة الصفراء التى حاول البعض استخدامها حجة لتبرير ما حدث.

بل أكثر من ذلك طلب الباز من التهامى تكريمى فى احتفال خاص سيحضره بنفسه بعد عودته من مهمة سياسية فى شرق أوروبا واختار مطعم الكبابجى فى فندق شيراتون الجزيرة (سوفتيل فيما بعد) مكانا للحفل ودعا بنفسه شخصيات سياسية وصحفية وسينمائية لحضوره.

أشارت «روزاليوسف» إلى الحفل فى أولى صفحات عدد يوم الاثنين 23 مارس 1998 تحت عنوان جذاب: تكريم عادل حمودة يتحول إلى تكريم «روزاليوسف» وتركت الصور والتفاصيل فى صفحة 90.

فى صفحة 90 كان العنوان الرئيسى: «روزاليوسف» تحتفل بكاتبها الكبير الفن والصحافة والسياسة يكرمون عادل حمودة و«روزاليوسف».

وتحت العنوان كان نص ما نشر:

كان هدف «روزاليوسف» من هذا الحفل الجميل هو تكريم ابنها الكاتب الكبير عادل حمودة ولكن الحفل الذى جرى وسط أجواء حميمية وعاطفية تحول أيضا إلى تتويج للمؤسسة العريقة والمدرسة العظيمة التى بلغت عامها الثالث والسبعين.

شارك فى الحفل كل أجيال «روزاليوسف» ومن خارجها جاء حسين فهمى ووحيد حامد وهالة سرحان ونادية صالح وإيناس الدغيدى وحسن الحيوان وهانئ عنان وعلى عبد العزيز.

وأمسك الدكتور أسامة الباز بالميكرفون ليوصل الرسالة التى حرص عليها قائلا:

لقد أتيحت لى منذ مدة طويلة فرصة أن أعرف الكاتب الكبير عادل حمودة وقد عرفته أولا عن طريق قلمه من خلال الحرفية العالية المصحوبة بالمعانى الجميلة.. إن عادل حمودة شخصية محترمة لا يمكن لأى أحد أن ينظر إليها إلا بكل التقدير العميق.. هذا هو الواقع.. إنه كفاءة عالية ملتزمة بقضايا الوطن.. لا يستخدم قلمه لمصلحة شخصية.. وبالرغم من ذلك لا يستطيع أحد أن يهرب من النقد.. وهو محل تقدير.. ولن يتأثر بالأقاويل.

لقد استمد عادل حمودة اسمه من خلال قلمه ومن خلال اسم مؤسسة «روزاليوسف» التى ينتمى إليها.. وسوف يظل اسمها مصاحبا له فى المستقبل رغم أن مشاوير الحياة تتغير.. وكان يمكن أن اختلف معه فى الرأى.. وكان دائما يتقبل الرأى الآخر.. وهو صاحب رسالة لأنه خرج من «روزاليوسف».

وفى وجوده كانت «روزاليوسف» أول من تصدت لقضايا الوطن الكبيرة.. وكذلك لا يعقل أن ينظر إلى «روزاليوسف» بصورة سيئة.. لقد دخلتم معارك كبيرة.. وبصرف النظر عن اختلاف الأجيال سوف تبقى المدرسة مستمرة.. ويجب أن تحصل الأجيال الجديدة على فرصتها.. وأن يستمر نضوجها وخبرتها.. إننى هنا أعلم أن المؤسسة منذ إحسان عبد القدوس وصلاح حافظ وحسن فؤاد وعادل حمودة كانت حريصة على ترابط الأجيال.

ولا يمكن أن توصف مجلة «روزاليوسف» بأنها حكومية.. وكانت لكم مواقف هامة فى حقبة زمنية تطالب بالنظر فى تجاوزات الصحافة.. ولكن.. ذلك لا يقلل من دوركم وقوتكم.. فالمجلة لم تبتز أحدا ولم يعمل أحد محرريها لمصلحته.. ولن يكون موقع عادل حمودة الجديد تقليلا من قدراته الوطنية.. وسوف يظل قائما فى نواح مختلفة.

لا يوجد غضب من الحكومة تجاه «روزاليوسف» ولا يمكن أن يضعكم أحد فى خانة الصحافة الصفراء.. وسوف تظل إحدى كتائب الوطن الهامة ونبع الحركة السياسية.. ويكفيها أنه لا يوجد بين صحافييها أى مبتز.. وقد خضتم كل المعارك دفاعا عن الوطن.. وربما ينظر البعض خطأ إلى ما تقولون.. لأنه يخشى من الأفكار الجديدة.. وهذا طبيعى فى التعامل مع كل فكرة جديدة.

ومرة أخرى أشيد بأخى عادل حمودة وأكرر أن مرحلته الجديدة سوف تؤدى إلى إثراء الحياة السياسية والاجتماعية ولن تكون المحطة الأخيرة.

احتفت «روزاليوسف» بما قال الباز.. ولكن.. الخطأ أن التهامى تصور أن الأزمة انتهت بنقلى إلى الأهرام.. وأن من الممكن الاستمرار فى سياستى التحريرية ولو كنت غائبا عنها.. وكأن شخصى فقط كان المقصود بالانقلاب الذى حدث.

لم يدرك التهامى أن الظروف تغيرت.. ومبررات احتمال مبارك للانتقادات رغم سعة صدره لم تعد قائمة.. انتهت تلك المبررات بتراجع موجة الإرهاب عقب مجزرة الأقصر.. فقد سيطر الغضب على الشعب المصرى كله وقتها بعد أن قطعت أرزاق ملايين منه بضرب السياحة.. كما أن الداخلية نجحت فى إعدام قيادات التنظيمات المسلحة وقضت على المؤثرين منهم.. ووضعت خطة التوبة مع من قرر نبذ العنف والعودة سالما مستسلما للمجتمع.

وعلى ما يبدو كان النظام يحتمل ما نفجر من قضايا فساد على مضض لأنه كان فى حاجة إلينا لمواجهة الإرهاب وما إن تراجع الإرهاب حتى قصقص النظام ريشنا.

لم ينتبه التهامى لتحليل الموقف على هذا النحو متصورا أن خروجى من «روزاليوسف» لن يغير شيئا بل على العكس سيتيح له الاستمرار فى نفس الطريق مستفيدا من قاعدة النجاح العريضة التى بنيت ولم تمض سوى أسابيع محدودة حتى جرى التخلص منه.

حسب ما سمعت من إبراهيم نافع وقتها: فإن مبارك كان يتفقد وحدات من الجيش الثانى فى الإسماعيلية عندما أبلغوه بما نشرت «روزاليوسف» هجوما على السفارة والسياسة الأمريكية فطلب عددا من المجلة ليقرأ بنفسه ما كتب وأقلعت طائرة نقل من طراز سى 130 لتأتى بحزمة أعداد وقبل أن يكمل مبارك قراءة ما نشر حتى ألقى بالعدد الذى فى يده قائلا: هو التهامى فاكر نفسه عادل حمودة وفى تلك اللحظة تقرر إقالة التهامى.

وبقرار إقالة التهامى أسدل الستار عن تجربة متميزة فى «روزاليوسف» يعترف الخصوم قبل الأصدقاء أنها تجربة امتد تأثيرها إلى كثير من الصحف والمجلات المصرية.

فى ذلك الوقت اتفقت مع صديقى الدكتور نصيف قزمان على تأسيس دار نشر أطلقنا عليها الفرسان أتاحت لى بسهولة العودة إلى تأليف الكتب ونشرها متناسيا ما حدث فلا البكاء على ما كان يعيده ولا حديث الماضى يصلح للتعامل مع المستقبل.

قضيت ساعات طويلة مع هيكل للتفتيش عما هو مجهول فى حياته الشخصية وجذوره العائلية لوضع الكتاب الوحيد عن سيرته الذاتية والمهنية وهو الكتاب الذى خرج إلى النور تحت عنوان: هيكل الحياة الحرب والحب بعد أن راجعه بنفسه.

ونشرت كتابا آخر عن النكتة اليهودية سخرية اليهود من السماء إلى النساء كشفت فيه عن العقد النفسية التى تحكمهم وعاداتهم الخاصة المستندة إلى كتبهم المقدسة وكيف عبروا عنها بالسخرية من أنفسهم ليتحملوا ما جرى لهم من متاعب تسببوا فيها بأنفسهم.

ونشرت كتابا ثالثا عن رحلتى إلى اليابان تحت عنوان دولة يوم القيامة أثبت فيه أن الإنسان هو العنصر الفاعل فى التنمية وليس الموارد الطبيعية.

ونشرت كتابا رابعا عن شخصيات عرفتها تحت عنوان زعماء وسفهاء.

أما الكتاب الذى أثار ضجة هائلة فكان كتاب أنا والجنزورى فلم يكن ليمر ما فعل دون رصد وتسجيل لتعرف أجيال لم تعش أيامه وزمانه الحقيقة التى أخفيت عن الجميع.

وفى ذلك الوقت طلب منى محمد فائق أن أتولى رئاسة تحرير جريدة العربى التى يصدرها الحزب الناصرى.. كانت الديون قد تراكمت على الصحيفة لدى مؤسسة الأهرام التى هددت بعدم طباعتها.. وكان رأيى أن الصحيفة اليومية يجب أن تتوقف عن الصدور والاكتفاء بالعدد الأسبوعى.. ووافق على الاقتراح رئيس تحريرها عبد الله إمام.

والتقيت بأعضاء اللجنة التنفيذية العليا ليناقشوا معى تصورى لسياسة تحرير الصحيفة وانتهى الاجتماع بالموافقة على قبولى رئيسا لتحرير الصحيفة بالشروط التى وضعتها على وعد بإعادة تأثيرها ورفع توزيعها.

لم أتحمس لعرض من أحد رجال الأعمال بتمويل الصحيفة مقابل المشاركة فى الأرباح ولكنى وافقت على وديعة وضعها فى البنك رجل أعمال آخر محترم قرر مساندة الصحيفة لأنه انتمى فى فترة شبابه للفكر الناصرى ولكنه لم يحتمل هزيمة يونيو فترك عمله فى البنك الأهلى ليسافر للعمل فى الكويت.

لكن.. رئيس الحزب الناصرى ضياءالدين داود كان أكثر حماسا لاستمرار عبد الله أمام فى منصبه.. فلم أتردد فى الذهاب إلى محمد فائق فى بيته للاعتذار عن رئاسة التحرير.. وأسعدنى قبوله الاعتذار.. فقد كنت فى حاجة للراحة من العمل الصحفى بعد أن وجدت نفسى أكثر فى تأليف الكتب.

واقترحت أن يتولى رئاسة تحرير الصحيفة اثنان من أفضل كتابها هما عبدالله السناوى وعبد الحليم قنديل وأشهد أنهما تفوقا فى عملهما ورفعا سقف الحرية إلى حد انتقاد توريث الحكم ودفعا ثمنا غاليا بسبب مواقفهما الجريئة.

والسناوى كاتب ومحلل سياسى متميز.. تأثر على ما يبدو بهيكل.. وارتبط معه بصداقة متينة جعلت السناوى لا يطيق كلمة نقد ولو عابرة لهيكل.. حتى إن علاقتى الطيبة بالسناوى تضررت من جانبه بعد أن اختلفت مع هيكل بعد أن انحاز إلى الإخوان والتقى برئيسهم محمد مرسى ودافع عن موقف قطر المعادى لمصر.. ومن جانبه أعلن السناوى القطيعة بعد أن نشرت كتاب خريف هيكل.

تساءلت ومعى كثير من الأصدقاء: هل الإيمان بكاتب ولو كان فى قامة وقيمة هيكل يمكن أن يمنع الاختلاف معه ويجبر مريديه على مقاطعة كل من يتجرأ وينتقده؟ أليست الكتابة الجيدة هى التى تثير النقاش حولها تأييدا واختلافا؟

وشاءت الظروف أن يتولى عبد الحليم قنديل رئاسة صحيفة صوت الأمة التى أعدتها للنور بعد أن اشتريناها أنا وعصام فهمى من عائلة عدلى المولد المحامى وظل قنديل على رأسها حتى عوقب بالسجن بجريمة إهانة القضاء ولم نستطع أن نفعل معه شيئا.

وما إن هدأت الضجة التى صاحبت خروجى من «روزاليوسف» عدة شهور حتى فوجئت بالنيران تفتح علىَّ من صحف خاصة ارتبط أصحابها بوزير الإعلام صفوت الشريف الذى لم ينس لى أننى هددت مكانته بعد الإطاحة برجله القوى فى ماسبيرو ممدوح الليثى عقب الضجة الصحفية والقضائية التى ترتبت على نشر مقالى فضيحة على النيل.

سكت الشريف وقتها وابتلع ريقه ونجا من الفضيحة ولكنه لم ينس ما سببته له من قلق واضطراب، فقرر الانتقام منى فى وقت تصور فيه أن أسلحتى قد نزعت وأن الوقت قد حان لتصفية الحسابات القديمة معتمدا على القاعدة الشهيرة: الانتقام طبق يؤكل باردا.

ولم أرد على الأقلام التى تحركت لمجاملته بل قررت الرد عليه مباشرة بصفته اليد التى حركت تلك الأقلام وأشهد أن السناوى تحمس لنشر ما كتبت ضد الشريف بل ووضع عناوين مقالاتى مانشتات رئيسية للأعداد التى نشرتها.

لم يستوعب الشريف رغم خبرته الطويلة والمتميزة فى الإعلام أن الصحفى لو فقد منصبه لا يفقد قلمه ولا مصادره ولا قراءه.

أوجعت المقالات الشريف واستعان بالدكتور أسامة الباز للتوفيق بيننا ولكنى وجدتها فرصة كى أطلب من الباز حمل رسالة إلى مبارك ليسمح لنا بإصدار صوت الأمة.

كنا قد حصلنا على حكم بات نهائى من المحكمة الإدارية العليا أصدره المستشار مجدى العجاتى الذى تولى فيما بعد منصب وزير الشئون القانونية ومجلس الشعب فى حكومة شريف إسماعيل عام 2015 بالسماح لصوت الأمة بالصدور.

وبالفعل جرى تجهيز العدد الأول برئاسة تحرير إبراهيم عيسى واكتفيت بمنصب مستشار التحرير ولكن ما إن نشر إعلان عن نزول العدد إلى الأسواق حتى تدخل الجنزورى واتصل بإبراهيم نافع وهو فى روما لمنع طبع العدد ونفذ نافع ما طلب منه.

طلبت من الباز نقل رسالتى إلى مبارك ورغم أن الباز نادرا ما يتدخل فى مثل هذه الأمور إلا أنه نقل الرسالة بالفعل إلى مبارك.

كان مبارك يجتمع مع مجموعة من مساعديه لوضع ترتيبات الانتخابات البرلمانية التى كانت على الأبواب فى خريف عام ألفين ولم يتردد مبارك فى الموافقة على صدور صوت الأمة معترفا بأننى ظلمت وأن ما نقل إليه عبر الجنزورى لم يكن منصفا وكرر مبارك على مسامع صفوت الشريف وحبيب العادلى وكمال الشاذلى موافقته على إصدار الصحيفة وهو يستعد لركوب سيارته عقب انتهاء الاجتماع.

وبتلك الموافقة غير المتوقعة دخلت مرحلة جديدة فى مشوارى المهنى.. مرحلة نشر وتحرير الصحف الخاصة التى لم تكن مؤثرة بما يكفى فى ذلك الوقت.